سياسات تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي
سياسات تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي
د. نبيل جعفر عبد الرضا
2012 / 6 / 29
الادارة و الاقتصاد
سياسات تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي
يقصد بسياسات تطوير القدرة التنافسية مجموعة الإجراءات والتدابير والأطر التي تستخدمها هيئة عليا تعنى بالقدرة التنافسية أو بإدارة الاقتصاد الكلي، تمكن البلد من التعامل مع الواقع التنافسي له وتشير إلى الطريقة الأمثل والإجراءات الأنسب التي ينبغي القيام بها لتطوير القدرة التنافسية للبلد وتحقيق معدلات نمو مضطردة في الدخل الفردي.
وتهدف سياسات تطوير القدرة التنافسية إلى تطوير الأداء في المجالات التالية:
– الأداء الاقتصادي الكلي: اتضح من خلال نتائج قياس القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي في المبحثين السابقين أن الأداء الكلي للاقتصاد العراقي كان ضعيفا مقارنة مع دول العينة، مما يعني قصورا في سياسات الاقتصاد الكلي التي تكمن أهميتها في أنها تؤثر على توقعات أطراف العملية الاقتصادية حول مستقبل الاقتصاد وتطوراته ومدى الثقة في مسار هذا الاقتصاد، وتجلت أهم أوجه هذا القصور في تذبذب وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وتواضع معدلات الاستثمار ونوعيته وعدم استقرار سعر الصرف، لذا فانه من الصعوبة بمكان تطوير القدرة التنافسية للبلد في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة أو يشوبها قدر كبير من عدم التأكد.
عليه فان أولويات سياسات الاقتصاد الكلي تتركز في:
1. تنفيذ سياسات إصلاح اقتصادي وإصلاح إداري وإعادة هيكلة، بهدف تصحيح مسار الاقتصاد ودفع عجلة التنمية ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي،وذلك من خلال تنفيذ حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الكلية المرتبطة بتنفيذ برنامج استثماري واسع لرفع معدل النمو الاقتصادي وزيادة مستويات التشغيل. ويجب التأكيد على أهمية تقديم الإصلاح الإداري على الإصلاح الاقتصادي في عملية التطوير فأي إصلاح اقتصادي لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة منه دون وجود نظام إداري تتوافر فيه مجموعة العناصر والمحددات التي تحقق الميزة التنافسية.
2. تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لرفع معدلات تشغيل الموارد المحلية، وذلك عن طريق إجراء إصلاحات إدارية ومالية، وإصلاح النظام المصرفي، وتطوير سوق المال وربطه بأسواق المال الإقليمية والدولية.
3. تنفيذ سياسات تستهدف استقرار أسعار الصرف الحقيقية عند مستويات تنافسية، ومن المهم مساندة سياسة سعر الصرف بسياسات مالية ونقدية غير توسعية من أجل تقليص معدلات التضخم المرتفعة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي والتي تساهم في رفع تكلفة الإنتاج والإنتاجية ومن ثم تؤثر على سعر الصرف الحقيقي. والاستفادة من برامج الإصلاح الاقتصادي لبعض الدول العربية فيما يخص سياسات سعر الصرف إذ تشير بعض الدراسات والتقارير العربية إلى أن كافة السياسات المتعلقة بسعر الصرف استهدفت تخفيضه من اجل التوازن الاقتصادي وتحسين الأداء التجاري، إلا أن أثرها الإجمالي فيما يتعلق بالميزان التجاري، كان سالبا نظرا لما يرتبط بذلك من زيادة أعباء الواردات وتخفيض الإيرادات الحكومية عن طريق زيادة التضخم وتخفيض النشاط الاقتصادي .
4. إنشاء شبكات فعالة للضمان الاجتماعي وتطويرها للتخلص من الآثار السلبية المصاحبة لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة.
5. تحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي شرط أن يكون اندماجاً متوازناً وأن لا يتم على حساب التضحية بالمصالح الاقتصادية الوطنية.
– الحاكمية وفعالية المؤسسات: كما اتضح من نتائج قياس تنافسية الاقتصاد العراقي التدهور الكبير في مستوى الحاكمية ومدى فعالية المؤسسات، وتفيد الأدبيات الحديثة أن تحسين الحاكمية وتطوير المؤسسات يمران قطعا بإشراك مختلف طبقات المجتمع المدني في إحداث التنمية، وكذلك بالمساءلة وضمان الشفافية ورفع مستوى الجهاز الإداري من حيث التعيين والترقية بحسب الكفاءة والعمل على إخراج هذا الجهاز من دائرة أصحاب المصالح وذوي النفوذ، كما أن تحسين الحاكمية يتحقق عن طريق تنفيذ القانون والعمل على عدم تضارب اللوائح والتشريعات.
يرى البعض أن وجود إدارة عامة مستقرة هو أمر أكثر أهمية للتنمية الاقتصادية من وجود برلمانات حرة أو إجراء انتخابات حرة، وفي الدول الأقل تطورا وخاصة الدول المتضررة من فترة ما بعد الحروب – كالعراق مثلا-، يطلب من القطاع الخاص الذي يسعى لتحقيق التنمية أن يلعب دورا رئيسا في تقديم الخدمات وتوفير البنية التحتية الاقتصادية المطلوبة، لكن الأهم من ذلك يعد وجود خدمة مدنية مستقرة وغير مؤيدة لأي حزب من الأحزاب السياسية أمرا هاما للديمقراطية لأنها تجعل من الممكن وجود حكم سياسي يتمتع بالسلام والنظام ومن ثم ضمان وجود تعددية حزبية حقيقية.
بعد سقوط النظام السياسي السابق عام 2003، استخدم العراق أسلوب اللامركزية كسياق يتم فيه بحث الإجراءات التصحيحية لإصلاح الإدارة الحكومية، إلا أنه من السلبيات الهامة التي رافقت تطبيق هذا السياق هو ضعف القدرة الإدارية للحكومات المحلية، واستخدام المحسوبية والانتماءات الحزبية لتعيين أصحاب المناصب العليا، وعدم وجود قنوات للمساءلة يستطيع الشعب من خلالها محاسبة الحكومة. ولكي تنجح الحكومة اللامركزية فانه لا بد من وجود آليات تتيح لها ذلك، ومن ثم يجب التركيز على سبيل المثال على : آليات تمويل الأموال لضمان وضع الموازنات والخطط على المستوى المحلي مستلهمة من الموازنات والخطط الموضوعة على المستوى القومي، وتكون جزءا من هذه الموازنات والخطط، وجود نظم للمتابعة والمراقبة مرتبطة بالميزانية، وجود نظم ملائمة للموارد البشرية.
وتعد مشكلة الفساد الإداري من أكبر المشاكل التي يواجهها الاقتصاد العراقي في مجال الحاكمية وفعالية المؤسسات، وتوضح قراءة الأدبيات الاقتصادية تعدد قنوات الفساد الإداري والتي أهمها:
1. المجال الاقتصادي: والمتمثل في السياسات الاقتصادية المرتجلة وسوء توزيع الثروات والموارد وتباين الدخول أو تحميل الإدارة العامة الحكومية بأعباء كبيرة، وتخصيص أموال طائلة للقيام بهذه المهام دون متابعة ورقابة ومساءلة، والتحول السريع وغير المخطط نحو تعظيم دور القطاع الخاص على حساب القطاع العام.
2. المجال القانوني والقضائي: ويتمثل ذلك في الثنائية في تطبيق النصوص القانونية وفي تفسيرها تبعا لأطراف العلاقة والمحاباة، والمجاملة لصالح الأقوياء على حساب الضعفاء، والتساهل والإجراءات الروتينية المعقدة، والممارسات غير القانونية من قبل بعض المحامين والقضاة.
3. المجال الاجتماعي: ويتمثل في تأثير البيئة المحيطة بشكل مباشر على سلوك موظفي الحكومة والمواطنين معا من خلال استجابة هؤلاء للعادات والتقاليد ودليل قيم المجتمع التقليدي والانتماءات العشائرية والطائفية والأسرية والإقليمية.
4. المجال الإداري: والذي يتمثل في اضطرار المواطنين إلى إتباع أساليب ملتوية لانجاز أعمالهم بسبب عجز أو قصور الجهاز الإداري عن انجاز مهامه، والإغراق في اللامركزية مع غياب الرقابة التي تقود إلى سوء استغلال السلطة، وتضخم الأجهزة والمؤسسات الحكومية الذي يرافقه اختيار قيادات إدارية غير مؤهلة، وتراكم الثغرات في القوانين والأنشطة، وتغلغل العناصر المحترفة والمتمرسة في الفساد الإداري إلى المستويات الإدارية العليا وما يليها.
وللقضاء على الفساد الإداري يجب إتباع السياسات الآتية:
1. تعزيز الديمقراطية واستقلال القضاء: إذ تعد الديمقراطية إحدى دعائم الحكم الصالح، لأنها آلية حكم توفر منظومة سياسية متكاملة قادرة على تحجيم الفساد وحصره في أضيق نطاق، لكونها تتصف بالتعددية الحزبية وتداول السلطة، التي تحول دون انفراد طرف سياسي بالقوة والنفوذ، وهذا يجعل الطرف المنافس من الأقلية البرلمانية في حالة دائمة لمراقبة الحكومة وتحديد أخطائها والحد من فسادها، وأن مبدأ تداول السلطة يجعل مؤسسات القرار بكل ممارساتها مكشوفة وهذا ما يعطل أهم صفة في الفساد وهو التستر والتخفي خلف النفوذ، وتعد السلطة القضائية المستقلة من أهم أركان الديمقراطية. كونها تساعد في ضمان المساءلة والمحاسبة وحماية حقوق الإنسان ضد كل أنواع السياسات الخاطئة وغير المنصفة، والسلطة القضائية المستقلة سلوك وإجراء جديد في العراق، كما يجب تعزيز سلطة وحرية الإعلام.
2. القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتقليل الفساد مثل إصلاح النظام الضريبي والنظام الكمركي وإصلاح الموازنة العامة وإصلاح نظام منح العقود والمشتريات الحكومية.
3. القيام بالإصلاحات الإدارية مثل إصلاح النظام المؤسسي ودعم أنظمة الحكومة الالكترونية.
-البنية التحتية الأساسية: تؤدي البنية التحيتة الأساسية التي تتضمن شبكات النقل البري والبحري والجوي، وتطور قطاع الاتصالات، وتوفر الماء والكهرباء، دورا أساسيا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسين بيئة الأعمال، لكن نتائج قياس تنافسية الاقتصاد العراقي أثبتت وجود تدهور كبير في هذه البنية مما يعبر عن الصعوبة التي يواجهها الاقتصاد العراقي سواء في تحقيق التنمية أو رفع القدرة التنافسية، وبدون توفر بنية تحتية أساسية لا يمكن للبلد تطوير قدرته التنافسية أو تطوير منتجات ذات صبغة تنافسية من حيث التكلفة والنوعية.
وتحتل البنية الأساسية أهمية كبيرة في الحياة المعاصرة لكونها احد الأركان الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لما تقوم به من ربط محكم ما بين الموارد الاقتصادية في بلد ما والهياكل الإنتاجية من ناحية وبين مواقع الإنتاج والأسواق من ناحية أخرى، مما يؤدي إلى تعزيز الأنشطة الاقتصادية واتساع آفاقها وتنويعها، وتنشيط الحركة التجارية وتسهيل إنشاء مختلف المشاريع الإنتاجية والخدمية.
وقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية أن هناك علاقة قوية بين إنشاء البنية التحتية الأساسية والنمو في دخل الفرد، مما يرسل رسالة واضحة مفادها أن تنمية البنية التحتية الأساسية يحب أن يكون في طليعة أولويات الحكومة العراقية إذا أرادت أن تحقق معدلات جيدة للنمو الاقتصادي، والاستجابة لذلك تكون من خلال برنامج جذري وشامل لتحديث وتطوير البنية التحتية الأساسية، ويكمن التحدي الرئيس في هذا البرنامج في قطاع الكهرباء، إذ يعد ضمان توفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الكهرباء بأقل كلفة ممكنة ضروريا لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتقليل الكلف الإنتاجية.
وللارتقاء بنوعية البنية التحتية في ظل بيئة مناوئة للتدخل الحكومي المباشر في الاقتصاد، وفي ظل برامج الإصلاح الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج، فان على الحكومة العمل على تشجيع الاستثمار في البنية التحتية والعمل على استخدام الصيغ التمويلية الحديثة مثل الامتياز وعقود الإدارة، التي تضمن مساهمة القطاع الخاص عبر تحقيق عائد مرتفع للمشاريع مقابل توفير خدمة جيدة وضمان صيانة هذه المشاريع، وهذا يتطلب تشجيع المنافسة ومساهمة شركات القطاع الخاص وتقليل القيود المفروضة على الدخول لهذه الأسواق وتنظيمها وفق قواعد اقتصاد السوق.
– جاذبية الاستثمار: وفيما يخص جاذبية الاستثمار فان الاقتصاد العراقي لا يوفر البيئة الجاذبة للاستثمار سواء المحلي أم الأجنبي، ويتطلب توفير البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات إحداث تغييرات عميقة في الهياكل والمؤسسات والسياسات التي تعمل على تحفيز الاستثمار،ويمكن إجمال أهم مقومات نجاح سياسات واستراتيجيات دعم الاستثمار الأجنبي المباشر في الآتي :
1. توفر الإرادة على أعلى المستويات السياسية والتشريعية والتنفيذية للحاجة إلى صياغة وتنفيذ ومراقبة إستراتيجية وطنية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر حيث يعد توفر هذه الإرادة العامل الأساس لنجاح هذه الإستراتيجية بشرط أن تترجم هذه الإرادة إلى خطوات تشريعية وتنفيذية تمهيداً لزيادة هذا التدفق، فعلى المستوى التشريعي يجب وضع القوانين الملائمة لمثل هذا الـتدفق، وفي مقدمتها حماية الملكية الفردية والفكرية، وقوانين دعم المنافسة، وقوانين الشركات وقوانين تحرير التجارة ورأس المال، وقوانين الخصخصة، فسن هذه القوانين يوفر الأمان والضمان للمستثمر الأجنبي وان استثماراته تتمتع بحماية تكفلها قوانين وضعتها السلطات التشريعية وليس مجرد تدابير حكومية يمكن أن تتغير بتغير الحكومة وعلى المستوى التنفيذي، يجب على الحكومة أن تكفل تحويل هذه التشريعات الصادرة إلى برامج وإجراءات حكومية تنفيذية تسهل وتحمي تدفق الاستثمار الأجنبي، وينبغي أن تكون واضحة ومستقرة وان توفر الشفافية اللازمة التي تشجع المستثمر الأجنبي .
2. تحديد الأهداف الاقتصادية المراد تحقيقها من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ويجب أن تكون الأهداف الموضوعة واضحة ومحددة سواء أكانت تتمثل في زيادة الصادرات أم إشباع السوق المحلي أم زيادة الكفاءة الاقتصادية والغرض من تحديد هذه الأهداف هو تحديد نوعية الاستثمار الأجنبي الملائم لتحقيق كل من هذه الأهداف فالاستثمار الأجنبي الذي يطمح إلى إشباع حاجات السوق المحلي يختلف عن ذلك الذي يسعى إلى زيادة الصادرات وكلاهـما يخـتلف عـن الـذي يهـدف إلى استغلال الأيدي العاملة الرخيصة وغيرها، كما أن تحديد الهدف من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر يؤدي إلى تحديد الحوافز المقدمة، بحيث تكون هذه الحوافز موجهة مما يحقق الهدف بأقل تكلفة ممكنة على الخزينة العامة .
3. أن تكون سياسة دعم الاستثمار الأجنبي المباشر مكملة لسياسة دعم الاستثمار المحلي وخاصة استثمارات القطاع الخاص، وليست متنافسة أو متناقضة معها، وهذا يعني النظر إلى تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر باعتباره عملية مؤقتة لحين زيادة الاستثمار المحلي كما ونوعاً بحيث يستطيع قيادة عملية النمو الاقتصادي، إذ أن الاعتماد الكلي أو شبه الكلي على الاستثمار الأجنبي المباشر يولد مخاطر على الاقتصاد الوطني، وخاصة في حالات الأزمات الاقتصادية العالمية أو المحــلية، فعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي يتسم به الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بغيره من التدفقات المالية الخارجية، فقد ينخفض لظروف عالمية أو محلية، كما حدث في عام 2001، عندما انخفض على المستوى العالمي بحوالي (50%)، ومن ثم يجب إن تكون إستراتيجية دعم الاستثمار الأجنبي المباشر متماشية مع إستراتيجية دعم الاستثمار المحلي بحيث ينخفض على المدى الطويل، الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر ويظل في حدود ضيقة ومحددة، في مجال نـقل التكنولوجيا مثلاً، ويتطلب هذا دعم التمييز في التعامل بين الاستثمار المحلي والأجنبي سواء من ناحية التسهيلات أو التخفيضات الكمركية أو الضريبية وغيرها، أي أن سياسة دعم الاستثمار الأجنبي يجب إن لا تؤدي إلى هروب الاستثمار المحلي، بل أن تعمل على زيادة هذا الاستثمار حتى تكون المحصلة النهائية هي زيادة الاستثمار المحلي وليس العكس.
ويؤكد تقرير للأنكتاد على هذا المعنى، حيث يوضح أن الفوائد المحتملة من الاستثمار الأجنبي المباشر تتوقف على الظروف المتوفرة في الدولة المستقبلة له، وأن هذا النوع من الاستثمار لا يمكن أن يكون بديلاً للجهد المحلى أو الوطني، وأنه ما لم تكن هناك شركات محلية على مستوى يؤهلها للتفاعل مع الشركات الدولية النشاط، فلن يكون هناك نقل للمعرفة والتقنية ؛ وسوف تنخفض احتمالات حدوث أي تغير إيجابي في المزايا التنافسية الديناميكية للدولة المضيفة، ويشير هذا التقرير إلى ما أوضحته الدراسات من أنه كلما اتسعت الفجوة في القدرات التقنية بين فروع الشركات الأجنبية والشركات المحلية في الدول النامية، تضاءلت احتمالات انتشار الآثار التكنولوجية وغيرها من الفوائد من هذه إلى تلك. بل إنه كثيراً ما تؤدى الفجوة الكبيرة في القدرات التنافسية بين الشركات المحلية وفروع الشركات الأجنبية في الدول النامية إلى ممارسة الاستثمار الأجنبي لنفوذ قوى في أسواق هذه الدول، حيث يستأثر بالأنشطة ذات القيمة المضافة العالية ويترك للشركات المحلية الأنشطة ذات القيمة المضافة المنخفضة القائمة على المنافسة في خفض التكلفة، لا من خلال الابتكار والتجديد التقني.
– تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي: إن التدخل المفرط للحكومة في مجال الملكية وكذلك تدخلها في قطاع الأعمال وهيمنتها على القطاع الإنتاجي يحد من تطور الإنتاجية، لذا فان الخيار الأنسب للحكومة إذا أرادت تطوير القدرة التنافسية للبلد أن تقلص تدخلها المباشر والمفرط في النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي، وأن يكون تدخلها محدودا في مجالات معينة أهمها توفير البنية التحتية الأساسية، وتهيئة البيئة الاستثمارية، وإقامة شبكات مناسبة للضمان الاجتماعي والتنمية البشرية، والحفاظ على سلامة البيئة، فضلا عن إيجاد شراكة ملائمة مع القطاع الخاص للتخفيف من الأعباء المالية والإدارية التي تقع على عاتقها، وبما أن الاقتصاد العراقي قد اعتمد سياسة السوق الحر، فان دور الدولة يجب أن يتحول إلى دور تصحيحي في النشاط الاقتصادي وهذا الدور يتلخص في الآتي:
1. يجب تحويل أولويات الإنفاق العام من المجالات الحساسة سياسيا إلى الحقول المهملة ذات العوائد الاقتصادية المرتفعة والتي تساعد على تحسين الدخل.
2. الإصلاح الضريبي والمتمثل بتوسيع القاعدة الضريبية، وتطوير الجهاز الضريبي، وضرورة إيجاد طرق لتحصيل ضريبة على رأس المال الهارب.
3. ضرورة تحرير رأس المال جزئيا.
4. وجوب المحافظة على أسعار صرف تنافسية.
5. إزالة معوقات دخول الشركات الأجنبية، وعلى الشركات الأجنبية والشركات المحلية أن تتنافس في ظل شروط متساوية. لكن هذا ليس في المرحلة الأولى لأن القطاع الخاص العراقي مازال ضعيفا.
6. ضرورة تخصيص مؤسسات القطاع العام بعد توفير الشروط الملائمة للخصخصة.
7. وجوب حماية وصيانة حقوق الملكية.
– تكلفة القيام بالأعمال: إن تحسين وضع العراق في مؤشر سهولة الأعمال يستدعي العمل على إيجاد نقاط الضعف الأساسية في هذا المؤشر ومحاولة معالجتها، وقد تمثلت نقاط الضعف الأساسية خلال مدة البحث وبحسب نتائج القياس التي قام بها الباحث، في مؤشرات تأسيس الكيان القانوني للمشروع وتصفية المشروع وإنفاذ العقود والحصول على الائتمان المصرفي، وبما أن هذه المؤشرات تخص عمل القطاع الخاص، فان تحسين وضع العراق في هذه المؤشرات يستدعي إتباع العديد من السياسات التي تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وأهمها الإصلاح القانوني والتنظيمي في جميع الجوانب المرتبطة بعمل هذا القطاع، وكذلك الحاجة إلى القضاء على الكثير من الأسباب المؤدية إلى فشل السوق، وأهم جوانب الإصلاح القانوني والتنظيمي ما يلي:
1. تسهيل فرص الحصول على التمويل عن طريق إصلاح السوق المالية وتطوير عمل الجهاز المصرفي، وتخفيض سعر الفائدة على القروض الممنوحة للقطاع الخاص.
2. تخفيض عدد الإجراءات الإدارية المطلوبة لتأسيس الكيان القانوني للمشروع، وتخفيف الأعباء المالية، وحوسبة إجراءات التأسيس بما يسهم في تقليص المدة اللازمة للتأسيس.
3. تخفيف الأعباء الضريبية والجمركية المفروضة على واردات القطاع الخاص وصادراته.
4. توفير الضمانات للمستثمر المحلي والأجنبي من أجل تشجيع الاستثمار.
5. تسهيل إجراءات الحصول على الملكية العقارية،وتوفير الأراضي اللازمة لإقامة المشاريع العائدة للقطاع الخاص.
6. تطبيق مؤشر تصفية المشروع وتحديد الوقت والكلفة اللازمين لتسوية حالات الإفلاس.
– ديناميكية الأسواق والمنتجات والتخصص: في هذا المجال فان سياسات تطوير القدرة التنافسية تتلخص بالآتي:
1. تعد المنافسة الداخلية بين المنشآت عنصرا أساسيا لتحفيزها على الابتكار ورفع الإنتاجية ودعم قدرتها التنافسية، وذلك لأن السيطرة على السوق من قبل عدد محدود من المنشآت من شأنه أن يثبط دافع الابتكار ورفع الإنتاجية وتحسين الكفاءة والنوعية، وعلى هذا الأساس فان إيجاد مناخ تنافسي داخلي يعد شرطا أساسيا في دعم القدرة التنافسية في الأسواق الدولية.
2. تكوين رؤية واضحة في التخصص الصناعي والتوجه نحو سلع ديناميكية يزيد الطلب عليها والتأقلم مع تغير الطلب العالمي بصفة عامة، والقيام بجهود فعلية نحو تنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل.
3. الدخول في اتفاقيات الشراكة وتوقيع الاتفاقيات الدولية والانفتاح، عوامل تشجع على الانضباط في مجال الأعمال وتساعد على الرغم من التحديات التي تطرحها على التأقلم مع البيئة العالمية.
4. ان العناصر التي اقترحها بورتر في “ماسة الميزة الوطنية” للبيئة التي تنشأ وتنافس المنشآت ضمنها، تقود إلى إبراز أهمية مساندة الدولة في تكوين وتدريب المهارات والتقنية اللازمين، وتوفير مناخ وطني تنافسي ولاسيما من خلال الانفتاح الخارجي وتحرير التجارة الخارجية وتوفير بيئة أعمال ملائمة للمستثمرين.
– التكلفة والإنتاجية: أدت إقامة منظمة التجارة العالمية إلى تطور كبير في التجارة الدولية، مما رفع من أهمية متابعة معايير الجودة والنوعية باعتبارها أدوات الدخول إلى المنافسة العالمية، وأصبحت الكفاءة والإنتاجية من أهم مقاييس القدرة التنافسية للمنشآت، وسعت الدول إلى إيجاد وفورات الحجم من خلال التجمع والربط الشبكي واستحداث المناطق الصناعية وتطويرها، لذا فان إتباع سياسة صناعية سليمة من شأنه أن يدعم القدرة التنافسية للمنشأة والدولة، والغرض من السياسة الصناعية هو تحديد مسار الإجراء اللازم لدعم تحقيق أهداف القدرة التنافسية التي تعتمد على أداء القطاع الصناعي بشكل عام وأداء الصناعة التحويلية بشكل خاص.
تاريخيا اتبعت الحكومات سياسات صناعية رأسية استهدفت قطاعات مختارة من أجل التنمية، ويميل هذا النهج إلى عدم تشجيع تنمية المشاريع الخاصة والابتكار بل يحول دون نمو الاقتصاد الجزئي وتوزيع مزايا الرفاه الاقتصادي على جميع القطاعات، في المقابل اكتسبت السياسات الصناعية الأفقية أوسع تأييد في السنوات الأخيرة بوصفها منهجا أكثر فاعلية للتغلب على إخفاقات السوق، وتستطيع الحكومات إيجاد البيئة الملائمة لتعزيز التنمية الصناعية من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتعزيز الأطر القانونية والمؤسسية، وتوسيع نطاق البنية التحتية، وقد بينت الدراسات أن السياسات الصناعية الأفقية تميل إلى الحد من تشوهات السوق وتعزيز زيادة المنافسة المفتوحة والشفافة والحد من مخاطر فشل السياسات المرتبطة بتدخلات غير موجهة، وتذهب الأدبيات الحديثة إلى مدى أبعد بتأييدها نموذج جديد للنمو الصناعي يقوم على شراكة إستراتيجية بين القطاع العام والقطاع الخاص يتولى فيها أصحاب المصلحة معا وضع سياسات مناسبة وفعالة.
وتشمل أهم سياسات رفع القدرة التنافسية للقطاع الصناعي العراقي ما يلي:
1. إعادة هيكلة القطاع الصناعي بشكل عام والصناعات التحويلية بشكل خاص من حيث التركيز على تحديث التقنيات المستخدمة في الإنتاج، واستخدام النظم الحديثة في الإدارة العامة وإدارة الموارد البشرية، والتركيز على رفع الطاقات الإنتاجية.
2. إقامة مدن صناعية في أنحاء البلاد المختلفة لما لهذه المدن من أهمية في دفع عجلة التنمية الصناعية، وتقديم التسهيلات والخدمات وتوفير المناخ المناسب للمستثمرين لإقامة استثماراتهم في المدن الصناعية التي تؤمن المستلزمات وتختصر الروتين والإجراءات الإدارية من خلال نظام النافذة الواحدة، فضلا عن خلق تجمعات صناعية متكاملة وتأمين فرص العمل للعاطلين.
3. تشجيع الصادرات الوطنية وزيادة قدرتها التنافسية من خلال إعفاء الأرباح الناتجة عن الصادرات الوطنية من الضرائب، وتقديم تمويل خاص لتشجيع الصادرات بتسهيلات كبيرة أو إنشاء صندوق لتمويل الصادرات يتولى هذه المهمة.
4. دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة لما لها من أهمية في التخفيف من مشكلتي البطالة والفقر التي يعاني منهما الاقتصاد العراقي، فضلا عن أن حجم الاستثمار فيها يقل كثيرا عن حجم الاستثمار في المشاريع الكبيرة.
5. توفير برامج تطويرية لزيادة الوعي وبناء القدرات لدى القطاعين العام والخاص، ونشر الوعي حول مقاييس ومعايير الجودة والنوعية المستخدمة من قبل المنظمات الإقليمية والدولية من أجل إدخالها في الصناعة المحلية لتطويرها ومن ثم تسهيل دخولها إلى الأسواق الدولية.
إذ تلعب الجودة في اقتصاديات السوق الحر دورا هاما ومتزايدا في اكتساب الأسواق المحلية والدولية، وهذا ما دعا إلى تبني تقنيات مثل إدارة الجودة الشاملة (TQM) وهو ما مكن الشركات اليابانية من الحصول على حصص متزايدة في السوق العالمية، وساهم هذا المفهوم فضلا عن مفهوم الإنتاج في الوقت المناسب (JIT) والاستغناء عن المخزون في تطوير الإنتاجية وتشجيع استخدام العلم في اتخاذ القرار، بما يؤدي إلى رفع القدرة التنافسية للصناعات وتخصيص الموارد.
– الابتكار وتوطين التقانة: يعد الإبداع التقني أحد أهم الركائز الأساسية في بناء المزايا التنافسية للمؤسسات . فإذا أرادت هذه الأخيرة أن لا تتخلف عن السباق التنافسي فإنه يتعين عليها اتخاذ خطوات وإجراءات لتقديم منتجات أو لتطوير تقنيات جديدة لإنتاج هذه المنتجات وبتكلفة منخفضة.
إن دعم الابتكار وتوطين التقانة بحاجة إلى جهود كبيرة ووقت طويل نسبيا من أجل تحقيقهما، فضلا عن وضع الخطط والسياسات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف، ومن أهم سياسات دعم الابتكار وتوطين التقانة ما يلي:
1. التركيز على تطوير البحث العلمي لما له من أهمية في رفع القدرة التنافسية سواء من خلال رفع الإنتاجية، أو من خلال الابتكار والتميز، وتطوير البحث العلمي يقتضي زيادة الإنفاق المخصص للبحث والتطوير، وتقديم الدعم المالي للجامعات ومراكز البحوث والدراسات من أجل الارتقاء بواقعها ورفع قدرات الباحثين العراقيين من خلال الدورات التطويرية والمشاركة في المؤتمرات العلمية والعالمية والربط بين مراكز البحوث العراقية والعالمية، إذ أن تدني نسبة ما ينفقه العراق على البحث والتطوير يؤثر سلبا على الأداء الإبداعي للعلماء والباحثين العراقيين كما وكيفا، فضلا عن ضعف تأثيره ومحدودية نتائجه.
2. دعم إدخال التقنيات وأنظمة المعلومات الحديثة في المنشآت العامة والخاصة، وتشجيع توظيف تلك التقنيات وتطويرها باستمرار، ونشر ثقافة الإبداع والتطوير في المجتمع من خلال إقامة المراكز العلمية لتشجيع الباحثين الشباب وتقديم الحوافز والمكافآت للمتميزين منهم، وتكريم الباحثين المتميزين في كافة المجالات العلمية ليكون دافعا للبقية من أجل تطوير أدائهم.
3. ربط مراكز البحوث بالعملية الإنتاجية من خلال إنشاء مراكز بحوث ضمن الشركات الكبرى، وإيجاد نوع من المزاوجة بين قطاع البحوث والقطاعات الإنتاجية وتقديم منتجات متميزة مبنية على مخرجات العلوم وبحوثها، إذ يعد ذلك عاملا رئيسا في تطوير القدرة التنافسية. ويلعب العامل الرئيسي في البحث والتطوير التقاني دورا مهما في أي سياسات رامية إلى دعم القدرة التنافسية، واختلفت تجارب البلدان النامية في هذا الإطار حيث اختار معظمها تطوير مراكز حكومية مستقلة للبحث والتطوير، في حين اختارت بعض الدول الأخرى تطوير هذه المراكز ضمن كبريات الشركات الصناعية، وتفيد التجارب أن نشاط البحث والتطوير ضمن المراكز الحكومية لم يكن له وقع مؤثر على التطور التقاني واستخدامه في مجال الصناعة مقارنة بالمراكز التي تعمل مباشرة ضمن قطاع الإنتاج.
4. يحتاج تطوير القدرات التقانية إلى توفير عتبة دنيا من الجهد العلمي والموارد العلمية والبشرية والموارد المادية والبنى الملائمة، كما يحتاج إلى بيئة حاضنة بدءا من منظومة التعليم بمستوياتها المختلفة إلى الجهاز الإداري والى جهاز الإنتاج ذاته، ويوصى أن يتم تعريف رجال الأعمال وخصوصا الجدد منهم بدور التقانة في رفع القدرة التنافسية لمنتجاتهم ومشروعاتهم، وكذلك رفع قدراتهم الإدارية والفنية.
5. إنشاء مرصد وطني أو هيئة إحصائية للقيام بإعداد المؤشرات الكمية والنوعية وضمان مصداقية البيانات حول البحث والنشر العلمي والإبداع الوطني، من أجل إجراء تقييم شامل ودوري للقدرة الإبداعية لمؤسسات البحث العلمي العراقية وإيجاد السبل الكفيلة بتطوير أدائها.
– رأس المال البشري: إن العنصر البشري المؤهل بشكل جيد يؤدي إلى رفع القدرة التنافسية للبلد بأكثر من وجه، فهو مصدر التخطيط الجيد واتخاذ القرار كما هو مصدر العمل المتقن وبذلك يوفر للتنافسية أبرز أسسها وهي: تقليص الكلفة وضمان الجودة والتميز وتواصل الإبداع والابتكار.
يعاني رأس المال البشري في العراق من ضعف كبير في إمكانياته إذ احتل العراق المرتبة الأخيرة في ثمانية مؤشرات لقياس رأس المال البشري من أصل أحد عشر مؤشرا، كما أن الفجوة بين العراق والإمارات في هذا المؤشر بلغت نسبتها (86.2%)، مما يعني أن هناك جهودا كبيرة جدا يجب أن تبذل من أجل ردم هذه الفجوة الكبيرة، وتتلخص سياسات تطوير رأس المال البشري ورفع قدرته التنافسية بسياستين هما سياسة الصحة وسياسة التعليم.
أولا: السياسة الصحية: من أهم إجراءات السياسة الصحية الهادفة لرفع القدرة التنافسية لرأس المال البشري ما يلي:
1. إعادة هيكلة النظام الصحي وتصميم منظومة صحية فعالة بأحدث المواصفات العالمية، يشترط بها أن تكون مرنة ومتوافقة مع احتياجات العراق الحالية والمستقبلية، على أن توجه هذه المنظومة عناية كبرى للطب الوقائي والرعاية الصحية الأولية.
2. وضع إستراتيجية صحية متوسطة وطويلة المدى تستهدف إيصال الخدمات الصحية لكافة شرائح المجتمع وفي كافة أنحاء البلاد مع رفع مستويات التوعية الصحية والصحة الوقائية، على أن تركز هذه الإستراتيجية على إشراك القطاع الخاص في توفير الخدمات الصحية وإنشاء المستشفيات التخصصية وتوفير أقسام جديدة في كليات الطب تعنى بالصحة العامة وطب الأسرة، فضلا عن تشجيع انضمام الشباب من الجنسين لكليات ومعاهد التمريض لزيادة أعدادهم.
3. تأهيل الكوادر الصحية وإكسابهم الخبرة من خلال إقامة الدورات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات العالمية بما يسهم في رفع مستوياتهم
ثانيا: السياسة التعليمية: إن إصلاح النظام التعليمي يتطلب وضع إستراتيجية خاصة بالتربية والتعليم العالي طويلة الأجل من أجل تحقيق الثمار المرجوة منها، وتتخذ من الطالب محورا لها لتطوير قابلياته وقدراته، وتتركز أولويات هذه الإستراتيجية في تحقيق الآتي:
1. وضع الخطط والسياسات القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل الكفيلة بإصلاح وتطوير القطاع التربوي ضمن إستراتيجية التربية والتعليم، على أن تتضمن إعادة النظر بشكل دوري بالمناهج العلمية لكافة المراحل الدراسية من أجل إدخال التقنيات والمعارف الجديدة التي يفرضها التقدم العلمي، وتحويل هذه المناهج إلى مناهج عملية تكسب الطلبة مهارات تفيدهم في حياتهم العملية، وزيادة عدد الساعات الدراسية وتقسيمها الأمثل بين المواد المختلفة، ويحتاج إعداد الإستراتيجية ووضع الخطط والسياسات المطلوبة إلى موارد بشرية ذات كفاءة عالية تتولى مهمة الإعداد ومتابعة التنفيذ، فضلا عن استخدام مثل هذه الموارد في إدارة شؤون التربية والتعليم وتسيير المؤسسات التربوية والتعليمية من أجل تحقيق أفضل النتائج.
2. وضع أنظمة وآليات فعالة لتقييم التعلم والأداء عند الطلبة والهيئة التعليمية معا، ووضع نظام حوافز تشجيعي يرتبط بنتائج التقييم، فضلا عن وضع برنامج تدريبي للمعلمين والمدرسين لتطوير مهاراتهم وقابلياتهم باستمرار، وتزويد المدارس بأجهزة الحاسوب وإيصالها بشبكة الانترنت ويرى الباحث ضرورة الاستفادة من تجربة ماليزيا في ما يعرف بالمدارس الذكية التي تستخدم الانترنت وتقانة المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة في التدريس.
3. وضع خطة متكاملة لتحديد الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الأبنية المدرسية على أن يتم تصميمها وبناؤها وفق أحدث المواصفات العالمية وتزويدها بالمختبرات ووسائل التعليم والإيضاح الحديثة من أجل الارتقاء بالواقع التعليمي، وربط مخرجات التعليم مع احتياجات السوق الحالية والمستقبلية، لأن القدرة التنافسية ترتبط بشكل كبير مع نوعية التعليم والمحتوى التقني فيه.
4. إن رفع حصة التعليم المهني والتقني قبل الدرجة الجامعية الأولى عنصر مهم لربط التعليم بسوق العمل وتزويد الاختصاصيين بمساعدين لا غنى عنهم لضمان حسن قيام المهنيين مثل الأطباء والمهندسين والباحثين بمهامهم العليا، ويقتضي هذا التوجه تشجيع الطلبة ذوي المستويات المتوسطة دراسيا للدخول إلى هذه الفروع بالقياس إلى فروع التعليم العام أو الجامعي.
5. تطوير الجامعات ومراكز البحث العلمي من خلال فتح كليات أو أقسام لفروع المعرفة الحديثة، وتزويدها بالكوادر التدريسية ذات الكفاءة العالية والمختبرات والأدوات التعليمية الحديثة، وفتح فروع لبعض الجامعات العالمية المرموقة، وتطوير المكتبات الجامعية من خلال تزويدها بأحدث الإصدارات من الكتب والدوريات العلمية والاشتراك بالمواقع الالكترونية المزودة للمعارف والكتب والدوريات، وزيادة أعداد طلبة البعثات الدراسية إلى الخارج، والتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث العالمية من أجل تطوير الهيئات التدريسية سواء من خلال الدورات التطويرية أم البحوث المشتركة وغيرها من السبل الكفيلة برفع مستوى أداء الهيئات التدريسية والبحثية.
– البنية التحتية التقانية: تبرز أهمية البنية التحتية التقانية في تدعيم القدرة التنافسية من خلال مساهمتها في تسهيل دخول المنشآت إلى السوق وتخفيض التكاليف، فضلا عن تزويد تلك المنشآت بكميات كبيرة من المعلومات عن المستهلكين والأسواق من خلال الشبكة العالمية، وتحتاج البنية التحتية التقانية في العراق إلى جهد واستثمار كبيرين من أجل رفع القدرة التنافسية لهذا القطاع الحيوي والمهم جدا في عالم اليوم.
وتتجسد أهم سياسات تطوير البنية التحتية التقنية في الإجراءات التالية:
1. إعادة هيكلة الشركة العامة للاتصالات والبريد من أجل توسيع وتطوير شبكة الهاتف الثابت، وتطوير عمل شركة خدمات الانترنت وهما الشركتان اللتان تتكون منهما وزارة الاتصالات ولتحقيق هذا الغرض يجب زيادة التخصيصات المالية الممنوحة لهذه الوزارة من أجل تحقيق ذلك ولأن تطوير قطاع الاتصالات هو مسؤولية الحكومة المركزية وليس فقط وزارة المواصلات، و تأسيس شبكة مركزية للاتصالات متعددة الخدمات وفائقة السرعة تتميز بالكفاءة والقابلية للتوسعة إضافة إلى توافرها الدائم في خدمة المستخدم، فضلا عن إنشاء شبكة انترنت رئيسية وبوابة لخدمة مزودي خدمة الانترنت من القطاع الخاص على أن تكون هذه الشبكة ذات كفاءة متطورة وبسرعات عالية يمكن من خلالها النفاذ إلى خدمات الانترنت.
2. تبنى مشروع القضاء على الأمية الرقمية من خلال توسيع استخدام وتدريس الحاسوب في المدارس والجامعات بشكل فعال عملي وليس فقط نظري، وإقامة دورات تدريبية بأسعار رمزية جدا ومسابقات تمنح جوائز تشجيعية للمتفوقين في مجال الحاسوب واستخدام الانترنت وإنشاء نوادي لتكنولوجيا المعلومات في مختلف أنحاء البلاد، فضلا عن توفير أجهزة حاسوب منخفض الكلفة من أجل تسهيل اقتنائها وذلك بدعم وتشجيع قيام ورش لتجميع الحواسيب الشخصية لما لها من أثر كبير في تحقيق نشر أوسع لتقنيات الحوسبة، مع التأكيد على ضرورة وضع معايير لجودة الأنظمة التي تقوم بإنتاجها من أجل ضمان مصلحة المستهلك.
3. من الأهمية بمكان رفع الاستثمار في مجال الوسائط الحديثة للاتصالات، وبخاصة التقانة الرقمية وزيادة طاقة مختلف الشبكات وزيادة سرعتها وكفاءتها في معالجة ونقل البيانات بمختلف أشكالها، وتقليل تكلفة استخدام الشبكات والهاتف عبر رفع المنافسة في قطاع الاتصالات وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في شبكة الهاتف الثابت، ولاسيما استخدام أشكال التمويل الحديثة لمشاريع البنية التقانية.
4. وضع إستراتيجية لإنشاء الهياكل التنظيمية وتعيين الجهة المسؤولة عن وضع الاستراتيجيات العامة والخطط التنفيذية لإنشاء الحكومة الالكترونية، وتأتي أهمية هذه الإستراتيجية من أن الحكومة الالكترونية تعد الحل الأمثل في نظر الكثيرين من صناع القرار لمشاكل القطاع العام عالميا، إذ تهدف مبادرة إنشاء الحكومة الالكترونية إلى تزويد القطاع العام بالقدرة على تطوير وتنمية المجتمع بسرعة وفعالية، وذلك من خلال استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في مختلف القطاعات الحكومية، ويؤدي التنفيذ السليم لهذه المبادرة إلى رفع مستوى الأداء الإداري وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة الشفافية في المعاملات والإجراءات الإدارية، فضلا عن أنها تؤدي إلى الحد من الفساد الإداري في القطاع العام، كما توفر البوابات الالكترونية للحكومات منبرا للتفاعل مع المواطنين وهو ما يعد مشاركة حقيقية في صنع القرارات الحكومية.
إستراتيجية تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي:
تعرف الإستراتيجية على أنها تحديد الأسلوب المناسب لاستغلال موارد الدولة والتغلب على نقاط الضعف، وكيفية التصرف في مواجهة التغيرات التي تطرأ، أي فن استخدام موارد الدولة وإمكانياتها لتحقيق الأهداف العامة للدولة.
يعد التفكير الاستراتيجي طريقة ومنهجية فكرية متطورة توجه وتخطط لبناء استراتيجي متكامل لتحقيق هدف أو أهداف معينة، ولكي يحقق هذا التفكير ما يصبو إليه فانه يتطلب وجود أساسيات في الإستراتيجية أهمها:
1. آلية واضحة لتحديد الأهداف والنتائج المرغوبة ومتابعة تحقيقها وتعديلها وتطويرها في ضوء ما يستجد من متغيرات داخلية وخارجية.
2. آلية مرنة لإعداد وتفعيل مجموعة السياسات التي ترشد وتوجه العمل في مختلف المجالات، وتوفر قواعد للاحتكام واتخاذ القرارات، وتضمن حالة من التناسق والتناغم بين متخذي القرارات في جميع القطاعات.
3. هيكل تنظيمي يتميز بالبساطة والفعالية والتوافق مع ظروف ومعطيات البلد، يوضح الأدوار والمهام الأساسية ويرسم العلاقات التنظيمية بين كل أطراف الإستراتيجية.
4. أفراد يتم اختيارهم بعناية يتمتعون بصفات وقدرات مناسبة لطبيعة العمل وعلى استعداد لقبول التغيير أي يتمتعون بصفة المرونة.
5. صلاحيات محددة جيدا وموزعة بين الأفراد والقطاعات بما يتناسب ومسؤولية كل منهم ضمن الإستراتيجية، مع وضوح معايير المحاسبة والمساءلة وتقييم الأداء.
وتعرف الإستراتيجية التنافسية على أنها خطط طويلة الأجل وشاملة تتعلق بتحقيق التوافق والانسجام بين البيئة التنافسية ومتخذي القرار من أجل تحقيق أهداف معينة، كما تعرف أيضا على أنها الإستراتيجية التي تهتم بخلق واستدامة الميزة التنافسية للمنشأة ضمن إطار القطاع الذي تعمل به، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التركيز على قطاع معين، أو منتجات، أو خدمات، أو مستهلك معين.
يوضح بورتر (Porter) أن المنشأة وليست الدولة في الخط الأمامي من التنافسية الدولية، لكن الدولة تساعد المنشأة في تحقيق التنافسية من خلال توفيرها للبيئة المناسبة لعمل المنشأة وتحقيق إستراتيجيتها، ويعرف إستراتيجية المنشأة التنافسية على أنها الإستراتيجية التي تحاول بناء وإقامة دفاعات ضد القوى التنافسية الخارجية، أو إيجاد موقع ضمن القطاع الذي تعمل فيه، أي أن لكل مؤسسة إستراتيجية تنافسية شاملة.
إن العراق بحاجة ماسة إلى إستراتيجية طويلة المدى لتطوير قدرته التنافسية، وتتركز أبرز ملامح هذه الإستراتيجية في أنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتشجيع التنويع الاقتصادي من خلال دعم الاقتصاد الوطني وتخفيف الاعتماد على النفط كمورد رئيس للميزانية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وتوفير فرص عمل لتخفيض معدلات البطالة المرتفعة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، ويجب أن يكون مشروع الإستراتيجية مشروعا وطنيا مما يستلزم أن تكون هناك مساهمة فاعلة من جميع الأطراف التي يمكن أن يكون لها دور في هذه الإستراتيجية مثل القطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وأن يشارك في إعداد هذه الإستراتيجية والخطط اللازمة لتنفيذها نخبة من الخبراء اللذين يمتلكون الخبرة اللازمة لإعداد مثل هكذا إستراتيجية.
ويقترح الباحث أن تقوم إستراتيجية تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي على ثلاثة محاور رئيسة هي: تحقيق الاستقرار والإصلاح الاقتصادي وتطوير الإنتاجية، ويأتي التركيز على هذه المحاور الثلاث كون تحقيق الاستقرار هو نقطة البداية لكل الجهود التي يمكن أن تبذل وبدونه سيكون من الصعب تحقيق النجاح المنشود، أما الإصلاح الاقتصادي فهو ضرورة لإعادة قاطرة الاقتصاد العراقي إلى المسار الصحيح وتنويع الهيكل الاقتصادي الذي يعد مهما كونه يخفف الاعتماد على النفط ولكي يتحول اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج، أما تطوير الإنتاجية فهو المحور المهم لرفع القدرة التنافسية للمنشآت العراقية في جميع القطاعات.
وجاء وضع تطوير الإنتاجية كمحور رئيس من محاور الإستراتيجية استلهاما من تجارب الآخرين، إذ تشير الرؤية المستقبلية لماليزيا سنة 2020 أن تطوير الإنتاجية هو قاطرة البلد ككل للوصول إلى مستوى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومثلت الإنتاجية في اندونيسيا الأساس الذي قامت عليه إستراتيجية ذات ثلاثة ركائز هي الاستقرار والتنويع والابتكار، كما أعلنت المملكة المتحدة أن الإنتاجية هي طريقها إلى اقتصاد تقوده المعرفة، أما في الولايات المتحدة فقد ركز تقرير مجلس سياسات التنافسية المقدم إلى الرئيس الأمريكي عام 1992 على دور الإنتاجية في الخروج بالاقتصاد الأمريكي من حالة الركود، وقد طرح التقرير المعنون ( شراكة الاستثمار في رفاهية كندا) الذي أعده معهد التنافسية والرخاء الكندي، توصية بأن تقوم الحكومة بإعادة توجيه أنماط إنفاقها وسياساتها الضريبية، وأن يقوم قطاع الأعمال بالاستثمار أكثر فأكثر في الإنتاجية وتحسين الماكينات والمعدات وتدريب العاملين، كما نادى المجلس الايرلندي للتنافسية بأن تكون الإنتاجية هي العامل الرئيس بعيد المدى في تحسين مستويات المعيشة وتنافسية الوطن، فالإنتاجية لا تعني العمل بقوة أكثر فقط، بل تعني العمل بذكاء من خلال تطبيق ممارسات أفضل في الإدارة والتصميم التنظيمي، واستخدام أفضل لتقنيات المعلومات والاتصالات والتقنيات الأخرى.
إن إعداد إستراتيجية تطوير القدرة التنافسية يجب أن يأخذ في الحسبان الاستراتيجيات المماثلة التي تم تنفيذها في دول أخرى سواء متقدمة أم نامية، ودراسة هذه الاستراتيجيات ومدى النجاح الذي حققته والأخذ بأسباب ذلك النجاح، وأسباب الفشل أو الصعاب والمشاكل التي اعترضت تنفيذ هذه الاستراتيجيات- إن وجدت- لتلافيها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعراق التي تختلف عن غيره من الدول.
تتضمن الإستراتيجية المقترحة الأهداف التالية:
1. وضع برنامج للإصلاح الاقتصادي يستهدف تحقيق نمو اقتصادي بمستوى معين حسب ما يراه واضعي الإستراتيجية بعد دراسات مستفيضة بهذا الشأن.
2. استهداف تخفيض معدلات البطالة والتضخم والفقر بنسب كمية معينة تتناسب مع كل مؤشر.
3. إعلان أهداف كمية لكافة القطاعات الاقتصادية، مع تحديد القطاع الرائد أو القطاعات الرائدة.
4. شن حملة قوية ومنظمة ضد الفساد الإداري والروتين والبيروقراطية.
5. تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
6. إعطاء أولوية قصوى لبناء وتطوير البنية التحتية الأساسية.
وتقوم هذه الإستراتيجية على المبادئ والأسس التالية:
1. مراعاة الوضع السياسي والأمني غير المستقر في البلد، وايلاء أهمية لدور البعد الاقتصادي والاجتماعي في تحقيق الاستقرار وضبط الأمن.
2. مشاركة الجميع في صياغة الإستراتيجية، وأن يكون هناك تنسيق للجهود المبذولة من قبل الجمبع.
3. مراعاة نسب البطالة والتضخم والفقر المرتفعة وأثرها السلبي على المشاركة الشعبية في تنفيذ الإستراتيجية، ومحاولة إيجاد السبل لمشاركة القطاعين العام والخاص وضمان المشاركة الشعبية.
ويقترح الباحث إطارا عريضا للإستراتيجية يتمثل في عشرة نقاط رئيسة، مستعينا بالخطوط العريضة للإستراتيجية القومية لتنافسية مصر التي اقترحها المجلس الوطني المصري للتنافسية( )، وتتمثل هذه النقاط في الآتي:
1. تعزيز الإرادة السياسية وحشدها: تعد هذه الخطوة شرطا أساسيا لتطبيق الإستراتيجية بنجاح، والدول الناجحة هي تلك الدول التي قامت بحشد الإرادة السياسية، سواء كانت تلك الإرادة قادمة من الأعلى وبقوة مثل ( الصين وتشيلي وفيتنام)، أم عن طريق الاستفادة من وجود الديمقراطية مثل (ايرلندا)، أو نموذج يجمع بين هذه وتلك مثل ( سنغافورة، هونج كونج، كوريا الجنوبية، ماليزيا، الإمارات)، وحشد الإرادة السياسية يتطلب توعية الجماهير وحشد دعمها للمبادرات المتعلقة بالتنافسية، وتعد عقلية الأشخاص القديمة التي تخلفت عن مواكبة الزمن وتتمسك بالنماذج الاقتصادية القديمة أكبر عائق أمام التنافسية، وكما ثبت من تجارب الدول الأخرى فان مسألة تغيير العقليات خلال فترة قصيرة نسبيا يمثل تحديا ولكنها ليست مسألة مستحيلة.
2. توفير وضع مستقر على المستوى السياسي والاقتصاد الكلي والاجتماعي: تعد أحد أهم الوظائف التي تقوم بها الحكومة هو توفير ظروف مستقرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي العراق يعد الإرهاب والتدخل الخارجي والتوترات الاجتماعية وارتفاع تكلفة المعيشة بمثابة العوائق الرئيسة أمام تحقيق هذا الاستقرار، ويجب الاعتراف بأهمية هذه المشاكل ودورها كعائق كبير لا ينبغي أن يعيق التقدم نحو حل القضايا الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد العراقي اليوم. ويجب أن تتوفر لدى الحكومة خطط لتنفيذ برنامج فعال ونشط لدعم الفقراء والعاطلين عن العمل، مع توفير شبكة ضمان اجتماعي على درجة عالية من الكفاءة والنزاهة، كما أن توفير فرص العمل للعاطلين يعد أحد المهام الرئيسة للحكومة لتشجيع الاستقرار وحماية الشباب والعاطلين عن التطرف واللجوء للأعمال غير القانونية، ويجب أن لا يتم ذلك عن طريق التوظيف الحكومي فقط، بل يجب أن توجه النسبة الأكبر نحو تشجيع القطاع الخاص على تشغيل العمالة العاطلة، وتشجيع إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تساهم مساهمة فاعلة في امتصاص نسبة لا بأس بها من البطالة.
3. بناء وتطوير البنية التحتية الأساسية: من خلال إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء وتطوير البنية الأساسية في مجال توزيع الكهرباء من أجل توفير الطاقة الكهربائية الحالية والمستقبلية، والتوسع في شبكات الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والنقل النهري، ويجب أن يكون ذلك أولوية قصوى من أولويات الحكومة، وإنشاء المدن الصناعية التي أصبحت ضرورية لتطوير القطاع الصناعي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتوفير فرص العمل.
4. تعزيز وتطوير سياسات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر: من خلال توفير البيئة التشريعية والتنظيمية الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر وبذل الجهود المكثفة من أجل تحسين مناخ الاستثمار، وعقد فعاليات الترويج الاستثماري التي تشمل المؤتمرات والمعارض وورش العمل والندوات الدولية من أجل التعريف بالمزايا وفرص الاستثمار المتاحة في العراق ومناقشة القضايا الاستثمارية والمعوقات أمام تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
5. رفع مستوى ونوعية النظام التعليمي: تصبح الدول أكثر تطورا في مجال القدرة التنافسية من خلال تعليم مواطنيها، والدليل على ذلك أن اليابان قد أصبحت أكبر اقتصاد منتج في آسيا خلال القرن العشرين بفضل مواردها البشرية التي تتميز بارتفاع مستويات التعليم لديها، وقد قام نجاح الهند في مجال تقنية المعلومات أساسا على تميز المعاهد التقنية الهندية والمعاهد الهندسية للإدارة جنبا إلى جنب مع كليات الهندسة وإدارة الأعمال، وفي ايرلندا وبعد الوصول للأسواق وتحقيق مستويات مرتفعة من الاستثمار الخاص، تم تعديل نظامها التعليمي بالكامل لكي يستجيب لاحتياجات الصناعات التي كانت تجذبها، وفيما يخص العراق فان إصلاح النظام التعليمي يتطلب جهودا كبيرة ومكثفة ومنسقة من أجل تحقيق النتائج المرجوة ورفع القدرة التنافسية لهذا القطاع، وتأهيل موارد بشرية ذات كفاءة عالية وإنتاجية مرتفعة.
6. رفع مستوى ونوعية الخدمات الصحية: للنظام الصحي الفعال والشامل دور كبير في رفع الإنتاجية من خلال تطوير صحة الفرد المنتج، ويمكن تجنب الكثير من حالات الوفيات التي ارتفع عددها في العراق بشكل غير مسبوق من خلال تقديم رعاية صحية مناسبة وتوفير خدمات صحية فعالة وكفوءة، مع الأخذ بعين الاعتبار التوزيع المتكافئ للخدمات الصحية بين مختلف مناطق البلاد، والتركيز على تقديم الخدمات وليس فقط بناء المراكز والمستشفيات، كذلك التركيز بشكل أكبر على تقديم الخدمات الوقائية والتعزيزية، وتشكيل مجلس أعلى لرعاية الأمومة والطفولة من أجل العمل على تخفيض نسبة وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون سن الخمس سنوات والأمهات الحوامل، يتولى هذا المجلس مهمة نشر الوعي الصحي بين الأمهات الحوامل، وتقديم الرعاية الصحية المناسبة للأمهات الحوامل والأطفال في مراكز تخصصية معدة لهذا الغرض ومنتشرة في معظم أنحاء البلاد، وتوفير برامج التأهيل والتطوير للعاملين في هذا القطاع، ولا يتحقق ذلك كله إلا من خلال رفع نسبة الإنفاق على الصحة وتوفير الموارد المالية اللازمة لتطبيق ذلك ووجود إرادة سياسية مساندة لدعم القطاع الصحي.
7. تطوير المؤسسات وتيسير الأعمال: يتطلب النمو الاقتصادي مؤسسات فعالة تيسر تنفيذ الأعمال، ولكي يتسنى لأية دولة توفير بيئة عمل صالحة يجب أن يكون لديها مؤسسات تضمن النظام العام والسلامة، مع الحد نسبيا من الجريمة والابتزاز وإشاعة الإحساس بالأمن الذي يحافظ أو يجذب الآخرين إليها من الخارج، كما يستلزم الأمر وجود مؤسسات قضائية قوية ومحترمة تؤسس لسيادة القانون وتقضي بين المتنازعين، وتسمح بوجود نظام تحكيم فعال، وتضمن تنفيذ العقود، فضلا عن أن المؤسسات يجب أن تسهم في حماية المستهلك وأمن العمالة وحماية البيئة، ومن الضروري أن تكون هناك مؤسسات تكافح الفساد بكل أشكاله لكي تتمكن الدولة من الإيفاء بالمعايير الدولية العالية نسبيا وذلك لضمان صادراتها ولصالح شعبها، ومن المهم جدا إصلاح الإطار التشريعي للأعمال من خلال القضاء على الروتين وإلغاء وتعديل المئات من الإجراءات والقوانين واللوائح المعمول بها حاليا والتي نسبة كبيرة منها قد عفا عليها الزمن أو مكررة أو زائدة عن الحاجة أو متضاربة مع قوانين ولوائح أخرى، واستبدالها بقوانين وإجراءات ولوائح تلائم المرحلة الحالية وتساهم برفع تصنيف العراق في مؤشر سهولة الأعمال ومؤشرات الاستثمار العالمية.
8. تحديث وتطوير القطاعين المالي والمصرفي: تتميز الدول التنافسية بوجود بيئة غنية من الخدمات المالية والمصرفية التي تلبي وبكفاءة عالية مختلف الاحتياجات سواء للمواطنين أم رجال الأعمال، وتتميز هذه الدول بأن نسبة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تميل إلى الارتفاع بشكل كبير، وتقوم مؤسسات الإشراف المالي بالعمل على خفض المخاطر في النظام وتحقيق التوازن، مع الحاجة إلى تطوير مستمر لمنتجات مالية جديدة، ويمكن تخفيض المخاطرة في النظام المالي بدرجة كبيرة من خلال التقارير الائتمانية الشاملة والتصنيف الائتماني للشركات والأفراد، ويتعين على العراق وضع الخطط والإجراءات الكفيلة بتطوير الجهاز المصرفي ورفع تنافسيته مع المصارف الدولية، وتطوير سوق العراق للأوراق المالية، إذ يساهم ذلك في خدمة نسبة كبيرة من السكان من خلال تطوير التمويل والإقراض وضمان إتاحة وسائل الادخار على النطاق الشعبي، كما تستفيد الطبقة المتوسطة والفقيرة بدرجة كبيرة عندما يكون في مقدورهما الحصول على قروض عقارية طويلة الأجل وبفوائد منخفضة نسبيا، فضلا عن أن وجود شركات التأمين يساعد على حماية الأفراد وخاصة المزارعين ضد الظروف المعاكسة على المدى القصير والكوارث المتعلقة بالصحة أو المحاصيل.
9. تسهيل اكتساب التقنيات ودعم الابتكار: تعني التنافسية في القرن الحادي والعشرين الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن الضروري بمكان وجود سياسات تؤدي إلى تحقيق مستويات عالية من انتشار الهاتف النقال وأجهزة الحاسوب وتسهيل إمكانية الوصول إلى شبكة انترنت آمنة وذات سرعة عالية، وإنشاء المناطق الخاصة بتنفيذ بتقنيات المعلومات والمدن الذكية وقرى المعرفة( والمباني الذكيةالمساعدة في إيجاد تجمعات للتقنيات العالية في مناطق متقاربة جغرافيا. كذلك فان فعالية نظام براءات الاختراع ودعم وتشجيع من يسعون لتسجيل براءات اختراع دولية تشجع البحوث المفيدة تجاريا، لذا فان الحكومة ملزمة برفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من أجل اكتساب وتوطين التقنيات ورفع مستوى الإبداع والابتكار، مما يؤدي لرفع القدرة التنافسية.
10. تطوير المنتجات المحلية من أجل الوصول إلى الأسواق العالمية: من المهم رفع نسبة مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم تطوير المنتجات والصناعات المحلية بما يجعلها مواكبة للمقاييس والمواصفات العالمية وقادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، وعلى الحكومة بعد ذلك أن تسعى إلى الوصول لأسواق جذابة وبشروط مناسبة لطبيعة ونوعية والمنتجات المحلية، وتشير الخبرة المستمدة من قصص النجاح الاقتصادي إلى أهمية النمو الموجه للتصدير والقائم على أساس الوصول إلى أسواق جذابة، ففي ايرلندا كانت الأولوية الأولى في إستراتيجيتها الناجحة هي الوصول إلى أسواق جذابة تتيح لها تصريف منتجاتها، وتم لها ذلك من خلال انضمامها إلى الاتحاد الأوربي الذي أتاح لها الوصول إلى أكبر سوق جماعي في العالم، وقامت الصين بالتركيز على التصدير للأسواق الغربية فحاربت باستمرار وتشبثت لسنوات عدة قبل أن تصبح عضوا في منظمة التجارة العالمية، وأصبح بمقدورها الوصول إلى الأسواق بصورة دائمة وبدرجة أكبر وبشروط مؤاتية أكثر، وعلى العراق عقد الاتفاقات الثنائية والإقليمية والدولية من أجل تسهيل وصول المنتجات المحلية إلى الأسواق الدولية بشروط ملائمة.
يمكن أن يكون الإطار المقترح نواة لنقطة انطلاق لعقد الاجتماعات والمؤتمرات والندوات حول الإستراتيجية المناسبة لتطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي، وبمشاركة كبار الخبراء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة والاستعانة بالخبراء الدوليين من أجل الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة لهذه الإستراتيجية وسبل تنفيذها وكيفية تحقيق الأهداف المتوخاة منها، وسيؤدي تنفيذ مثل هكذا إستراتيجية إلى خلق طفرة نوعية في الاقتصاد العراقي تحقق هدف رفع معدل النمو الاقتصادي وتطوير القدرة التنافسية ومن ثم زيادة متوسط دخل الفرد… #
#. عن الحوار المتمدن…