صراعات إقليمية ودولية أدواتها كتل سياسية عراقية
صراعات إقليمية ودولية أدواتها كتل سياسية عراقية
رشاد الشلاه
2010 / 2 / 7
باتفاق فرقاء القوى السياسية العراقية، وكما هي قراءة القوى الإقليمية والعربية والدولية والولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، فان المرحلة السياسية القادمة بعد انتخابات مجلس النواب القادم هي فترة حاسمة يتعدى تأثيرها فترة الأربع سنوات القادمة، بل ستسهم في تحديد شكل و مضمون الدولة العراقية عبر إقرار التعديلات المطروحة على دستور البلاد وتشريع جملة من القوانين الهامة من بينها قانون الأحزاب. ولذلك اتخذت الضغوطات والتدخلات الخارجية إشكالا سافرة وعلنية لتؤكد أن مستقبل النظام السياسي العراقي لا يسمح له أن يُقرَّر بإرادة عراقية محضة، بل وبإرادة تلك الإطراف أيضا، وكان صدور قانون الانتخابات المعدل بالصيغة المجحفة مثالا فاقعا قريبا، وفاتحة لتدخل أمريكي وعربي وإقليمي دون مواربة. واليوم تشهد بغداد حدة الصراع على قرارات هيئة المساءلة والعدالة والهيئة التميزية، حيث تتشابك تلك التدخلات مع محاريث الصراع السياسي العراقي بتوافق أو بالضد من رغبة هذا الطرف او ذاك، وجاء تأجيج حدة قضية “المجتثين” من كلا الجانبين- المقرر والمتضرر- ليزيد الساحة العراقية المتوترة أصلا احتقانا إضافيا.
وإذا كان التدخل الدولي والأمريكي رغم نكرانه عادة، مفروضا و”مباحا” تحت غطاء بقاء العراق منقوص السيادة بسبب بقائه تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة منذ العام 1990 وفق قرار مجلس الأمن 661 ، فان التدخل العربي والإقليمي وفيه الدور الإيراني الأبرز، يجد في العراق الساحة الأرحب لحدة الصراع وفرض النفوذ تلبية ليافطة الصراع ” العربي الإيراني” والذي يغلف بالسمة الطائفية من قبل كلا الطرفين الطرفين.
الإدارة الأمريكية وبضغط رسمي عربي وإسرائيلي، ومن بعض أطراف ما كان يسمى بجبهة التوافق العراقية لا تريد أن يخضع مستقبل العراق للنفوذ الإيراني المباشر أو عبر حلفاء إيران العراقيين، ولذلك تسعى لخلق قدر من “التوازن” بين القوى السياسية العراقية الموالية لإيران من جهة و القوى المعادية لها على الساحة العراقية من الجهة الأخرى، خصوصا بعدما أن زاد تقريع الإدارة الأمريكية السابقة من قبل حلفائها بسبب تسهيلها لإيران مطمعها في العراق عبر إسقاطها للنظام السابق، وما تلا ذلك السقوط من تطوارات سياسية عراقية غير محسوبة “بدقة” أقلقت جميع الأنظمة المحيطة بالعراق وأثارت هلعها من نجاح و تجذر قيام عراق ديمقراطي فيدرالي مستقر وبإمكانات اقتصادية مؤثرة. الضغوطات الأمريكية الحالية على الساسة العراقيين تأتي مترافقة أيضا مع ما تريده الإدارة الأمريكية من ترتيبات على طريق حل معضلة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، والمفاوضات السورية الإسرائيلية حول هضبة الجولان، والتسلح النووي الإيراني. والصراع الإقليمي على احتلال النفوذ الأكبر على المنطقة بين إيران والسعودية ومصر، وحاجة هذه الإدارة إلى أطراف دعم لهذه الترتيبات.
ومن خلال هذا الترابط والتشابك المعقد بين المصالح الإقليمية والدولية، وكما بقى العراق خلال سنوات الحكم الديكتاتوري جزءًا من الصراع الإقليمي، تحول اليوم إلى حلبة لهذا الصراع، وقوده بنات وأبناء شعبه الذين يطمحون كأبناء الشعوب الأخرى للاستقرار والاستقلال والتخلص التام من كل نفوذ أجنبي وتحت أي شكل أو مسمى، لكن ما يخذل طموح المواطنين العراقيين هو مراهنة القوى السياسية العراقية الكبيرة على الأنظمة الإقليمية والعربية المحيطة بالعراق بالإضافة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، الذين جميعهم لهم أجنداتهم التي لا تتفق مع مصلحة العراق الوطنية .
وإذا كان الإقرار بان التدخل الأجنبي بالشؤون العراقية يمتد إلى عقود هيمنة النظام السابق و تبعات سياساته ومغامراته، إلا أن التدخل السافر الحالي وفي تفاصيل سير العملية السياسية يجد الترحيب بل الدعوة في أحيان كثيرة من لدن الأطراف العراقية المتنفذة للاستقواء به على بعضها البعض، وهي بذلك لا تفرط بسيادة الوطن فحسب بل تبعث شك المواطن بمصداقية برامجها و شعاراتها الوطنية….. *
* عن الحوار المتمدن…