طفل الشوارع من التشرد إلى الانحراف ثم الجنوح
طفل الشوارع من التشرد إلى إلى الانحراف ثم الجنوح
طفل الشوارع من التشرد إلى الانحراف ثم الجنوح
القاضي وائل ثابت كاظم الطائي
:
من السلوكيات الاجتماعية الخاطئة والتي نراها في كل يوم، نشاهدها صباحاً ومساءً عند تقاطع الشوارع وفي مداخل الجسور والبنايات وفي الأسواق والعيادات الطبية وفي الأماكن المزدحمة الأخرى أطفال بعمر الزهور لا يتجاوز أكبرهم الثالثة أو الرابعة عشرة من العمر أحدهم يحمل بيده قطع القماش الصغيرة وآخر يقوم بغسل زجاج السيارات فهو يحمل رشاش الماء والماسحة الصغيرة ويباشر عمله دون أن يُكلف بذلك، وآخر في لهيب الحر يحمل قناني الماء وآخر وبشكل صريح يستجدي المال ويلفت الانتباه بمنظره الكئيب وكلمات الاستجداء التي تخرج من فمه، إن هذه الظاهرة نسميها بـ(ظاهرة طفل الشوارع)، فما هي أسباب هذه الظاهرة ؟ وما هي الآثار الناتجة عنها؟ وكيفية معالجتها؟
إن أسباب هذه الظاهرة كثيرة ومتداخلة مع بعضها البعض من رحمها، ولد طفل الشوارع، وفي مقدمة هذه الأسباب حالات الفقر الناتجة عن عدم توافر فرص العمل وارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية والتقلبات في قيمة العملة والحروب والكوارث وعدم العناية بالتنمية الاقتصادية والبشرية، ومن الأسباب الأخرى لانتشار هذه الظاهرة التفكك الأسري نتيجة لحالات الطلاق وزيادة حالات اليتم وفقدان البيئة الأسرية الآمنة الصالحة.
إن الأسرة التي يصيبها التفكك أو فقدان المعين تدفع بأطفالها إلى الشارع وتحرمهم من فرصة التعليم، فالطفل يجد نفسه في بيئة غير صالحة وفي مكان لا يتلاءم مع مرحلته العمرية يكتسب من خلاله العادات السيئة والسلوك المنحرف حتى يجعله قريباً من ظاهرة الجنوح.
ومن الأسباب الرئيسية في ظهور وبقاء واستمرار هذه الظاهرة هو غياب دور الدولة وتقصيرها في مسؤولياتها تجاه هذه الشريحة فعدم خلق فرص العمل والقضاء على البطالة وخلق موارد معيشة للأسرة يحول دون تفككها أو ضياعها وتشرد أفرادها، يزيد المشكلة تعقيداً ويساهم في زيادة هذه الظاهرة.
إن ظاهرة طفل الشوارع تمتد آثارها السلبية على الطفل وعلى المجتمع، فالطفل نتيجة لفقدانه البيئة الاجتماعية وظهوره إلى الشارع فأن هذه الظاهرة تؤدي به إلى التشرد ومن ثم إلى الانحراف ومن ثم إلى الجنوح والإجرام، وقد أيدت الدراسات أن معظم الأطفال المنحرفين إنما أتوا من أسر متصدعة نتيجةً لحالات الطلاق أو لحالات اليتم.
أما الآثار السلبية في هذه الظاهرة على المستوى المجتمعي فأنها تساهم في صناعة جيل من العاطلين أو المنحرفين أو المجرمين، ولعل إحصائية دقيقة عن المودعين في الإصلاحيات والسجون يعطينا هذه الحقيقة، وباختصار شديد أن هذه الظاهرة تساهم في بناء شخصية مرفوضة من محيطها الاجتماعي ويمكن أن تشكل خطراً على الأمن، فيكف تتم معالجة هذه الظاهرة؟
إن الإجابة على هذا السؤال يكون مدخله من خلال النصوص القانونية التي وضعها المشرع للوقوف ضد هذه الظاهرة، ومن خلال استقراء النصوص الواردة في قانون رعاية الأحداث نجد إن المشرع توجه إلى توفير معالجتين هما:
المعالجة الأولى: تسليم الطفل المتشرد إلى وليه :
إن المادة (26/أولاً/أ) من قانون رعاية الأحداث نصت على تسليم الطفل المتشرد أو المنحرف إلى ولي أمره مشفوعاً بالتوصيات التي تقررها المحكمة على ضوء نتائج البحث الاجتماعي الصادرة من مكتب الدراسة الشخصية.
وهذه المعالجة لا يكون لها أي أثر خصوصاً وأن الأسباب التي أدت إلى حالة التشرد والانحراف ناتجة عن تفكك الأسرة وعدم وجود الولي القادر على تربية ورعاية شؤون أسرته، بل أن بعض الأسر هي التي تدفع بأبنائها إلى ممارسة مظاهر التشرد والانحراف بغية الحصول على المال.
المعالجة الثانية: هو إيداع الطفل في دور الدولة المخصصة لمثل هذه الحالات والتابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهذه الدور يحكمها قانون الرعاية الاجتماعية النافذ.
إن هذه المعالجة هي الأكثر نجاحاً متى ما استوفت شروطها ووسائلها والمتمثلة بوجود أماكن ودور متخصصة يسودها الإخلاص في العمل والجدية في التعامل مع الأطفال المودعين مع توفير كافة الوسائل التي تنقلهم إلى بيئة اجتماعية صالحة