عقبات في مؤسسات القانون
د. محمد صباح علي
ر. مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية
تعاني الأقسام القانونية في مؤسسات الدولة العامة من ضوابط تعترض العمل القانوني وفقا للأصول والإجراءات الصحيحة التي تسهل عملية تنفيذه، ولعل مرجع ذلك خضوع جميع المؤسسات والشركات العامة لقانون واحد يسري على جميع أعمالها التعاقدية. ومثال ذلك تعليمات تنفيذ العقود الحكومية وضوابط تسهيل تنفيذ التعليمات الصادرة عن وزارة التخطيط، فمن العقبات التي تعترض أقسام العقود هو صعوبة التعامل مع تلك التعليمات من ناحية تطبيق النصوص القانونية على أعمال غير متماثلة، مختلفة من ناحية محل العقد ومتفقة من حيث الإجراءات الشكلية العامة؛ نظرا لعدم انسجام أحكام وفقرات تلك الضوابط مع واقع اقتصاديات العقود المتنوعة من ناحية، ومن ناحية أخرى الغموض الشديد الذي يكتنف نصوصها عند التطبيق وهو ما يستدعي الحاجة في كل عملية عقدية الوقوف مجددا على طلب تفسير أو رأي من وزارة التخطيط أو الدوائر المختصة من نفس الوزارة ودائما ما تكون الإجابة الالتزام بما ورد بالضوابط! الأمر الذي أدى إلى عزوف جميع الموظفين عن الاشتراك باللجان المشكلة لإحالة العقود على الشركات المتقدمة. وإذا ما أردنا تحليل ذلك العزوف لوجدناه بسبب الخوف من النتائج التي تظهر بعد تلك العملية التعاقدية بتقصير الموظف بدلا من تقدير جهوده، مما خلق تخوف وقلق عام لدى الموظفين من الاشتراك بالمجال العملي لإبرام عقود الإدارة (المبرمة من قبل مؤسسات الدولة) ، وأصبح الموظف القانوني وللأسف يفضل العمل في غير مجال تخصصه خوفا من أثارة المسؤولية الإدارية بالتقصير وعدم تطبيق الضوابط والتعليمات، والواقع العملي يقول أن التطبيق الحرفي للضوابط والتعليمات لن يعصم الموظف من أثارة مسؤوليته في التقصير، كون التقصير ليس في الموظف ولا اللجنة المختصة بذلك؛ بل في القانون نفسه الذي لم يشرع ويسن بدقه ولن يراعي في جوهره الظروف العامة للشروط المطلوبة من الشركات المتعاقدة مع الإدارة التي هي مشروع في أزمة الظرف العراقي والتي تواجه صعوبات عدة ومن بينها تلك العقبات وصعوبة تحقيق جميع المتطلبات من النواحي المالية والفنية التي تكون مبالغ فيها، وإذا ما أردنا استعراض التشريعات العامة في مجال العقود تكون أولها قانون العقود العامة رقم 87 لسنة 2004 حيث ألغيت وحل محلها الضوابط رقم 1 لسنة 2008 ثم ألغيت بعد ذلك بالضوابط رقم 2 لسنة 2014 ثم أصدرت وزارة التخطيط الوثائق القياسية وهي عبارة عن نموذج عام للتعاقد مقسم على أجزاء بعضها عام يحتوي على شروط المناقصة والأخرى خاصة بالشركات المتعاقدة تقوم بملئها عن طريق وضع العبارة أو الاسم داخل القوس، وتتميز تلك الوثائق بالغموض والصعوبة في التطبيق، فضلا من أن الحاجة إليها لم تكن ماسة في أنواع خاصة من العقود من غير عقود المقاولات العامة، وبوجود تلك الوثائق فأن الضوابط رقم 2 أنفة الذكر لم تلغى وما زالت نافذة وهنا لك أن تتخيل القارئ الكريم، إذا ما طلبت الشركات ذات التمويل الذاتي الرأي بشان مدى سريان تلك الوثائق عليها لن تكون الإجابة واحدة؛ فأحيانا تكون بأنها استرشادية إي بمعنى غير ملزمة، وأحيانا تكون ملزمة في حدود الضوابط والتعليمات، وبرغم الدورات التطويرية المكثفة لن ينال الموظف المنال الحسن أثناء تطبيقها. وأمام هذا الكم من العقبات التي تعترض أقسام العقود عليها فك الاشتباك بين تلك التشريعات والجرأة في اتخاذ القرار، ليأتي بعد ذلك دور الجهات الرقابية في تدقيق العقود التي غالبا ما تنظر للموظف على انه محل شك وليس مؤتمن ومتابع من قبل رؤسائه على أداء العمل حسب القانون والتعليمات؛ فبالرغم من الملاحظات المتشابهة المتكررة يفرض القانون على الموظف الإجابة عليها وبشكل عاجل وكان الأجدر على المشرع أن يطلب الموافقة مسبقا من قبل تلك الجهات قبل المضي بالتعاقد من عدمه حتى لا يتهم الموظف ولا يخُون بعمله الذي يؤديه في هذه الصعوبة والخطورة البالغة. وتتصل العقبات بعضها ببعض عندما تمنع المؤسسات من الدخول في التزام تعاقدي جديد يوفر لها مكسب مالي أو تجديد عقود قد انتهت وحسب بنود العقد ونصوص القانون المقررة؛ استنادا لتعليمات الموازنة التي تمنع ذلك بعد النصف الثاني من نهاية السنة المالية والجميع يعلم لا يوجد في العراق ما يلزم السلطتين التشريعية والتنفيذية بإقرار الموازنة إلا الاتفاق السياسي بين الكتل حيث لا يوجد تاريخ معلوم لذلك، ولنا التساؤل حول مصير عقود الإدارة من ذلك؟ فوفقا لقانون الموازنة تمنع الإدارة إبرام عقد جديد أو تجديد عقد سابق دون إقرار الموازنة الجديدة وهذا غير مجدي بالنسبة للشركات الإنتاجية والمؤسسات الخدمية التي لا تحتمل أعمالها التأخير فتتضرر ابلغ الضرر وينسحب ذلك على المصلحة العامة ثم على الموظف الذي يقف في حيره من أمره أمام ذلك التعارض والغموض والقصور الشديد للأحكام، ويبلغ المنع أشده ليصل بمنع المؤسسة العامة التعاقد حتى مع القطاع العام أو المختلط في حالة الاستثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية لغرض تعظيم الإيرادات العامة لمؤسسات الدولة والنهوض بها وفي الحالات الطارئة والتي نحن الآن نعيشها خلال فايروس كورونا لن يجد وفقا للقوانين والضوابط والتعليمات ما يعالج حالاته القانونية إلا من خلال تفسير النصوص القانونية تفسيرا متطورا يقوم على أسس اقتصادية واجتماعية ترتبط بالواقع وهذا برأينا الأفضل، وإلا لا سبيل إلى وجود معالجة تشريعية مقننة. وإذا توقفنا عند جهة القضاء التي تنظر منازعات العقود الإدارية نلاحظ أنها تختص بها المحاكم العادية! بينما هو من اختصاص مجلس الدولة وهذا غير معمول به في العراق بالرغم من انه من دول القضاء المزدوج التي لديها قضاء عادي وإداري، إذ يختص بمنازعات الإدارة وعقودها مجلس الدولة كما في مصر وفرنسا، ميزة هذا القضاء أنه يعترف بالشروط الاستثنائية المتميزة في العقود الإدارية لاتصالها بنشاط المرافق العامة ويعد أموالها أموال عامة مما يكون للإدارة الدور الغالب على الطرف الأخر في حال التقصير بتنفيذ بنود العقد. وأخيرا يبقى السبيل الوحيد للتخلص من تلك العقبات أن تمنح أقسام العقود في المؤسسات العامة إمكانية وضع نظام داخلي لتعاقداتها استنادا إلى القانون والنظام الداخلي المقر وبناءً على أولوياتها في تلبية احتياجاتها والتي يمنحها إدارة تعاقداتها بأنسابية ومرونة في الظروف العادية والطارئة وبما يتفق مع سياسة العمل وصالحه ولا خوف من ذلك كون وجود الجهات الرقابية الداخلية والخارجية كصمام أمان يمنع أي تعدي على المال العام.