عامة

عن الميثولوجيا

عن الميثولوجيا

سعدون هليل

2010 / 12 / 19

الأستاذ الدكتور جواد مطر الموسوي الباحث والمفكر ورئيس جامعة واسط، حصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن رسالته الموسومة بعنوان “الديانة اليمنية ومعابدها قبل الإسلام”، وعلى الدكتوراه من جامعة بغداد أيضا، عن رسالته الموسومة “الأصول الإجتماعية والاقتصادية في اليمن القديم” بدرجة امتياز. كما أن لكل أمة من الأمم عادات شتى ورثها الأبناء عن الآباء واقتبسها الأحفاد من الأجداد ، فمنها ماأطاحت به أيدي السنين المتعاقبة ، ومنها مابقي الى اليوم . وكلنا يعلم اننا نعيش في جو مليء بالخرافات سواء كانت قديمة أو حديثة وأن العقل لايستطيع أن يؤمن بالخرافات ويركن اليها ، ولكن الانسان لايحيا بعقله وحده ، بل بغرائزه وعاداته وأعصابه أيضا ، بل يعيش بهذه أكثر مما يعيش بالعقل ، ولهذا فالخرافات تكتنفنا من كل جانب . ومنذ أن أخذ البشري بالتقدم أخذت الخرافة تتدرج وتتسع . فالخرافة كما يعرفها القديس توما الأكويني اللاهوتي : هي الخطيئة التي تتضاد مع المقدس .
ونحن نقرأ كتابه الجدير بالقراءة والتمعن “الميثولوجيا والمعتقدات الدينية”. يتألف الكتاب من مقدمة واربعة أبواب، وعشرة فصول، وقال في مقدمة الكتاب: “إن هدفنا من هذه الدراسة هو الوقوف على مساهمة سكان اليمن في الحضارات القديمة، التي تضمنت تفاعل الدين مع النظم الاجتماعية لتنظيم المجتمع اليمني القديم”. ويعتقد الباحث بأنه قد واجه صعوبات لدراسة الميثولوجيا والمعتقدات الدينية، ومنها قلة المصادر التي تتضمن المعلومات المطلوبة، وعدم العثور على كتابات ونقوش دينية للطقوس والممارسات والتراتيل في التاريخ القديم لليمن.ويرى الباحث بأن للدين أهمية كبيرة في الحضارة اليمنية، لأنه يؤدي إلى الحياة الهادئة المطمئنة. ويرى إن أهم المصادر التاريخية الموجودة، هي بعض النقوش التابعة للحضارة اليمنية، وكتابي التوراة والإنجيل، ومؤلفات الهمداني صاحب كتاب “الأكليل”، المستشرقين، أمثال فلهاوزن، ودتتلف نيلسون، وكرهمان، وكتب أخرى لمؤرخين عرب مثل: د.جواد علي، وثريا منقوش، وعبد الكريم البكر،وغيرهم.تناول الباحث في الباب الأول “مفهوم الدين والديانة العربية” في فصلين، ويرى أن دراسة الأديان لها أهمية كبيرة، فهي تعين في معرفة حضارة وأخلاق أي مجتمع من المجتمعات، وهذا ما جعل لها أهمية لدى العلماء والباحثين، فشغلت مساحة في كتاباتهم ليست بالقليلة إذ تناولوها من زوايا وجوانب مختلفة يمكن تحديدها بمناهج أو وجهات نظر ثلاث:
1- الوجهة النفسية: وتبحث في مطابقة الدين لنفسية معتنقيه، وتسمى ” المنهج الإستبطاني”
2- الوجهة القياسية: وتسمى “المنهج الموضوعي” الذي يبحث في نشأة المعتقدات الدينية وتطورها ومرتكزاتها لدى الشعوب البدائية المتخلفة والشعوب المتمدنة.
3- الوجهة التاريخية: وتتناول تاريخ دين ما دون التطرق إلى الأديان الأخرى. وتسمى “المنهج الموضوعي” ولهذا كانت أهم عناصر المنهج التاريخي، كما يرى المؤرخ “كرانبر”.
ويدرس الباحث الدين في المعجمات والنقوش- والدين في اللغات الأخرى والدين، تعريفه، مناهجه، نظرياته. ويرى الموسوي أن لفظة “دين” في الآرامية والعبرانية بمعنى “الحشر”. كما تعني كلمة “دين” في اللغة البابلية الفضاء، ويقول الكاتب: لم نعثر في المصادر العربية القديمة، وحتى في الموسوعات العلمية الحديثة على تعريف واحد متفق عليه للدين. وليس ذلك بمستغرب مادامت المواقف مختلفة من الفكر الديني. وكانت تجربة البشر الدينية على درجة كبيرة من التنوع، لذلك إختلف العلماء في تعريفهم للدين.في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “الديانة العربية قبل الإسلام”. ويتساءل الباحث عن الديانة في شبه الجزيرة العربية، فهي ديانة وثنية بالمعنى الإصطلاحي لكلمة “ديانة” طبقا لما كان سائدا في المجتمعات الأخرى، فالأوثان بحد ذاتها تشكل معبودات واقعية أو إلهية أو رموزا للآلهة، كما يعدونها كائنات مقدسة لها مجال مقدسي ينطوي على مجموعة من التحريمات، وتقوم بينها وبين عبادتها، علاقة شعائرية تنظمها طقوس معينة.ودرس الباحث الأصنام في المعجمات والنقوش، ويقول: قد إختلف اللغويون في مدلول هذه الكلمات والمصطلحات، فيذكر أن الصنم يكون حسن التصوير، ويقال صنم الصورة إذا أحسن تصويرها، والوثن الصنم الصغير. أما لفظة “وثن” وهو يرمز إلى الآلهة، أي بمعنى، الصنم في القرآن الكريم. ويظن الباحث، إن العرب كانوا على دين إبراهيم، وهو دين التوحيد، لكن بعضهم ترك هذا الدين والتجأ إلى عبادة الأصنام التي كانت منتشرة بين الأمم آنذاك، فكانوا يحتكون بهم بسبب ضيق مكة ولكثرتهم، أو ان سوء الأحوال الاقتصادية جعلهم ينتشرون في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وكل شخص منهم حمل عند خروجه حجرا تقديسا للكعبة. حمل الباب الثاني من الكتاب عنوان “الديانة الفلكية في اليمن القديم” وجاء فيه: “كان للعرب علم ودراية واهتمام واسع بعلم الفلك، فهم أعلم الناس بمنازل القمر وأنوائها، وأدرى الأمم بالكواكب ومطالعها ومساقطها، وكان لهم ما لم يكن لغيرهم في هذا المجال”. وقد توصل الباحث إلى قناعات تشير إلى ان أهل اليمن على درجة عالية من التدين، والدليل كثرة النذور التي يقدمونها إلى الآلهة في مختلف المناسبات، وفي حياة الأفراد من الولادة حتى الوفاة. ويشير إلى ان هذه الديانة التي تقوم على عبادة آلهة جسدت أجراما سماوية كانت في الأصل ديانة طبيعية بسيطة، فقد عبد عرب الجنوب كلهم الإله ” القمر” وهو في الميثولوجيا الأب القومي، والملك للشعب. والآلهة “الشمس” يعتبرونها الأم الحامية للعائلة، والإله “عثتر” وهو إبن الشمس والقمر وذو الأشعة الواضحة. ويظن الباحث بأن الشمس والقمر الإلاهان الكبيران لدى عرب الجنوب، ولكن يحتفظ “عثتر” بالمكانة نفسها. وقد انتقلت عبادة الأسرة الفلكية هذه عن طريق حل وترحال اليمنيين إلى شمالي شبه الجزيرة العربية والحبشة في جنوبها.تعد الشمس والقمر عند الشعوب الأخرى زوجين،و أما وأبا للزهرة ولكل النجوم كما هي الحال في عموم الميثولوجيا البدائية.ويشير الموسوي إلى ان الشعوب والقبائل القديمة تجعل أصلها للآلهة من جهة إنتمائها واشتقاق أسمائها، وها نجده في بعض القبائل العربية مثل “بني بدر” و” بني هلال”. وينعت جميع قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية أنفسهم بأبناء الآلهة “القمر”. ويعتقد الموسوي بأن تفضيل القمر راجع إلى عوامل جغرافية واقتصادية، فالشمس محرقة متعبة، لذا فضلوا السفر ليلا، فكان القمر هاديهم ودليلهم حيث يرعون ماشيتهم، وعلى ضوئه تسير قوافلهم التجارية إلى الشمال.الفصل الثاني يحمل عنوان “آلهة القمر الأب” والفصل الثالث “آلهة الشمس الأم”، والفصل الرابع “آلهة الزهرة الأبن ويبين الباحث كيف خص عرب الجنوب القمر بالأولوية في عبادتهم، وأطلقوا عليه الكثير من الأسماء والنعوت، أشهرها “المقة” إله سبأ الكبير الذي ظل نحو ألف عام يعبد في اليمن.وتناول الفصل الثالث الآلهة الشمس، لقد أدرك الإنسان القديم أن حركة الشمس لها آثارها الإيجابية في مواسم البذر والحصاد، ورأى ان حرارتها العلة الرئيسة فيما تدره عليه من خيرات، لهذا نجد ان عبادة الشمس في المجتمع الزراعي أقوى منه في المجتمعات الأخرى.والفصل الرابع، كان كوكب الزهرة حالة عظيمة من التبجيل والإهتمام عند الإنسان القديم، لأنه أجمل الكواكب الشمسية في رؤيتهم، فهو الأبيض النير وهو اللامع الذي عادة ما يظهر من مشرق الشمس ومغربها، وكان لكواكب الزهرة عند العرب أهمية خاصة تضاهي أهمية الشمس والقمر لأنه كوكب الشمس الذي يحمل معاني البهجة والبياض. اثار الكاتب في الباب الثالث: “التوحيد الإلهي” في فصلين الأول يحمل –عنوان “البواكير الأولى لعقيدة التوحيد، لان التوحيد هو اصل الديانة الانسانية، اما تعدد الآلهة فهي الحالة الطارئة والمنحرفة في حياة الانسان، وهذا أكده “لنج” في مذهبه و “رينان” الذي ذهب الى ان العرب موحدون يعبدون الها واحدا، ويؤكد الموسوي، هناك من لا يفرق بين “التوحيد” و “التفريد” إلا ان التوحيد غير التفريد، فالتفريد خص إلاها واحدا بالتعظيم والعبادة من غير نبذ عبادة الالهة الأخرى، اما التوحيد فهو، وفق تعريف افلاطون: علة عاقلة، تدير حركة العالم، وقد سمى هذه العلة “زوس” وعند ارسطو: ان العالم علة عاقلة أولى، ثابتة غير متحركة لا بذات ولا بعرض ومستقلة وسماها ايضا “زوس” وهو: احد الالهة اليونانية القديمة إذاً التوحيد حركة أرست الجهود التي بذلها الأنبياء مثل ادم: ونوح وإبراهيم، وكذلك في عرف التوحيد بغير نبوة او رسالة، بعد توحيد إبراهيم الخليل، كما في دعوة اخناتون اذ جعل “اتون” رب الآلهة، ويظن الموسوي، التوحيد كان ثورة على الواقع الموضوع استجابة للوضع العربي الذي تهدده القوى الخارجية، على الرغم من ان هذه العقيدة فرضت من قبل الملك والدولة إلا ان المجتمع والدولة هما أنتجا هذه الفكرة.
أشار الكاتب في الفصل الثاني “اليهودية والنصرانية” قد دخلت اليهودية الجزيرة العربية قبل النصرانية، وذلك لا سبقية ظهورها، وقد اقتفى المؤرخ “ولفنسون” اثر العلماء في تقسيم تاريخ اليهودية في الجزيرة العربية على دورين أساسيين 1- الدور الاول: ويشمل حوادث واخبار وبطون بائدة اليهود، وينتهي بالقرن الخامس قبل الميلاد، ومصدره العهد القديم “التوراة” 2- الدور الثاني: ويتناول أخبار مجموعة من اليهود، ويبدأ من القرن الخامس قبل الميلاد، وينتهي بإجلاء الخليفة الخطاب أخر الطوائف اليهودية من الجزيرة العربية. ويضيف الباحث ان سبب انتشار النصرانية في بعض مناطق الجزيرة العربية الى التأثير الذي مارسته ثلاثة مراكز مجاورة هي: العراق في الشمال الشرقي، وبلاد الشام في الشمال الغربي، والحبشة من الجنوب عن طريق اليمن، ففي القرن الثالث الميلادي، دخلت النصرانية الى العراق على يد “مالك بن فهم” ويعتقد الموسوي، كانت النصرانية منتشرة في جنوب العراق ففي ميسان توجد مطرانية من اصل خمس مطرانيات موجودة في العراق والجزيرة، وفي سورية انتشرت النصرانية بين الغساسنة خلال القرن الرابع او الخامس، وعن طريق العراق وبلاد الشام وصلت النصرانية الى شبه الجزيرة العربية، وخلص الكاتب في الباب الرابع والأخير “المعابد والطقوس والكهنة في اليمن” ويعد المعبد ركنا اساسيا في الحياة الدينية، في تكون العبادة وسائر الممارسات والطقوس الدينية التي يتقرب بها الى الآلهة، وتدل لفظة “معبد” على مكان العبادة وكانت عادة بناء المعابد شائعة عند العرب، وقد خصصوا لها افضل البنايات وأضخمها لتكون أماكن ومعابد لتمجيد ألهتهم وليتبركوا بها عند زياراتهم، وتدل أشكال المعابد، وهندستها على مدى تطور حضارة الإنسان اليمني ودرجة تفكيره، فهي أنموذج معبر عن نفسية الفرد، ولهذا نجد المعماري قد تفنن في تزويق وزخرفة الجدران والأعمدة والسقوف ويظهر من هذا مدى قوة النفوذ الديني وتغلغله عند اليمنيين كما يدل على قوة سلطة المعبد الدينية والاقتصادية والتشريعية كما تطرق الكاتب الى ظاهرة “الطقوس والكهنة” ويظن ان لكل دين طقوسه وممارساته الخاصة به، التي تميزه عن بقية الأديان الأخرى إلا ان الطقوس والممارسات الدينية في اليمن لم يصلنا منها الا اليسير، ويرجع ذلك الى عدم العثور على كتابات او تراتيل دينية بحتة كما في العراق ومصر. يمكن القول ان العرب كانوا يصومون من الفجر الى غروب الشمس ويذكر الاخباريون ان قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء، وربما كان سكان اليمن القديم يصومون ايضا. يطمح الكتاب الى سد الثغرات ورسم الخطوط الأساسية لتاريخ الميثولوجيا والديانة اليمنية القديمة وما صاحب تلك الفترة من تحولات مهمة في العقائد وكشف النفوذ الذي كانت تتمتع به القبائل.

الميثولوجيا والمعتقدات الدينية
أ.د. جواد مطر الموسوي
بـ 264 صفحة…. #

#. عن الحوار المتمدن…


facebook sharing button
twitter sharing button
pinterest sharing button

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى