الاقتصادية

في الثقافة الجديدة…؛ التصحر يتمدد في العراق بصمت

في “الثقافة الجديدة”: التصحر يتمدد في العراق بصمت

عادل عبد الزهرة شبيب
يعتبر التصحر من الظواهر البيئية الخطيرة التي تهدد حياة المجتمعات الاقتصادية والمعيشية حيث تتحول الاراضي الزراعية الخصبة الى أراض جرداء قاحلة وما يترتب على ذلك من تداعيات عديدة تمس حياة الانسان واقتصاد البلاد. ولأهمية وخطورة موضوع التصحر، فقد اختارت الأمم المتحدة يوم 17 حزيران من كل عام للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف.
وعموماً فالبيئة الجغرافية لا تخلو من مفهوم الجفاف والظروف الصحراوية. والصحراء هي جزء أساسي من مكونات البيئة الطبيعية (النظام البيئي)، ولكن أين يكمن خطر الصحراء؟ ولماذا نتخوف منها؟ ألم تكن جزءاً من بيئتنا الطبيعية؟ ومتى يبدأ خطر الصحراء؟ ثم ماذا يعني التصحر؟ وهل الصحراء تعني التصحر؟ وما هو تعريف الامم المتحدة له؟ وماهي اسباب التصحر وخصوصا في العراق؟ وماهي طرق مكافحته؟ وهل للوزارات العراقية المختصة كالزراعة والموارد المائية دور في مكافحة التصحر ومعالجة أسبابه؟ وهل للتصحر آثار اجتماعية واقتصادية على البلاد؟ وماهي الاجراءات الحكومية لوقف زحف الصحراء على أراضينا الزراعية، وتحويل العراق الى عراق أخضر؟ وهل انضم العراق الى الاتفاقية العالمية لمكافحة التصحر؟.. أسئلة ومحاور عديدة ستتم الاجابة عليها.
يتلخص الموضوع بغزو التصحر لبعض المناطق الزراعية في العراق، وتأثير ذلك عليه وعلى الثروة الحيوانية من خلال تدهور النبات الطبيعي وانعدامه. وما أثر ذلك على غذاء الانسان والامن الغذائي للدولة؟ وما أثر غزو التصحر على فقدان الارض لتربتها وتعرضها للتعرية وهل للتصحر أثر على نشاط الانسان وفعالياته وعى هجرته الى مناطق المدن بسبب تدني انتاجية الارض وقسوة العوامل المناخية؟
في البدء من الضروري التعرف الى معنى التصحر وأسبابه بصورة عامة وفي العراق بشكل خاص وطرق مكافحته والاجراءات الحكومية الخاصة بذلك، اضافة الى التعرف الى مناطق التصحر في العراق وحالاته وأشكاله.
الصحراء:
قبل التطرق الى موضوع التصحر من الضروري التعرف الى الصحراء ونشأتها وسماتها وخصائصها العامة وأهم أنواعها.
لقد وضع العرب نحواً من أربعين اسماً للصحراء منها: (بادية، برية، بيداء، سبسب، عراء، فـدفد، فلاة، فيفاء، قفر، مفازة، هيماء وغيرها …) (1). وفي معجم المعاني الجامع ورد معنى (الصحراء) باعتبارها: “أرض فضاء واسعة فقيرة الماء”. وتصحر المكان أي “تحول الى صحراء”. تنتشر ظاهرة التصحر بسبب الجفاف – تصحر الاراضي الزراعية يمثل خطراً على اقتصادنا (2).
وتقع الصحاري ضمن الاقاليم الجافة والتي تعّرف بأنها المناطق التي تتميز بندرة الماء والجفاف وقلة الغطاء النباتي أو انعدامه. وقد عرف معجم المصطلحات الجغرافية الصحراء بأنها “المنطقة التي تكون الهواطل فيها ضئيلة جداً تخلو من المجاري المائية الدائمة، شبه قاحلة، شبه جرداء، تغطيها سهب متفاوتة الكثافة، فقر حيواني ونباتي، وتكون الحياة الموجودة فيها متكيفة ومتأقلمة مع ظروفها الصعبة”.
ويبلغ معدل سقوط الامطار في مثل هذه المناطق نحو (25) سم أو أقل من ذلك سنويا وبالتالي تكون خالية من الغطاء النباتي والذي بدوره لا يساعد على وجود عدد ملموس من السكان. والصحاري عبارة عن بقاع تغطيها الرمال والحصى كما في الصحراء الغربية في العراق وصحراء الربع الخالي، أو تكون مغطاة بالركامات الجليدية كما في الصحاري القطبية.
كيف نشأت الصحاري:
كيف نشأت الصحاري، ولماذا يتركز وجودها في المناطق الواقعة بين خطي العرض 30 درجة شمالا و30 درجة جنوب خط الاستواء بالذات؟
يعتقد علماء الجغرافية بوجود ارتباط تكون حزام الصحاري العالمي بحركة الهواء الذي يندفع من خط الاستواء باتجاه القطبين الشمالي والجنوبي؛ حيث تصل منطقة خط الاستواء كمية كبيرة من أشعة الشمس طيلة أيام السنة، لذلك فإن الهواء في هذه المنطقة يسخن ويرتفع الى أعلى في الجو وبارتفاعه للطبقات الجوية العليا يبرد، فتتجمع الابخرة التي تحتوي عليها لتتكون الغيوم وتنزل أمطارا غزيرة في منطقة خط الاستواء، ما أدى ذلك الى نمو غابات كثيفة في المنطقة. وبعد أن يتخلص الهواء من حمولته من البخار تتجه حركته نحو القطبين، وفي منطقة خط عرض 25 درجة وبسبب حركة دوران الارض يبدأ الهواء بالهبوط باتجاه الارض وفي طريق هبوطه يسخن مما يحول دون تكون الغيوم لذلك ففي هذه المنطقة من الكرة الارضية من طرفي خط الاستواء تتكون مناطق جافة تعرف بالصحاري.
السمات والخصائص العامة للصحراء:
تتميز المناطق الصحراوية عموما ببعض السمات والخصائص من أهمها:
1. قلة الرطوبة وندرتها.
2. ارتفاع درجات الحرارة (كما في صحراء الربع الخالي) أو الانخفاض الشديد في درجة الحرارة (كما في الصحاري الجليدية كصحراء انتاركتيكا القطبية).
3. قلة الامطار.
4. ندرة الغطاء النباتي وانعدامه احيانا.
5. تميز معظم المناطق الصحراوية بأنها ذات تصريف مائي داخلي وذلك يعني ان المياه فيها تتسرب الى جوفها ونادرا ما تصل الى البحار المفتوحة عن طريق السيول.
6. تتميز الصحاري بوجود الرمال اضافة الى الحصى والصخور الرسوبية احيانا كما في الصحاري الحارة، أوفي الصحاري الباردة القطبية؛ حيث الركام الجليدي يغطي السطح.
أهم أنواع الصحاري:
على الرغم من انتشار الصحاري في جميع قارات العالم الا أنه توجد اختلافات بينها في التضاريس ودرجات الحرارة. ولذلك فقد وضعت عدة تصنيفات للصحاري من قبل العلماء الذين تناولوا هذه المادة بالدراسة، واشهر التصنيفات هو التصنيف الذي بني على أساس درجة الحرارة حيث قسمت الصحاري بموجبه الى ثلاثة اصناف:
1. الصحاري الحارة: وهي تلك التي يزيد فيها متوسط درجات الحرارة على (18 درجة مئوية)، ويتميز هذا النوع بأنه اكثر الانواع جفافا؛ حيث تقل الامطار فيها وتسقط بصورة فجائية، وتتميز أيضا بقلة غطائها النباتي أو يكون معدوما أحيانا. أما درجات الحرارة فتكون مرتفعة فيها كما في الصحراء الكبرى في افريقيا وصحراء الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية والصحراء الاسترالية وصحراء المكسيك… الخ.
2. الصحراء المعتدلة: وهي تلك التي يقل متوسط درجات الحرارة عن (18 درجة مئوية) وتسقط الامطار بمتوسط أقل من (25 سم)، ويتميز مناخها بالبرودة في فصل الشتاء، وقد يتساقط الثلج وتصل الحرارة في الصيف الى مستويات عالية، في حين يتراوح معدل الرطوبة بين %5 و%30 مثل صحراء بتاجونيا في امريكا الجنوبية وصحراء كازاخستان وصحراء جوبي في منغوليا.
3. الصحاري الباردة (الجليدية): وهي الصحاري التي يغطيها الجليد وتنخفض فيها الحرارة الى مستويات قياسية دون الصفر المئوي بكثير كما سجل ذلك في القطب الجنوبي. وتتميز هذه الصحاري بالجفاف حيث تكون الرطوبة محتبسة في التراكمات الجليدية ونادرا ما يحدث ذوبان للجليد. ومن الامثلة على ذلك صحراء انتاركتيكا في القطب الجنوبي وصحراء جرينلاند والصحاري الباردة في ألاسكا. ويلاحظ انحسار نسبي في الصحاري الباردة وزيادة في الصحاري الحارة بسبب ارتفاع درجات حرارة الارض، بفعل طبقة الاوزون والنشاط الصناعي واثره في رفع درجات الحرارة (3).
طرق تحديد المناطق الجافة:
تعتبر العناصر المناخية المتمثلة بدرجات الحرارة والتساقط المطري والتبخر من أهم العناصر المعتمدة في تحديد المناطق الجافة. ومن هذه التصنيفات: معيار مؤشر المطر (طريقة لانج) الذي اعتمد على مؤشر عامل المطر ضمن معادلة معينة، وهو يساوي المتوسط السنوي للتساقط بالمليمترات مقسوما على المتوسط الحراري السنوي بالدرجات المئوية وتصنف المناطق حسب النتائج، فاذا كانت النتيجة (صفر – 10) تعد المناطق شديدة الجفاف، واذا كانت (10 – 40) تعد مناطق جافة، واذا كانت (40 فأكثر) فتعد مناطق رطبة. وهناك معيار (دي مارتون) الذي عدّل المعيار السابق واعتمد الحرارة والمطر، وهناك معيار خط المطر المتساوي حيث اعتبرت المناطق الشديدة الجفاف تلك التي تستلم معدل تساقط امطار سنويا بأقل من 25 ملم والجافة من 25 – 200 ملم، والرطبة من 200 – 500 ملم. كما يوجد تصنيف منظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) حيث حددت المنظمة مناطق الجفاف وفق ضروريات الامن الغذائي العالمي الى مناطق شديدة الجفاف، نسبة التساقط السنوي فيها اقل من 80 ملم، والمناطق الجافة التساقط السنوي فيها من 80 – 150 ملم، والمناطق شبه الجافة من 200 – 250 ملم (4).
مفهوم التصحر:
اختلف الباحثون حول تعريف (التصحر) حيث عرفه (هورن مشينج) بأنه “امتداد مكاني للظروف الصحراوية في اتجاه المناطق الرطبة وشبه الرطبة”، وكما نرى من التعريف انه لم يشمل المناطق الجافة وشبه الجافة في حين انها اكثر المناطق عرضة للتصحر. أما (كنث هار) فعرف التصحر بأنه “افقار وتدهور للقدرة البيولوجية للنظام الايكولوجي البيئي”. وفي هذا التعريف نقص أيضا حيث لم يشمل العوامل الطبيعية والبشرية كمسبب للتصحر (4).
وفي كتابه الموسوم: (التصحر في الوطن العربي) أورد المؤلف د. محمد رضوان الخوالي تعريفاً للتصحر بأنه “قابلية الصحراء والظروف شبه الصحراوية للامتداد واكتساح الأحزمة الخضراء والخصبة وتحويلها الى أراضي جافة”.
أما في ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة فقد تم تعريف التصحر بأنه “تعرض الارض للتدهور في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة، مما يؤدي الى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها، ويؤدي ذلك الى فقدان التربة الفوقية ثم فقدان قدرة الارض على الانتاج الزراعي ودعم الحياة الحيوانية والبشرية” (5(.
ويعتبر هذا التعريف أفضل من سابقه كونه تناول المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة، ولكنه ركز فقط على العامل الطبيعي ولم يتناول تأثير العامل البشري في تدهور الارض وفقدانها الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها.
أما بالنسبة للأمم المتحدة ومن خلال منظمة اليونيب (UNEP) فقد عرفت التصحر أثناء انعقاد مؤتمر نيروبي بأنه “انخفاض أو تدهور قدرة الانتاج البيولوجي للارض، مما يؤدي في النهاية الى خلق أوضاع شبه صحراوية”. غير ان هذا التعريف غير كاف كما اعتبرته المنظمة لاحقا، لذلك تم اعتماد التعريف التالي أثناء انعقاد الاجتماع الاستشاري المعني بتقييم التصحر في نيروبي عام 1990 والذي نص على الآتي: “تدهور الارض في المناطق الجافة وشبه الجافة والمناطق القاحلة شبه الرطبة نتيجة لآثار بشرية معاكسة”. غير أن هذا التعريف يعتبر غير شامل كونه أهمل العوامل الطبيعية التي تسبب وبالتضافر مع العوامل البشرية في نشوء التصحر وتفاقمه. لاحقا توصل مؤتمر الامم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المنعقد في ريودي جانيرو بالبرازيل في حزيران عام 1992 الى التعريف الآتي: “التصحر: تدهور الاراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وشبه الرطبة الجافة نتيجة لعوامل مختلفة من بينها التقلبات المناخية والنشاطات البشرية”. وقد اقر التعريف كما هو في الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر (UNCCD) والتي بدورها اقرت عام 1996. ويعتبر تعريف الامم المتحدة الاخير افضل التعاريف كونه اقر بدور العامل الطبيعي والبشري في نشوء ظاهرة التصحر في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وشبه الرطبة والرطبة. اذاً التصحر يعني: التدهور التدريجي في القدرة الانتاجية للتربة والغطاء النباتي في المناطق الجافة وشبه الجافة والرطبة وشبه الرطبة، حيث تتضافر العوامل الطبيعية من تقلبات مناخية وزحف الكثبان الرملية الى جانب النشاطات البشرية المؤثرة على التربة والغطاء النباتي في نشوء التصحر، والتي ابرز مظاهرها (6):
– تملح التربة.
– تعريتها.
– تكوين الكثبان الرملية وزحفها.
– قلة التنوع البيولوجي.
كما ان أهم المؤشرات الطبيعية للتصحر هي (7):
1. غزو الكثبان الرملية للأراضي الزراعية.
2. تدهور الاراضي الزراعية المعتمدة على الامطار.
3. تملح التربة.
4. ازالة الغابات وتدمير النباتات.
5. انخفاض كمية ونوعية المياه الجوفية والسطحية.
6. تدهور المراعي.
7. انخفاض خصوبة الاراضي الزراعية.
8. اشتداد نشاط التعرية المائية والهوائية.
9. زيادة ترسبات السدود والانهار واشتداد الزوابع الترابية وزيادة كمية الغبار في الجو.
ويعتبر التصحر اليوم مشكلة عالمية تعاني منها العديد من البلدان في كافة انحاء العالم وقد بلغ مجموع المساحات المتصحرة في العالم حوالي 46 مليون متر مربع، منها 13 مليون متر مربع تخص البلدان العربية، اي حوالي %28 من جملة المناطق المتصحرة في العالم.
أسباب التصحر:
يمكن أن نعزو أسباب التصحر الى مجموعتين من العوامل:
1. عوامل طبيعية.
2. عوامل بشرية.
حيث أن لتغيرات المناخ دورا مهما في نشوء التصحر، فارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار يساعدان على سرعة التبخر وتراكم الاملاح في الاراضي المزروعة. كما أن السيول تجرف التربة وتقتلع المحاصيل ما يهدد خصوبة التربة. وتعمل الرياح خاصة اذا كانت شديدة السرعة على تحريك وزحف الكثبان الرملية على المناطق الزراعية. ويعمل ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي تزداد ملوحتها بمرور الوقت على رفع درجة ملوحة التربة وتصحرها. اضافة الى ذلك فان شدة الرياح تؤدي الى جفاف النباتات وذبولها الدائم خاصة اذا استمرت فترة طويلة كما انها قد تؤدي الى قلع النباتات وخاصة تلك ذات الجذور الضحلة ما يؤدي الى ازالة الغطاء النباتي. فعوامل الرياح والامطار الغزيرة والسيول تسبب انجراف التربة حيث يجرفان سنويا الاف الاطنان من جزيئات التربة التي تحتوي على المواد العضوية والنيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم والكالسيوم والكبريت وغيرها من العناصر. كما يعتبر انجراف التربة من اخطر العوامل التي تهدد الحياة النباتية والحيوانية في مختلف انحاء العالم. هذا ما يتعلق بالعوامل الطبيعية, اما بالنسبة للعوامل البشرية وتأثيرها في نشوء التصحر، حيث زاد النشاط البشري مؤخرا من عملية انجراف التربة نتيجة لمعاملات غير واعية مثل (8):
1. ازالة الغطاء النباتي.
2. الرعي الجائر خاصة في الفترة الجافة.
3. المعاملات الزراعية غير الواعية مثل حرث التربة في أوقات الجفاف غير المناسبة مما يؤدي الى تفكك الطبقة السطحية من التربة ويجعلها عرضة للانجراف.
4. ازالة الغابات التي تعمل على تماسك التربة.
5. الرعي الجائر يؤدي الى حرمان الارض من حشائشها وبالتالي تعرضها بسهولة الى الانجراف بفعل الرياح او الامطار والسيول.
6. اساليب الري الرديئة.
اما بالنسبة للأمم المتحدة فقد حدد تقريرها أربعة أنشطة بشرية تسبب التصحر وهي: الاستعمال المجحف للأراضي الزراعية ما يؤدي الى تدهور التربة واستنفاد خصوبتها، والرعي الجائر والمبكر الذي يؤدي الى تدهور الغطاء النباتي الرعوي الذي يحمي التربة، وازالة الغابات التي تعمل على تثبيت التربة وتحافظ على تساقط المياه والاسراف في الري وسوء الصرف الذي يؤدي الى زيادة نسبة ملوحة وتصحر الاراضي. وتشير تقارير الأمم المتحدة الى أن العالم يفقد سنويا حوالي 24 مليار طن من التربة السطحية، وأن حوالي %70 من اجمالي مساحة الاراضي الجافة المستخدمة في الزراعة في العالم، تضررت بدرجات متفاوتة من جراء عمليات التصحر (9).
التصحر في العراق:
هنالك علاقة بين التصحر في العراق وشح الموارد المائية فيه؛ حيث قلة الاراضي المستثمرة في الزراعة في معظم مناطق العراق بسبب تراجع الموارد المائية.
عوامل نشوء التصحر في العراق:
1. ان %90 من مساحة العراق تقع ضمن منطقة المناخ الجاف وشبه الجاف حيث يقع المناخ الصحراوي الحار والجاف في حدود منطقة السهل الرسوبي والهضبة الصحراوية الغربية (10)، ويمثل هذا المناخ حوالي %70 من مساحة العراق الكلية (11).
2. ارتفاع درجات الحرارة في الصيف التي تصل احيانا الى أكثر من 50 درجة مئوية (كما شهد هذا الصيف ذلك) مع ارتفاع نسبة التبخر وكذلك ارتفاع عدد الايام المشمسة والتي يصل معدلها السنوي الى 260 يوما.
3. هبوط نسبة تساقط الامطا، وتفاوت كمياتها بين 5 – 15 سم، متأثرة بنسبة التبخر العالية اذ تقل في اغلب مناطق العراق، ولا يتجاوز معدل الامطار في الجنوب 40 يوما وفي الشمال 70 يوما مع قلة الرطوبة التي تعتبر مهمة جدا في الدورة البيولوجية للتربة ونمو الاعشاب.
4. الرياح السائدة في العراق هي الرياح الشمالية الغربية الجافة والحارة وتعمل على نشر الغبار المحلي، ويرافقها صيف حار جاف وطويل. وهذا العامل له دور مهم في حدوث التصحر في العراق. هذا في ما يتعلق بالعوامل الطبيعية، وهناك عوامل بشرية تتعلق بالإنسان والادارة ولها دورها في التصحر متمثلة بسوء استغلال الموارد الطبيعية والممارسات الخاطئة للإنسان، كما في القطع الجائر للأشجار والشجيرات، والرعي الجائر؛ حيث قطعت أعداد كبيرة من الاشجار والشجيرات في مناطق العراق المختلفة ابان فترة الحصار والنقص الحاد في الوقود فترة التسعينات من القرن الماضي. كما تعرضت غابات شمال العراق الى التلف، بسبب القطع العشوائي والحملات العسكرية للقضاء على الحركات الكردية، أيام حكم النظام المقبور، وما رافقها من احراق الاف القرى؛ حيث تراجعت مساحات الغابات في فترة وجيزة. كذلك تراجعت اعداد النخيل من حوالي 30 مليون نخلة الى حوالي 12 مليون نخلة، بسبب الحرب مع ايران وقلة المياه والآفات الزراعية والإهمال. كما اسهم النظام السابق في تغيير التوازن البيئي من خلال تجفيفه الاهوار والدمار البيئي الذي لحق بهذه المنطقة بحياتها النباتية والحيوانية.
حالات التصحر في العراق
العراق من البلدان الزراعية القديمة في التاريخ والذي نشأت فيه اولى الحضارات الانسانية، ومنذ ذلك الوقت والى اليوم، فانه يعاني من مشكلة الملوحة؛ حيث انتشرت في العديد من الاراضي الزراعية الخضراء، والحقت الضرر بها وتقليصها، في الوقت الذي يزداد فيه عدد سكان العراق. ومن حالات التصحر في العراق:
1. تملح التربة: بسبب ارتفاع درجات الحرارة وخاصة في فصل الصيف، والتي قد تصل الى 50 درجة مئوية واكثر احيانا، ما يؤدي الى زيادة نسبة التبخر في المياه السطحية وترسب الاملاح وزيادتها والتي اخذت تهدد الاراضي الزراعية والصالحة للزراعة، وتبقى مشكلة تملح التربة من ابرز المشاكل التي تعاني منها التربة.
2. انجراف التربة: ويظهر انجراف التربة في المناطق الجبلية الشديدة الانحدار في شمال وشمال شرق العراق؛ حيث تساعد الامطار والثلوج في هذه المنطقة في تعرض التربة الى الانجراف من المرتفعات الى الجهات المنخفضة. وتقدر نسبة التصحر بهذا النوع بـ %13.
3. الزحف الصحراوي: تعاني الاراضي الزراعية خاصة في منطقة الفرات الاوسط واعالي الفرات من تعرضها للرمال المتحركة؛ اذ تقدر مساحة الكثبان الرملية في العراق بأكثر من 6 مليون دونم، تتوزع على جهات العراق المختلفة والممتدة من جنوب البصرة وحتى النجف بمساحة تقدر بـ (1684000 دونم). وهناك نطاق ثاني يمتد من شمال غرب كربلاء وحتى الانبار والذي تقدر مساحته بـ (38000 دونم). أما بالنسبة للنطاق الثالث من الزحف الصحراوي فيقع شرق نهر دجلة ضمن منطقة علي الغربي في محافظة ميسان.
4. الزحف الصحراوي: تعاني الاراضي الزراعية خاصة في منطقة الفرات الاوسط واعالي الفرات من تعرضها للرمال المتحركة؛ حيث تقدر مساحة الكثبان الرملية في العراق بأكثر من 6 ملايين دونم؛ تتوزع على جهات العراق المختلفة والممتدة من جنوب البصرة وحتى النجف بمساحة تقدر بـ (1684000 دونم). وهناك نطاق ثاني يمتد من شمال غرب كربلاء وحتى الانبار والذي تقدر مساحته بـ (38000 دونم). أما بالنسبة للنطاق الثالث من الزحف الصحراوي فيقع شرق نهر دجلة ضمن منطقة علي الغربي في محافظة ميسان.
وفي العراق تتسارع ظاهرة التصحر؛ اذ تقدر نسبة الاراضي المعرضة للتصحر بأنها تتجاوز %92 من مجموع المساحة الاجمالية، ونلاحظ الاراضي المتصحرة في محافظة بابل في منطقة الشوملي/ المدحتية، وفي محافظة صلاح الدين حيث توجد في تكريت وبيجي بينما توجد في الديوانية في منطقة عفك. اما في محافظة الانبار فاغلب اراضيها صحراوية وتتعرض لتدهور الغطاء النباتي بسبب قلة الامطار والرعي الجائر والتحطيب.
وفي الناصرية توجد في جنوب البطحاء ومركز الناصرية الى البصرة، كذلك توجد في البصرة وواسط وفي نينوى وكربلاء والمثنى؛ حيث التصحر اصاب مناطق واسعة من افضل الاراضي الزراعية (12).
لقد اخذت مشكلة التصحر في العراق بالتفاقم في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بسبب شح المياه وظهور العواصف الترابية الى جانب العمليات العسكرية ودور الانسان السلبي في تجريد الارض من تربتها وغطائها النباتي (13(.
اثار التصحر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية:
يؤثر التصحر على تدهور الارض وعلى انتاج الاغذية والمواد الزراعية الاخرى ويؤدي الى:
1. تبوير الاراضي وما ينتج عنها.
2. تزايد هجرة سكان الريف والرعاة نحو المدن طلبا للعمل ولحياة أفضل حيث يقوم المهاجرون بإنشاء ابنية سكنية عشوائية على الاراضي الزراعية المحيطة بالمدن ما يؤدي الى فقدان جزء من مساحة الاراضي الزراعية.
3. خسارة القوى العاملة في الريف ما يؤدي الى نقص الايدي العاملة في الريف ويولد ضغط الهجرة الى المدن الكثير من المشاكل الاجتماعية مثل انخفاض المستوى المعيشي، البطالة، الخدمات الصحية، قلة السكن، التوترات والنزاعات العشائرية، الاخلال بالأمن.
4. احداث سلسلة من اوجه الخلل في العمليات التربوية.
5. نقل العادات والتقاليد العشائرية السلبية الى المدن كما حصل في العراق.
6. الاضرار الكبيرة التي يحدثها التصحر، تحتاج الى استصلاح الاراضي الزراعية والتي تكون مكلفة ماليا، وقد يكون ذلك غير مجد اقتصاديا، اضافة الى ان الدول الفقيرة غير قادرة على مثل هذه الاجراءات.
مكافحة التصحر:
من الضروري جدا العمل على ازالة أسباب التصحر ووقاية الاراضي الخصبة قبل تدهورها وفقا لمبدأ “الوقاية خير من العلاج”، وذلك من خلال:
1. تنظيم الرعي وتنمية المراعي والحد من الرعي الجائر.
2. العمل على تثبيت الكثبان الرملية عن طريق انشاء الحواجز العمودية على اتجاه الرياح من خلال الحواجز النباتية وخاصة تلك التي لها القدرة على تثبيت الرمال، فالتشجير هو الافضل في عملية التثبيت. وكذلك من الضروري اقامة الاحزمة الخضراء حول المدن لحمايتها من العواصف الترابية.
3. الحواجز الصلبة: وذلك باستخدام الحواجز الساترة من الجدران او جذوع الاشجار القوية والمتشابكة مع بعضها البعض.
4. الطرق الكيميائية مثل استخدام مشتقات النفط وتكون على شكل رذاذ يلقى على التربة السطحية، ولكن لهذه الطريقة اخطارها مثل تلوث التربة والمياه وتأثير ذلك على النباتات.
5. صيانة الموارد المائية وحمايتها، وذلك بحسن استغلالها واستخدام الطرق الحديثة في الري.
6. تطوير القدرات البشرية، وذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة وتدريب المختصين عليها مثل الاستشعار عن بُعد، والتصوير الجوي وتحديد تواجد المياه الجوفية في باطن الارض.
7. نشر الوعي البيئي بين المواطنين خاصة المزارعين واصحاب المواشي والرعاة.
8. اتباع الدورات الزراعية، واقامة المحميات الطبيعية، والعمل على تنمية المناطق الصحراوية.
9. الاهتمام بالمراعي الطبيعية وتوفير الغطاء النباتي لمنع تعرية وانجراف التربة (14(.
في العراق تتطلب عملية مكافحة التصحر، جملة من الاجراءات من بينها:
1. الحوار والدبلوماسية مع الجانب الايراني والتركي والسوري لضمان حصة العراق المائية وفقا للمواثيق الدولية الخاصة بالدول المتشاطئة، والاستعانة بهيئة الامم المتحدة لضمان حقوق الشعب العراقي في المياه.
2. زراعة الاحزمة الخضراء حول المدن كمصدات للرياح الغربية السائدة في العراق الى جانب زراعة الاشجار داخل المدن المحايدة للصحراء الغربية.
3. منع قطع الاشجار والشجيرات بموجب تشريع قانوني.
4. العمل باستمرار على تحسين البيئة من خلال زراعة الاشجار عند السدود والبحيرات والوديان للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة العالية وتلطيف الجو.
5. تثبيت الكثبان الرملية في المناطق الصحراوية واطرافها عند مدن الناصرية والديوانية والسماوة والبصرة وكربلاء والنجف والكوت والانبار وصلاح الدين.
6. حفر الابار في المناطق الصحراوية للاستفادة من المياه الصالحة لأغراض الزراعة والري مع استخدام الطرق الحديثة في الري.
7. معالجة ملوحة التربة واستصلاح الاراضي الزراعية وانشاء المبازل وصيانة القائم منها.
8. منع تحويل مناطق الرعي الى مناطق زراعية وخاصة تلك التي يقل فيها معدل الامطار عن (250 – 300 ملم )، اي المناطق التي يقل فيها المطر عن حاجة النبات.
9. زيادة الدعم المالي للهيئات المتخصصة، لكي تتمكن من مكافحة التصحر ووضع البرامج لذلك.
10. الدعوة لتعاون الوزارات والهيئات ذات العلاقة لمواجهة ظاهرة التصحر الخطيرة، والعمل على تشجيع البحث العلمي في مجال تطوير الزراعة والري.
11. ضرورة انشاء سد على شط العرب لتوفير المياه واعادتها الى الاراضي العراقية، بدلا من القائها في الخليج العربي, وسيسهم ذلك في احياء العديد من الاراضي الصالحة للزراعة.
12. العمل على زراعة المناطق الصحراوية غرب العراق وجنوبه حيث سيخلص ذلك العراق من العواصف الترابية وبنسبة %50.
دور الوزارات العراقية المتخصصة في مواجهة التصحر:
أولت وزارة الموارد المائية اهتماما خاصا في مجال استصلاح الاراضي وانشاء مشاريع الري والبزل في مناطق متفرقة بوسط وجنوب العراق، اضافة الى صيانة المبازل والجداول، كما تقدم المشورة لوزارة الزراعة في تحديد المواقع التي تتوفر فيها المياه الجوفية الصالحة لأغراض الزراعة وخاصة في المناطق الصحراوية. وحسب بيانات وزارة الموارد المائية فقد شملت مكافحة التصحر زراعة نحو 500 دونم في بابل والنجف والكوت والعمارة والانبار والعظيم، وزرعت هذه المساحات بأشجار الزيتون والحمضيات والكمثري ونباتات الزينة والكالبتوس والاشجار المثمرة.
أما بالنسبة لوزارة الزراعة فقد وضعت خطة لمكافحة التصحر الذي يغطي اكثر من 4 ملايين دونم من الاراضي في العراق. وتشمل الخطة غرس شتلات الزيتون عالي الزيت في الواحات الصحراوية، بواقع 30 ألف شتلة في عشر واحات، وتسقى بأسلوب الري بالتنقيط، اضافة الى القيام بتثبيت الكثبان الرملية في الناصرية، وفتح طريق ترابي بطول 1500 متر داخل الكثبان، كذلك تتضمن الخطة خلط الرمال بالتربة الطينية الثقيلة بنسب محسوبة لتثبيتها ووقف زحف الكثبان الرملية.
الهوامش:
(1) معجم المعاني / مرادفات كلمة صحراء في قاموس المعاني.
(2) معجم المعاني الجامع.
(3) سام، ويريل ابشتين، كل شيء عن الصحراء، ترجمة د. مصطفى بدران، دار المعارف، القاهرة، 1976.
(4) علي غليس ناهي، المفهوم والمنظومة الجغرافية لظاهرة التصحر، مجلة ميسان للدراسات الاكاديمية، المجلد الثامن العدد الخامس عشر كانون الاول 2009.
(5) ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(6) علي غليس ناهي، المفهوم والمنظومة الجغرافية لظاهرة التصحر، مصدر سابق.
(7) عن الوحدة التعليمية العاشرة / تصحر الاراضي.
(8) ظاهرة التصحر… أسباب التصحر.. طبيعة التصحر في العالم، منتدى الادارة العامة للتعليم بمنطقة القصيم.
(9) التصحر المرض الفتاك في كوكبنا، منتدى طلاب الجيولوجيا في جامعة تشرين.
(10) ىطالب العنزي، التصحر في العراق تسبب بفقدان 100 ألف دونم من الاراضي الزراعية وهجرة اصحابها للمدن، جريدة المؤتمر، العدد 2983 في 5 حزيران 2014.
(11) د. جاسم محمد الخلف، جغرافية العراق الطبيعية والاقتصادية والبشرية، القاهرة 1965، ص 118.
(12) د. هاشم نعمة، مشكلة التصحر وابعادها الاقتصادية والاجتماعية في العراق، دراسة منشورة على الانترنت على الرابط الآتي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=10989
(13) عن الجزيرة نت – بغداد، التصحر يهدد العراق.
(14) الموسوعة البيئية، طرق مكافحة التصحر، 21 تشرين الثاني 2011 .
يمكن مراسلة الكاتب عبر البريد الالكتروني على العنوان الآتي: adelshibeeb@ymail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة “الثقافة الجديدة”
العدد 386
كانون الثاني 2017
زر الذهاب إلى الأعلى