الفكر السياسي

في ذكرى الإنقلاب الأسود

في ذكرى الإنقلاب الأسود

صادق البلادي

2015 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية

في ذكرى الإنقلاب الأسود
صادق البلادي

في خلال الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين استطاعت الدول الغربية يومها ، وبفضل سياسة أعوانها ، ولا أقول عملاءها ، في النظام الملكي ، الذين انتهجوا ما أسموه ” سياسة خذ و طالب ” استطاعت الدول الإمبريالية أن تشق حركة التحرر الوطني العربية باخراج العراق منها ، وربطه بحلف بغداد. بعد هزيمة بريطانيا وفرنسا وثالثهما دولة اسرائيل الصهيونية في حرب السويس عام 1956أعلن آيزنهاور في عام 1957 حق أمريكا في ملئ الفراغ الذي حدث نتيجة خسران الدولتين الاستعماريتين لنفوذهما في المنطقة واشتداد ساعد حركة التحرر العربي ، وكان حلف بغداد أداته لتحقيق ذاك الهدف وتعميق سياسة فرق تسد بين الدول العربية ، فكان العراق حصنهم الحصين لآيقاف المد الطاغي يومذاك لحركة التحرر الوطني ، التي حققت الاستقلال السياسي للعديد من الدول المستعمرة والتابعة ، وأخذ تفكك المعسكر الاستعماري يتسارع ، يصاحبه اشتداد تحالف دول التحرر الوطني ، دول مؤتمر باندونغ. وكانت حركة التحررالوطني العربية يومذاك تشغل دورا طليعيا. وفي النظام الداخلي للحزب الشيوعي ، المقر في المؤتمر الثاني أيلول 1970اكد الحزب على أنه ” مدافع أمين عن مصالح الأمة العربية و عن طموحها المشروع الى التضامن الكفاحي ضد الإستعمار و الصهيونية والرجعية ،والى الوحدة على أسس ديمقراطية سليمة ومتينة ، وعن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ارض وطنه، وعن حق الأمة الكردية في تقرير مصيرها بما فيه حق الإنفصال”
ومعروف انه في مجرى الحرب الباردة استطاعت الامبريالية أن تجعل العراق حصنا لها وقاعدة للهجوم على حركة التحرر الوطني و لمحاربة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي ، وقبل تموز 58 حدد الحزب إعادة العراق الى صف حركة التحررالوطني العربي مهمته الأولى ، وتحقق هذا الهدف في 14 تموز، فلذلك لا عجب في أن يكتب الرئيس الآمريكي آيزنهاور في مذكراته لدى وصول النبأ اليه: ” هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للإستقرار والتقدم في المنطقة… إذا لم يلق تحوّل الأحداث بهذه الصورة المريعة، الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط … ” أما السفارة البريطانية في بغداد فقد أرسلت الى لندن برقية جاء فيها :
” لقد أحزنت الأحداث الدامية التي وقعت في بغداد العالم الحر [ عالم الامبريالية ] بشكل عميق… وقد حدث ذلك بثورة قامت بها عناصر معينة من الجيش كانت تعمل لصالح قوى أجنبية… ونتيجة لهذه الثورة المهيأة من قبل الناصرية والشيوعية، تزعزعت وضعفت بشكل خطير مصالح وأمن الأعضاء الإقليميين لميثاق بغداد، أي تركيا وإيران والباكستان، وقد تعرض العالم الحر قاطبة لخطر الشيوعية أكثر من السابق… “..
لكن الاصرار على إعادة الحصان الجامح الى حظيرته على الأقل أضحى هو الهدف المركزي للأمبريالية ، التي استلمت الولايات المتحدة قيادتها كليا ، وعن هذا عبرت مجلة الإيكونومست البريطانية في أول عدد لها بعد الثورة ، فكتبت تقول:
” إن الوضع الراهن في الشرق الأوسط ينطوي على أكبر تهديد للإستقرار في تلك المنطقة- ولربما للسلام في العالم- منذ الحرب العالمية الثانية وهذه اللحظة أخطر بكثير من أن تسمح بغير التقديرات الشديدة الدقة لما نواجه من أخطار… فيجب أن يقال بكل تأكيد بأن هذه ليست [سويس أخرى] أبداً. إنها تلبية شرعية وشريفة لطلبات حكومات قائمة- حكومات لم تستطع المراهنة على أي إغاثة مناسبة ومقررة أصولياً من قبل هيئة الأمم المتحدة ، تصلها في الوقت المطلوب…والآن وقد هرب الحصان العراقي، فقد تم الإنزال الأمريكي في بيروت والبريطاني في الأردن، على أمل أن لا يترك أي من أبواب الإسطبل مفتوحاً”.
ولم تستطع الدولتان أن تجهضا ثورة تموز بل وقفتا أمامها وأياديهما مشلولة رغم الإصرار على التدخل العسكري في العراق…، وذلك لوقوف المعسكر الاشتراكي وحركة التحرر العربية الى جانب جماهير الشعب العراقي العارمة المنطلقة المليئة بالحماس ملتفة حول الثورة ، حيث أضحى كل شيئ بعد تموز جديد ، ومن يبخس قيمة الجديد في إشاعة الفرح.
وفي 8 شباط الأسود 63 ، وبعد محاولات متتالية وعديدة ،نجحت الإمبريالية الأمريكية في إزالة الفرحة من القلوب بإيصال البعث الى الحكم ، وبمساعدة القوى الرجعية والدينية ، وبتأييد الحركة الكردية القومية ، وأسهمت الإمبريالية ثانية في إعادة البعث الى السلطة في تموز68، وارتكبت قيادة الحزب الشيوعي جريرة التحالف مع البعث، راجعة الى خط آب الإنتهازي اليميني. وجاء الغزو الأمريكي واحتلال العراق في 9 نيسان 2003 ليفتح مرحلة جديدة لتمزيق العراق وإقامة شرق أوسط جديد يتسم بتفتيت دوله. وقد اعتبرت اولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، في مقابلة مع مجلة الشبيغل الألمانية أجرتها معها في مدينة ميونيخ أثناء انعقاد مؤتمر الأمن الذي شارك فيه العبادي و البرزاني، اعتبرت احتلال العراق من قبل بوش الخطا الأكبر في السياسة الأمريكية. ذلك
الإحتلال الذي تحقق بحرب اعتبرها الأمين العام السابق كوفي عنان خرقا للشرعية الدولية. ومعروف كيف كانت أولبرايت قد اعتبرت موت آلاف الأطفال العراقيين شهريا بسبب الحصار، سلاح الإبادة الجماعية، ثمنا مناسبا لتحقيق أهداف ا/ريكا في المنطقة.
تعتبر أمريكا نفسها حليفا ستراتيجيا للعراق- وليصدق من يريد أن يصدق – وقد اعتذرت أمريكا لعدد من الدول عما قامت به من إنتهاكات ضدها ، من ذلك اعتذارها من إيران عن تدبيرها للإنقلاب ضد حكومة مصدق في إيران ، فهل ستعتذر للشعب العراقي عن إنقلاب شباط 63 ، ولعل مثل هذا الإعتذار يجعل المشاركون فيه من العراقيين والصامتون عن جرائمه يعلنون عن إدانتهم لــعاهرة الثورات ، وإن طال الزمان، وعن الغزو كذلك……. #

#.   عن الحوار المتمدن…..


facebook sharing button
twitter sharing button
pinterest sharing button
email sharing button

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى