القانونية
قانون الخدمة البحثية؛ اثراءات علمية وإيرادات مالية
قانون الخدمة البحثية؛ اثراءات علمية وإيرادات مالية
- قانون الخدمة البحثية
اثراءات علمية وإيرادات مالية
د/ محمد صباح علي
ر/ مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية
يسود الوضع القانوني لحملة الشهادات العليا في واز ارت ومؤسسات الدولة الع ارقية غموض شديد وغير واضح؛ فبالوقت الذي يتم تعيين ممن حاصلين على شهادة الدكتواره والماجستير داخل واز ارت الدولة، وفقا للسلم الإداري الوظيفي المخصص لحملة الشهادات الأولية ؛ ليحصل على مخصصات الشهاد ة العلي ا وملحقاتها المقررة بموجب قانون رواتب وموظفي الدولة العام والضوابط والتعليمات المستكملة لحقوقه، ثم يستمر في العمل ويتدرج شيئا فشيء في السلم الإداري إلى أخره. ووفقا للضوابط المقررة فأنه معفي من دوارت الترفيع وغيرها؛ فحملة الشهادات العليا داخل مؤسسات الدولة يخضعون لقتل مواهبهم بسبب تفاهة الأعمال التي يكلفون بها من رؤسائهم في العمل التي تقتصر على أمور كتابية وإدارية وغير ذل ك مما لا تتفق مع طبيعة عملهم الأساسي؛ فيفقد مع مرور الوقت جوهر الشهادة العليا القائمة على البحث العلمي وتطور النظريات وتشخيص المشكلات ومعالجتها بالأساليب الأكاديمية المتبعة بمناهج البحث العلمي، وفي ظل عدم وجود تقييم علمي، وعدم تقبل جهودهم الذاتية التي يصنعونها كالمؤلفات والأبحاث والمشاركة في المؤتم ارت الدولية ولا يكافئون بأقل شيء، إلا وهو؛ الشكر والتقدير المعنوي من الرئيس الإداري، وعند الاعت ارض على ذلك تكون الإجابة؛ بان تلك المؤسسة غير خاضعة لوازرة التعليم العالي والبحث العلمي ومن ثم لا تسري أولويات التطوير بتلك الوازرة مع أولويات مؤسستنا، ولو توقفنا برهة عند تلك الإجابة الساذجة واستعرضنا القوانين لوجدنا أن حامل الشهادة العليا في مؤسسات الدولة وأن كان يعين على السلم الإداري المعتاد وهذا -مخالف للقانون وفق الأصول الدولية الحديثة القائمة على تعزيز البحث العلمي لأي مؤسسة أو مركز أو وازرة دون اشت ارط مرفق بعينه- إلا انه يحصل على مخصصات الشهادة العليا ونصف مخصصات الخدمة الجامعية، ثم تطور الأمر عندما أجازتدوائر التد ريب والتطوير في الواز ارت بمنح حاملي الشهادات العليا مدة تفرغ يومين لغرض إلقا ءمحاض ارت في الجامعات والمعاهد، مع حرمانه من إجازة التفرغ الأسبوعية لغرض إعداد الأبحاثوخدمة البحث العلمي ،فاستقطاع نصف تلك المخصصات مخالف للقانون مقارن ة مع حامليالشهادة العليا في وازرت ي التعليم والتربية كونهم متساوي ن في جميع المها ارت النظرية البحثية والأكاديمية إن لم تكن أفضل، وحيث أن غالبية مؤسسات القطاع العام في الع ارق تنظر بعين الاتهام لحامل تلك الشهادة دون معرفة سبب ذلك، الأمر الذي بات يثير الانتباه على تفضيل أصحاب الشهادات الأقل من شهادة البكلوريوس في الترشيح للمسؤولية، وتخفي الإدا ارت أي معلومات عنهم في حال طلب تقرير عن وضع الشهادا ت العليا داخل الوازرة أو المؤسسة، وحيث أن لدى القسم الأكبر من هؤلاء اختصاصات قيمة ومتنوعة وممزوجة بالمهارة العملية المكتسبة والتي تنفع نفعا كبي ار وعظيما إذا ما زجت في ميدان البحث العلمي في مجالاته المتنوعة العلمية والإنسانية والاجتماعية، وبرغم كثرة الطلبات من المسئولين من أجل أطلاق مجال البحث العلمي والأكاديمي داخل مؤسساتهم لغرض بيان الصالح من الطالح والنافع من الضار، لن يكون هناك استجابة بل العكس تكون الإج ابة جارحة بان لا حاجة للشهادات العليا داخل هذا العمل، فهو بسيط وبالإمكان إتيانه من أي شخص! وينتهي الأمر عندئذ بالاستسلام. والأمر الآخر الذي هو باعتقادنا سبب المشكلة الحقيقي والعائق الأول هي مسألة التعيين على قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 النافذ الذ ي يعد المرجع والأساس لجميع العاملين المدنين بالدولة الذي يشترك فيه ابتدا ء من الأمي إلى حامل شهادة الدكتواره، وإذا ما قارناه مع قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 والمعدل بالقانون رقم 32 لسنة 2012 نلاحظ أن الأسس العلمية واحدة المتبعة داخل عمل المرفق العام مع رصد امتيا ازت كبيرة لهم في القانون أنف الذكر وحرمان أمثالهم الخاضعي ن لقانون الخدمة المدنية، فلو استعرضنا ما ورد بالفقرة) 3( من المادة الأولى من القانون سالف الذكر الذي نص على أن موظف الخدمة الجامعية ) كل موظف يقوم بممارسة التدريس الجامعي والبحث العلمي والاستشارة العلمية والفنية…….(. وهذا ما ينطبق من حيث الواقع على الموظف الذي يعين وفقا لقانون الخدمة المدنية عندما يقوم بالتدريس في الجامعات الحكومية والأهلية، وإذا انتقلنا إلى الفقرة) 5( من المادة الثانية التي تشير إلى أن من واجبات الموظف الجامعي هي )الإسهام في التأليف والترجمة والنشر(. واعتقد أن إسهامات حاملي الشهادات العليا الخاضعين لقانون الخدمة المدنية أكثر من خلال تتبع نشاطاتهم في دور النشر والتأليف، وأيضا ما ورد بالفقرة)9( من نفس المادة سالفة الذكر التي بينت مجال نشاطات الموظف الجامعي وهي ) الإسهامفي الندوات والمؤتم ارت والحلقات الد ارسية داخل الع ارق وخارجه(. وقو لا واحدا في هذا الموقف ولايوجد هناك اختلاف على أن رصانة مواضيع الندوات واختيار الأبحاث للمؤتم ارت تكمن قوتها لدىالموظف الذي يجمع بين المجال العلمي والعملي، الذي يتعامل مع المشكلات الواقعية ويشخص الحلول لها ثم يستطيع أن يقيم مدى فائدة النظرية والمعادلة بصورة مستندة على التجربة، على عكس من يقتصر عمله في الميدان النظري القائم على الشرح دون التطبيق، ورغم الصعوبات التي تواجههم في ذلك من عدم منح تفرغ لحضور المؤتمر وعدم مساعدة الدائرة بأجور المؤتمر نلاحظ هناك جهود عزيزة في المواصلة والاستم ارر على المشاركة والتقديم والعطاء. ونتابع أيضا ما تنص عليه الفقرة) 10( من نفس المادة المشار إليها سابقا التي بينت واجبات موظف الخدمة الجامعية بالقيام ) بالد ارسات والبحوث التي تقترحها دوائر الدولة ومؤسسات القطاع العام والخاص في نطاق التعاون بين مؤسسته وتلك الجهات(. وحيث نلحظ تنافس كبير في مؤسسات الدولة على تقديم الأبحاث والد ارسات العديدة في مجالات الاختصا ص، إلا أنها لا ترى النور بسبب قضايا مجهولة لا يعلمها إ لا ال ارسخون في العلم. ومن العقبات الأخرى أن بعض المؤتم ارت الدولية ترفض إش ارك من لا يحمل لقب علمي عندئذ تكتمل أركان الجريمة على هذا الموظف ولن ترى أعماله النور أبدا. وهذه العقبة لا يمكن زوالها إلا بمنح اللقب العلمي إلى حاملي الشهادات العليا ومساواته مع اق ارنه ف ي وازرة التعليم العال ي واعتماد مبدأ المساواة والعدالة في التشريعات القانونية تطبيقا لسيادة القانو ن، وقد طبقته وازرة التربية ولا يوجد هناك مانع قانوني من تطبيقه بشكل جزئي على حاملي الشهادات العليا في دوائر الدولة بدلا عن قانون الخدمة المدنية النافذ الذي لا ينطبق كما بينا في جوه ره على حاملي الشهادات العليا بل هو سلم يعتمد على وضع الدرجة مقابل المؤهل العلمي لينتهي دوره بذلك. وحيث أن عدم منح اللقب العلمي يقتل كل فارق في المستوى العلمي وعندئذ لا يكون احت ارم وتقدير للشهادات العلمي ة التي أكد الدستور على تبنيها وتطويرها. الجدير بالإشارة أن منح اللقب العلمي يوفر للدولة نفقات ويضمن لها علمية صاحب الشهادة عندما لا يتم ترفيعه بذات الطريقة المعمول بها مع الموظف الاعتيادي مباشر ة؛ بل تقوم عن طريق الترقية من خلال الأبحاث العلمية وعندئذ لا يستحقها ولا ينال امتيا ازتها المالية إلا بعد قبول أبحاثه. وقد تمخض عن تلك المعاناة والتفرقة بين الشريحتين أن تصدى لذلك القصور التشريعي الدكتور النائب جمال عبد الزهرة المح مداوي الذي تبنى تلك المهمة من خلال جمع تواقيع السادة النواب وتقديمها إلىالسيد رئيس المجلس الذي بدوره عرض المقترح على اللجنة القانونية ومن ثم بدورها أحالته إلىلجنة التعليم العالي كونها اللجنة المختصة؛ بعد أن أجابت اللجنة القانونية بأن المقترح مستوفيللشروط الشكلية المطلوبة استنادا للمادة) 60/ثانيا( من الدستور والمادة) 120( من النظام الداخليلمجلس النواب، كما أن المقترح لا يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة واقترحت تعديل الفقرة) 6( من البند ثانيا من المادة )1( لتق أر بالشكل التالي موظفي الخدمة البحثية) كل موظف حاصل على شهادة عليا في الدائرة يقدم بحوث أو د ارسات أو آ ارء في مجال اختصاصه(. ثم تابع النائب بعد ذلك بعقد ندوات واجتماعات لإث ارء القانون وتسليط الضوء على أهدافه ورفع الحيف والغبن عن شريحة الشهادات العليا في واز ارت ودوائر الدولة من غير موظفي واز رة التعليم العالي والبحث العلمي من اجل تحقيق العدالة ومواكبة التطور العلمي والإفادة من خب ارتهم في تسيير الوظائف العامة وزيادة الإنتاج. كما بارك ذلك المقترح المشرف على أنشطة وازرة العلوم والتكنولوجيا ورئيس اللجنة الوازرية المكلفة بمناقشة قانون الخدمة البحثية الأستاذ الدكتور صباح الموسوي الذي أكد أن هذا القانون ضمان لحقوق منتسبي الوازرة ويحد من هجرة بعض العقول والتخصصات إلى مؤسسات الدولة الأخرى. وكان آخرها ما بينته لوسائل الأعلام النائبة هدى سجا د، أن قانون الخدمة البحثية على طاولتي لجنتي التعليم العالي والقانونية النيابية التشريعية، معربة بدورها عن أهمية القانون وضرورة الإس ارع بتشريعه لما له من أهمية في تعزيز الدور الفني والتقني والإداري والمهني بشكل كبير فيما يقدمه الشخص في مجال تخصصه، وأضافت أن قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 قد شرع لحماية موظفي الخدمة الجامعية في وازرة التعليم العالي والبحث العلمي ووازرة التربية فيما غُبن شريحة واسعة من حملة الشهادات العليا الذين يمارسون العمل البحثي والأكاديمي في مؤسسات الدولة الأخرى، ومن ايجابيات هذا القانون انه ينظم الوضع القانوني لحملة الشهادات العليا في مؤسسات الدولة ويضع لهم نظام قانوني يساير النظام المعمول به في وازرتي التعليم العال ي والتربي ة ويزيل كل السلبيات التي بيناها أنفا المعمول بها حاليا والمطبقة في مؤسسات الدولة من غير أصل صحيح من القانو ن. أما عن أهمية إق ارر القانون للدولة فأنه سيوفر لها ميزتين هي بحاجة أليها في الوقت ال ارهن، وفي ظل العجز المالي نتيجة انخفاض أسعار النفط خلال جائحة كورونا، وتكمن الميزة الأولى من خلال الإثراء العلمي فعند إق ارر قانون الخدمة البحثية سيتيح هذا القانون لحملة الشهادات العليا والكفاءات الموجودين في مؤسسات الدولة من الحصول على اللقب العلمي وعندئذ سيكونون مشاركين لزملائهم في وازرة التعليم العالي والبحث العلمي في مجال إلقاءالمحاض ارت النظرية والأش ارف على الاطاريح والرسائل العلمية، التي سيكون لها من النفع أفضلهومن الاستفادة العلمية للطالب من خلال الخب ارت التي يكتسبها من مشرفه، والتي ستكون كمرحلةتطبيق عملي ينقل من خلال الأستاذ التجارب العملية في مجال الاختصاص ليكون بعد ذلك جاهزلسوق العمل، وهذا أيضا يخفف الضغط على كاهل وازرة التعليم العالي من الأساتذة والمشرفين ويساعد الدولة في أزمة العجز المالي من خلال إيقاف التعي ينات والذي يعالجه قانون الخدمة البحثية ويمكن انتدابهم عن طريق الطلب من الواز ارت ومؤسسات الدولة وترشيحهم عن طريق رؤسائهم في العمل ليومين أو ثلاث أيام في الأسبو ع، ولهذه التجربة تطبيق في دول أوربا الشرقية من خلال انتداب أصحاب الخب ارت العملية من واز ارت الدولة لطلبة الد ارسات العليا لغرض منحهم خبرة، كون أن طالب الد ارسات العليا ليس بحاجة إلى مواد نظرية ولكن بحاجة إلى مشكلات عملية يوجد لها حل فتتكو ن عنده الخبرة. وأما عن الميزة الثانية وهي الإيرادات المالية وحيث لا يخفى عن الجميع حرج الحكومة الشديد من عدم تأمين رواتب الموظفين لشهرين قادمين مما يجعلها تفكر في طريقة التأمين المناسبة لذلك من دون ضرر للآخرين أو اللجوء للموظفين لغرض الاستقطاع وسد العجز، فإن المتتبع لعدد الطلبة الدارسين خارج الع ارق على نفقتهم الخاصة عدد عالي جدا وبالآلاف موزعين بين الأردن وإي ارن وسوريا ولبنان ومصر والج ازئر وتونس والمغرب والسودان ودول أوربا الشرقية وتركيا وقبرص والهند ألخ وحيث أن اقل قسط د ارسي للماجستير هو ثلاثة الآلاف وخمسمائة دولار وتبلغ سنوات الد ارسة سنتين في الحد الأدنى؛ بينما يت اروح متوسط القسط الد ارسي لدرجة الدكتواره بين 4500- 6000 الآلاف دولار وبحد أدنى ثلاث سنوات، وحيث أن لدى وازرة التعليم العالي والاكاديمين في الجامعات الع ارقية موقف واضح جدا من الطريقة والأسلو ب ونهج التدريس لدى جميع هذه الدول وغيرها ويعولون على نجاح التجربة الع ارقية وأهميتها في التعليم العالي، وبسؤالهم عن امتناعهم عن استقبال هذه الأعداد الكبيرة واستثمارها كإي اردات مالية للدولة تكون الإجابة قلة الكادر التدريسي، و لك أن تتخيل بإق ارر قانون الخدمة البحثية وفتح باب التسجيل للطلبة الع ارقيين داخل الجامعات الحكومية وبشروط ميسرة وبتلك الأقساط أو أعلى منها لن يلجأ طالب للسفر إلى الخارج ويتحمل من النفقات الإضافية كتذاكر الطي ارن وأجور السكن والمأكل والتطبيب وغيرها سيكون هو ال اربح كما سيكون التعليم تحت نظر الوازرة من دون أن تكون ملتزمة أمامهم بالتعيين، حيث سيحل الكفاءات وأصحاب الشهادات العليا في مؤسسات الدولة معاونين ومساعدين زملائهم في مناهج التدريس النظري والأش ارف على الرسائل والاطاريح بدونأي ثمن ومقابل، خدم ة للصالح العام وأيضا إث ار ء وتطوار وتبادلاَ للخب ارت العملية الموجودة داخلمؤسسات الدولة الأخرى.
ختاما: نأمل من السيد رئيس الوزارء النظر إلى الحلول البسيطة للتغلب على تلك الأزمة المالية، وأيضا من السيد رئيس مجلس النواب ونوابه الك ارم الإس ارع في إق ارر قانون الخدمة البحثية لأهميته في ميدان البحث العلمي على غ ارر الدول الأخرى التي تعزز من أهمية الشهادة العليا وتحرص على أن يكون لها وجود دائم داخل كل وازارت الدولة، ولنا في لبنان تجربة جميلة من خلال د ارسة مقترح داخل البرلمان اللبناني ينص على منح حاملي الشهادة العليا قدم درجة وظيفية كاملة لغرض تمكينه من أكمال خدمته الوظيفية كاملة نتيجة التأخر في التعيين بسبب سنوات الد ارسة الطويلة والمستمرة، فيكون بداية سن التعيين من 30 عاما لغرض الحصول على كامل حقوقه الوظيفي ة ونأمل من نوابنا الك ارم أن يكون لديهم نفس الطموح تجاه أخوانهم لخدمة التعليم والع ارق والارتقاء بمستوى العلماء .