الفكر السياسي

قبل مناقشة الموازنة الاتحادية العامة

قبل مناقشة الموازنة الاتحادية العامة

ابراهيم المشهداني

2012 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية

إشارة الإنباء إلى إن وزارة المالية قد دفعت بمسودة الموازنة الاتحادية العامة لعام 2013الى مجلس الوزراء لمناقشتها واجراء التعديلات المقتضية عليها ومن ثم إيداعها إلى مجلس النواب لمناقشتها وإصدار القانون الخاص بها . واستنادالى تجربة الموازنات السابقة فان هذه الموازنة لابد إن تتميز عن سابقاتها اخذا بالاعتبار العديد من الملاحظات الأساسية التي أثيرت في الأعوام الماضية من اجل إن تستوعب موازنة هذا العام الإبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تفتقر اليهافي الأعوام السابقة .
وإذا كانت المناقشات السابقة سواء في البرلمان أو خارجه مجرد مطاردات نقاشية بسبب ضيق ميدان المناقشة وافتقار الكثير من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الاقتصادي وهم الشريحة الأكثر حماسا للاطلاع على تفاصيل الموازنة واتجاهاتها العامة كي يسهموا في المناقشات أسوة بالسادة البرلمانيين والمسئولين المعنيين بالتنفيذ ، في معظم وسائل الإعلام كي يأخذ الرأي العام دوره في رسم السياسة المالية للبلاد .
وحيث إن من السابق لاوانه مناقشة مفردات الموازنة وهيكليتها لعدم إعلان تفاصيلها في وسائل الإعلام إلا إنني سوف أتوقف عند ابرز الملاحظات التي كانت محور الجدل الدائر حول الموازنات السابقة بغية تسليط الضوء على أهم الأمور التي يجب إن تؤخذ بنظر الاعتبار عند مناقشة موازنة العام القادم ويمكن إجمالها بما يلي :
• تشكل الحسابات الختامية الركن الأساس في مناقشات الموازنة التي تعمق مضامينها وترسم اتجاهاتها العامة وتحدد الآليات المناسبة لتنفيذها ،إذ إن ما يكشف حقا كفاءة الأداء وسلامته تلك الحسابات التي تعكس بوضوح رشاد التخصيصات وشفافية الأداء الاقتصادي وكفاءته .فإذا كان السبب في عدم تقديم الحسابات الختامية في السنوات السابقة لعدم اكتمالها لأسباب تقنية فلابد إن تكون هذه الأسباب قد عولجت فليس بالإمكان ،بدون تقديم هذه الحسابات الكشف ، عن كيفية إنفاق تخصيص وأبواب صرفها وهي خير أداة للكشف عن الفساد والهدر المالي الذي صاحب تنفيذ الميزانيات السابقة والذي تسللت مخاطره على كافة مفاصل الدولة ما أدى إلى تأخر انجازات الحكومة وتردي الواقع الأمني وتفاقم الإرهاب ، والمعلومات تشير إلى إن البرلمان ليس لديه علم سوى ب 40% من أبواب الصرف وفق تصريحات لبعض أعضاء اللجنة المالية في البرلمان .زد على ذلك إن هذه الحسابات ينبغي إن تكشف عن إجمالي الأموال المترتبة على زيادة أسعار البرميل من النفط بالإضافة إلى إجمالي الأموال المعاد نتيجة لعدم انجاز المشاريع في السنوات السابقة .
• الأمر الأخر الذي يتعين الاهتمام بمناقشته هو تحليل هيكلية الإنفاق العام ،مكوناته واتجاهاته العامة من حيث أولويات الإنفاق ومجالاته ،قطاعات الانتاج ،التعليم،الدفاع ،قطاع الخدمات ….الخ إذ إن تحديد هذه الأولويات تعكس رؤية الدولة الاقتصادية المعبرة عن إيديولوجية صناعة القرار الاقتصادي تبعا للقرار السياسي وتجلياتهما في عدم وضوح الرؤيا ولابد والحالة هذه إن تنصب المناقشة بالإضافة إلى ذلك مناقشة البرنامج الحكومي لارتباطه الوثيق في تحديد تخصيصات مختلف القطاعات الحكومية وطريقة الصرف واليات الرقابة .
• الأمر الأخر الذي ينبغي إن يحضى بمزيد من الاهتمام سواء من قبل أعضاء البرلمان الذين يجب إن يتوفر لديهم الوقت الكافي لدراسة موازنة العام القادم أو الرأي العام ، هو التناسب بين الموازنة الاستثمارية والموازنة التشغيلية فقد بينت ميزانيات الأعوام الماضية إن الميزانية الاستثمارية تقل عن ثلث الميزانية العامة وتستحوذ الميزانية التشغيلية على أكثر من الثلثين وتشير بعض المصادر إلى أن تخصيصات الرئاسات الثلاث لوحدها تشكل 25%من الميزانية العامة الأمر الذي وفر بيئة مناسبة لوقوع هدر في المال العام وترهل في الإنفاق وبالتالي فتح الأبواب مشرعة للفساد والفاسدين وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي حيث إن قلة الموازنة الاستثمارية وضعف نسبة المخصص منها للقطاعات الإنتاجية قد سبب الطابع الاستهلاكي للمجتمع ، وضعف مساهمة القطاعات الإنتاجية في الإنتاج المحلي الإجمالي وخلق تفاوت كبير في توزيع الثروة بين إفراد المجتمع تجلى بخلق طبقة طفيلية نهابة وطبقة فقيرة تبلغ نسبتها عند خط الفقر بحسب التقديرات 57% .
• المشكلة الأخرى التي تواجه مجلس الوزراء والبرلمان عند مناقشة موازنة 2013 تكمن في تحليل هيكلية وأساليب تمويل الموازنة وتحديدا مصادر تمويل الموازنة العامة إذ من المعروف أنها تعتمد على ما يزيد عن عن 93% من موارد البترول و7% من الضرائب والرسوم وموارد السياحة والأرباح المتأتية من الشركات الممولة ذاتيا وغيرها وبالتالي فان الاعتماد على البترول بهذه النسبة العالية يعرض الاقتصاد العراقي إلى مخاطر انخفاض أسعار البترول خصوصا وان هذه الموازنة أعدت على أساس إن سعر البرميل من النفط سيكون 90 دولار ، أو انخفاض إنتاج أو تصدير البترول نتيجة لظروف سيئة تتجمع غيومها بالأفق وقد تقع الواقعة مما يتعين على الحكومة إن تتجه إلى توظيف الموارد النفطية في بناء مصادر جديدة للتمويل عن طريق دعم القطاعات الإنتاجية في الصناعة والزراعة وقطاع الخدمات وتنفيذ قانون التعرفة الكمر كية رقم 22لسنة 2010 المعدل وإعادة النظر بالنظام الضريبي بصورة تصاعدية والحد من التهرب الضريبي فميزانيات العديد من دول العالم تعتمد على الضرائب في كمصدر أساس في تمويل ميزانياتها السنوية .
إن إعداد موازنة رصينة ومتماسكة في مفرداتها وواضحة في أهدافها ومتجاوزة لنقاط الضعف في الموازنات السابقة ستكون حقا أداة فعالة في الإسهام بتجاوز الاختلالات البنوية في الاقتصاد والابتعاد بشكل مضطرد عن طابعه الريعي وبهذا نستحضر القول المأثور للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت (إن تشعل شمعة خير من إن تلعن الظلام) .*

*. عن الحوار المتمدن…

زر الذهاب إلى الأعلى