القانونية

قرارات المفوضية بالاستبعاد على حافة الهاوية

قرارات المفوضية بالاستبعاد على حافة الهاوية


محمد حسن السلامي

 – 2014 / 3 / 

قرارات المفوضية بالاستبعاد
على حافة الهاوية

أثار موضوع القرارات الصادرة عن مفوضية الانتخابات (المستقلة ) باستبعاد العديد من الشخصيات البرلمانية التي كان لها صوت واضح في مجريات العملية السياسية وناقدة للسياسات المتبعة من قبل السلطة التنفيذية خاصة ، ورئيس مجلس وزرائها ، مناقشات وآراء متنوعة ذات ابعاد قانونية او سياسية ، خصوصا وان نتائج الاستبعاد قد استقرت على مجموعة من الشخصيات التي لا تمت الى دولة القانون وحلفائها بصلة المهادنة .
لذللك فإن رئاسة البرلمان العراقية وجدت نفسها امام معضلة قانونية – دستورية من زاوية تطبيق مفوضية الانتخابات مفهوم حسن السيرة والسلوك الوارد في المادة 8 فقرة ثالثا من قانون الانتخابات المرقم 45 لسنة 2013 على اساس الهيئة التمييزية فيها ومن ذاتها دون صدور قرار بات من جهة قضائية مختصة بعد محاكمة عادلة إضافة الى البعد السياسي للشخصيات التي تم استبعادها من خوض الانتخابات .
ان المادة القانونية التي استندت اليها المفوضية كما اشرنا لها اعلاه تنص (أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف ) م8ف 3 ،علما انه كانت وثيقة حسن السلوك معروفة في العهد الملكي وهي اجراءات ادارية كانت تستخدم من قبل التحقيقات الجنائية في انذاك للضغط على الشخصيات المعارضة لها فتطلب وثيقة حسن السلوك قبل التعيين في دوائر الدولة مثلا وقد الغيت في فترة لاحقة ، ويبدو انها ظهرت مجددا لنفس الاهداف ، وهنا لا بد من الاستناد الى قواعد القانون التي لا تسمح بالتفسير المزاجي لاي مادة قانونية فتنص بما لا يقبل الشك ان تكون على اساس حكم قضائي قد اكتسب الدرجة القطعية ، خاصة اذا اخذنا القواعد الدستورية العامة والقواعد القانونية التي استقرت عليها القوانين والفقه القانوني من عدم الاخذ بالتهمة إلا بعد صدور حكم قضائي عنها .
الدستور وتوجيه التهمة
فإذا تناولنا المادة 12 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان فإنها تنص (كل شخص متهم يعتبر بريئا الى ان تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له الضمانات الضرورية للدفاع عنه ) ، وبنفس الانسجام تناولت المادة 19 من الدستور الدائم العراقي لسنة 2005 حيث تنص الفقرة 5 من المادة اعلاه (المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية ،عادلة)
لذلك فإن قرارات المفوضية التي استبعدت بموجبها بعض اعضاء البرلمان او الذين تم ترشيحهم في الانتخابات المزمع اجرائها في الشهر القادم لم تستند الى القاعدة الدستورية ، فالاتهام لا يعني ارتكاب الجرم بل يعني ان هنالك شبهات رسمت القوانين طرق اثبات التهم او نفي تلك التهم . منها المحاكمة امام محكمة مختصة ، وان تكون علنية ، وحق الدفاع الشخصي في المحكمة ، توكيل محام ….الخ من أجل إظهار الحقيقة من كل زواياها .
ولما وجد البرلمان ان المفوضية العليا (المستقلة) للإنتخابات قد خرجت عن هذه القواعد واصدرت قراراتها بالاستبعاد دون اجراءات قضائية او الانتظار بنتائج المحاكمة الى حين اصدار قرار قضائي عن تلك التهم المنسوبة الى المستبعدين ، فتكون عند ذلك واجبة التنفيذ من قبلها بما يخص الغاء حق الترشيح او غيره . قرر مجلس النواب بعد التصويت يوم19 -03 -2014 على الزام المفوضية بعدم استبعاد المرشحين غير المحكوم عليهم بأحكام قضائية .
ان قرار البرلمان هذا في الزام المفوضية بعدم استبعاد اي مرشح الا على اساس امر قضائي يجد سندا له في الدستور بضرورة تنفيذه حيث ان القرارات التي يتخذها البرلمان حسب النظام الداخلي الذي ينظم عمله واجبة التنفيذ استنادا الى المادة 52ثانيا والتي تنص على (( يجوز الطعن في قرارات المجلس امام المحكمة الاتحادية العليا ، خلال 30 يوما من تاريخ صدوره)) وبالتالي لا بد من الطعن بأي قرار من جهة متضررة من قرارات البرلمان وبعد ان تقرر المحكمة الاتحادية الغاء ذلك القرار لعدم دستوريته على سبيل المثل عند ذلك فقط يتم ايقاف تطبيقه او ازالة اثاره وحسب منطوق قرار المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص . فلا يمكن قبل ذلك الغاءه او عدم الاخذ به . لانه صادر من السلطة التشريعية المختصة اولا بمعنى قرار تشريعي وثانيا لم يتم اتخاذ قرار من المحكمة الاتحادية صاحبة الصلاحية الوحيدة في اتخاذ قرار الالغاء وازالة اثاره .
اما ما قيل انه قرار وليس قانون ولا يكون القرار بمصاف القانون فان ذلك مردود من زوايا عديدة حسب اعتقادنا :
1- ان الدستور واضح ازاء القرارات التي تتخذ من قبل السلطة التشريعية حسب ما شرحناه آنفا للمادة 52 فقرة ثانيا .
2- ان القواعد القانونية العامة (المتهم بريء حتى تثبت ادانته ) وما جرى من قبل المفوضية من استبعاد لبعض المرشحين باعتبارهم غير حسني السلوك مخالفة دستورية كون تلك التهم فيها من السلطة التقديرية الواسعة يمكن ان يكون الاسبعاد قرار تعسفي وخلافا للقواعد القانونية العامة .
2- للمفوضية الحق في اتخاذ الطريق الذي حددته المادة 52 بالطعن امام المحكمة الاتحادية عن قرار البرلمان وما تقرره المحكمة العليا يكون الفصل .
3- ان مفهوم حسن السيرة والسلوك امر غير محدد الضوابط وجاءت المادة ذاتها تنص على استبعاد من حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف حيث جاءت المادة بصيغة و ليست او بمعنى ان الفقرتين ( حسن السيرة والسلوك مع جريمة مخلة بالشرف ) مترابطتين وتتقرر على اساس الحكم القضائي فلم تفصل المادة بصيغة أو اي مترابطتين بالحكم القضائي .

واخيرا ان العملية السياسية قد تسير نحو اختلالات وعثرات حادة عندما تكون المصالح السياسية الانية مرتكزا لاتخاذ قرارات بالاستبعاد لمرشحين دون ان يحكم عليهم بالادانة من قبل محكمة مختصة .فلنجعل من آليات الانتخابات مسالك تساعد على ترسيخ الديمقراطية الوليدة والتي تعاني من تلكؤات عديدة تقوم بها شخصيات كلفها الشعب مسؤولية السير بالديمقراطية نحو اهداف مقاصد التنمية وحماية الدستور وعدم الاخلال به .

محمد حسن السلامي
سكرتير الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان. #

# عن الحوار المتمدن..

زر الذهاب إلى الأعلى