كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي
عادل عبد الزهرة شبيب
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_كان النظام الدكتاتوري السابق يضيق الخناق كثيرا على المثقفين في العراق ولم يسمح إلا بثقافة واحدة هي تلك المنسجمة مع الحزب الحاكم , حتى أن رأس النظام الدكتاتوري رفع شعارا : (( إذا قال صدام , قال العراق )), وبعد سقوط النظام في 2003 كان المفروض أن يبدأ عهد جديد من الحرية والديمقراطية الحقيقية وقبول الرأي الآخر, إلا انه جرت العودة مع الأسف إلى عقدة الخوف من المثقفين الوطنيين المخلصين بدأت بالنمو مجددا وبشكل اكبر في محاولة للتخلص من المثقفين بأي شكل من الأشكال بسبب تأثيرهم الكبير في المجتمع وهذا ما دعا النازي غوبلز إلى حرق الكتب الثقافية ومطاردة وقتل المثقفين . وهذا ما دعا نابليون بونابرت القائد الفرنسي إلى الخوف من الجريدة أكثر من خوفه من السلاح . وهذا ما دعا أيضا القائد الشيوعي الكبير لينين إلى القول ( أعطني منبرا للكلام وخذ كل الأسلحة ).. وكانت جريمة اغتيال شهيد الثقافة العراقية كامل شياع بداية قرع ناقوس الخطر المحدق بالثقافة الوطنية والمثقفين العراقيين الوطنيين والمخلصين وهذا إيذانا ببدء مرحلة العودة بالعراق وشعبه إلى العصور المظلمة والتخلف بقيادة رجال متخلفين ولائهم ليس للوطن ولشعبه . ولم تحرك الحكومة ساكنا ولم تفصح عن القتلة الحقيقيين لرمز الثقافة العراقية الشهيد كامل شياع وتقديمهم للعدالة .بل ازدادت عدد الاغتيالات للناشطين المدنيين والصحفيين والأكاديميين في ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الوسط والجنوب أمثال الشهداء علي اللامي وحقي إسماعيل عباس ومحمد جاسم الدجيلي وزهراء علي ذات التسعة عشر عاما إضافة إلى فاهم الطائي وعدنان رستم وامجد الدهامات ورسا م الكاريكاتير حسين عادل وزوجته سارة إضافة إلى قتل أكثر من 700 شهيد من الأبرياء السلميين وإصابة أكثر من 20 ألف بجروح . وقد عزت الحكومة أمر القتل إلى طرف ثالث لا تعرفه . فالقوى المتنفذة الحاكمة تريد عراقا أحادي الهوية قوميا ودينيا مذهبيا وعلى وفق فلسفة الطائفية السياسية المنغلقة والموتورة والمتشددة .كما تعرض الصحفيون والإعلاميون في العراق إلى المنع والحظر والى جرائم الابتزاز والتصفية , وتم إغلاق بعض الصحف والقنوات الفضائية كفضائية البغدادية ودجلة وغيرها .
ولا يزال النص ( كلما سمعت كلمة مثقف( أو ثقافة ) تحسست مسدسي ) المنسوب إلى وزير الدعاية النازي غوبلز أبان حكم هتلر الذي حارب المثقفين واحرق كتبهم , هذا النص لا يزال حيا في عقول أفراد وجماعات وربما في أجندة أحزاب سياسية تعيش بين ظهرا نينا وتستهدف معالمنا ورموزنا الثقافية بين الحين والآخر مع فارق بسيط هو أن المسدس الذي أطلق فيه غوبلز النار على المثقفين في ألمانيا لم يكن مزودا بكاتم الصوت كما هي المسدسات التي يحملها النازيون الجدد في العراق التي تغتال رموزنا الثقافية في العراق عموما وفي ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الوسط والجنوب وبدم بارد . فقد نجحت قوى الظلام في تصفية المئات من حملة الفكر واليراع. وكما قام غوبلز النازي بحرق كتب المثقفين في برلين وقتل المثقفين ومطاردتهم وتضييق الخناق عليهم , قامت أمانة بغداد في وقت سابق وبرفقة العسكر المدججين بالسلاح على تهشيم أكشاك وبسطات عرض الكتب في شارع الثقافة , شارع المتنبي حيث حصلت هذه الحملة دون سابق إنذار مما سبب أضرارا بليغة لأصحابها وتدميرا لمعظم الكتب المعروضة وجرحا عميقا في جسد الثقافة العراقية الوطنية المضرج بالدماء .
سمات المشهد الثقافي العراقي :
يتسم المشهد الثقافي العراقي اليوم بـ :
1) التضييق على حق الصحفيين والإعلاميين في الحركة والتنقل .
2) إعادة سياسة حزبنة العمل الثقافي بمنع كل مختلف في الرأي عن القوى المتنفذة الحاكمة من العمل .
3) إغلاق بعض مكاتب الصحف والفضائيات التي تنقل الحقيقة وبطرق تعسفية بعيدا عن الدستور والقوانين .
4) التجاوزات والاعتداءات المبرمجة الفردية والجمعية على المثقفين.
5) ضعف التخصيصات المالية المخصصة لوزارة الثقافة ومؤسساتها ضمن موازنة الدولة الاتحادية وهي غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للقطاع الثقافي وفي مقدمتها اعمار البنى التحتية الثقافية وتوسيعها وتحديثها .
6) الافتقار إلى الرؤية الإستراتيجية والافتقار إلى الخطط السنوية للإعمار والتنمية الثقافيين .
7) تدخل أجهزة الدولة بالعمل الثقافي والسعي للهيمنة عليه وتوجيهه .
كما جاء ذلك في ورقة الإصلاح الثقافي التي قدمها الحزب الشيوعي العراقي في ندوة له في اتحاد أدباء البصرة في وقت سابق .
وفيما يتعلق بالإصلاح والتغيير نشير إلى ما ذكره ماركس في كتاباته : ( اكتفى العالم بتفسير العالم … ولكن المهم هو تغييره ..). فالغاية من الإصلاح الثقافي في العراق هي إعادة الاعتبار إلى الثقافة كجزء أساسي من حياة الناس ومصدر لا ينضب لفائدتهم .
وفيما يتعلق بالشأن الثقافي في العراق فقد أوضح الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه على(( أن إعادة بناء المشهد الثقافي- الإبداعي في العراق تتطلب جملة سياسات وإجراءات ومعالجات أساسية , من بينها :
1) اعتماد إقامة مشروع ثقافي وطني , إنساني النزعة وديمقراطي المحتوى , يكون حاضنة لكل التيارات الداعية إلى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة تحترم التعددية الثقافية والفكرية وتتفاعل مع سائر روافد الفكر العالمي وتياراته .
2) تحرير الثقافة من قيود الفكر الواحد والرأي الواحد ومن الجمود والانغلاق وكل سمات الفكر الشمولي وضمان عدم تسييس المؤسسات والانغلاق وكل سمات الفكر الشمولي وضمان عدم تسييس المؤسسات الثقافية للدولة أو تسخيرها لمصالح حزبية أو مذهبية ورفض تهميش المثقفين والمبدعين, واحترام استقلاليتهم ورعايتهم وتكريمهم والاحتفاء بإنجازاتهم .
3) السعي إلى تكريس الرؤية السليمة إلى الثقافة باعتبارها وسيلة لارتقاء الإنسان روحيا وشرطا لأنسنة المجتمع وتحقيق نهضته .
4) التزام الدولة بدعم العملية الثقافية والإسهام في إدارتها بالتعاون والتنسيق مع الوسط الثقافي ومنظماته غير الحكومية وبتمويل النشاط والإنتاج الثقافيين مع احترام استقلاليتهما وتأمين ما يتطلبه ذلك من مرافق حديثة في المحافظات كافة : مكتبات بكل انواعها ومتاحف ومسارح ودور سينما وقاعات عرض وغيرها .
5) حماية الموروث المادي – من آثار ومبان تراثية ومعالم تاريخية ومخطوطات ومطبوعات وغيرها – والموروث الشفاهي , والحفاظ عليهما
6) تبني الدولة سياسات ثقافية تهدف إلى تشجيع الفكر والإبداع وتأمين تفتحهما وانتشارهما وبناء المؤسسات الضرورية لتحقيق ذلك وبضمنها مجلس وطني للثقافة يعني برعاية الثقافة والفنن وتأمين متطلبات تطورهما المستديم .
7) إصدار تشريعات تكفل حرية الفكر والتعبير والإبداع والنشر , وتحمي حقوق الملكية , وتمكن المنظمات الثقافية غير الحكومية من ممارسة دور مؤثر في الحياة الثقافية .
8) تفعيل دور المثقفين والمبدعين والنخب الثقافية على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية , في رسم واعتماد التوجهات والخيارات الوطنية في شتى مجالات حياة المجتمع وفي بلورة الرؤى وإنتاج الأفكار والتصورات , لإثراء الحوار والمساهمة النشيطة في استشراف المستقبل .
9) إدامة الوشائج العميقة بالمثقفين العراقيين ( علماء وفنانين وأدباء وأكاديميين ) في المهجر , وحفز تواصلهم مع الوطن , وتشجيعهم على العودة إليه , وتيسيرها .
10) تبني الدولة تخصيص نسبة لا تقل عن 1% من الدخل الوطني سنويا لدعم الثقافة , وتشجيع التنوير والتحديث الثقافيين , ولحماية وحفظ الموروث الثقافي .
11) تنشيط الثقافة العلمية والمعرفية من خلال دعم المنظمات والجمعيات المهنية والأكاديمية , وتشجيع مشاركة أعضائها في إقامة المؤتمرات العلمية .))..
فلنعمل معا على تنشيط دور الوسط الثقافي العراقي في ترقية الوعي الاجتماعي وتنميته في الأوساط الاجتماعية والشعبية وفي عملية بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية . وفي العراق سنظل بحاجة دائمة إلى الإصلاح الثقافي كما الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي , حيث لا يوجد ميدان في العراق اليوم إلا ويحتاج إلى إصلاح , أليس كذلك ؟؟؟!!!