كلمة حول الأقتصاد اللبناني والتحول المرتقب
كلمة حول الأقتصاد اللبناني والتحول المرتقب
د. أحمد إبريهي علي
2019 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية
كلمة حول الأقتصاد اللبناني والتحول المرتقب
يقدر سكان لبنان 6.849 مليون نسمة عام 2018، لمجموع المواطنين والمقيمين، ومعدل نموه مرتفع 3.17% سنويا في العقود الثلاثة الأخيرة. وحسب البيانات المنشورة في موقع البنك الدولي، نما الناتج المحلي الأجمالي لنفس المدة، بدءأ من عام 1988، بمعدل 4.46% سنويا. ومن تلك المؤشرات يتضح ان نمو الناتج ( الدخل) بالمتوسط للفرد 1.25% سنويا ،وهو منخفض. بمعنى ان لبنان أخفق في اللحاق التنموي وتراجع موقعه النسبي تجاه الدول المتقدمة.
متوسط الناتج المحلي للفرد 8270 دولار بالأسعار الجارية، عام 2018، اعلى من المتوسط في العالم العربي 6626 دولار للفرد. لكن عندما يقيم الناتج بالدولارات الدولية متعادلة القوة الشرائية ينخفض الناتج للفرد في لبنان الى 74% من المتوسط العربي لأن الأسعار في لبنان مرتفعة نسبيا.
العجز الخارجي، التجاري، من المشاكل الصعبة للأقتصاد اللبناني: في السنوات الأخيرة للحرب الأهلية 1989 – 1995 كان متوسط عجز الميزان التجاري، للسلع والخدمات، 64% من الناتج المحلي، وللسنوات 1996- 2007 إنخفض الى 24.4% ،وبقي مقاربا لهذا المستوى منذ عام 2008 بمتوسط 24% من الناتج المحلي الأجمالي. والعجز الخارجي ليس مستقلا عن بنية الأقتصاد الوطني، بل هو مرآة لأفتقار الأقتصاد اللبناني الى قاعدة عريضة في الأنتاج السلعي يرتكز اليها. فالصناعة التحويلية محدودة في طاقتها االأنتاجية تسهم بحوالي 7.76% من الناتج، وهي دون المتوسط للدول النامية بكثير. والزراعة بنسبة 2.92% من الناتج عام 2018.
ولا يمكن ان يوصف هذا الأقتصاد بامتلاك مقومات ذاتية للأستمرار عندما تكون مجموع مشاركة الصناعة التحويلية والزراعة في توليد الدخل 10.68%، ولبنان من الدول النامية وتتطلب مرحلته في سلم التطور الاّ ينخفض اسهام الزراعة والصناعة التحويلية عن 30% من الناتج المحلي الأجمالي. لم يتمكن من الحفاظ على جدارته الأنتاجية في الزراعة ولم ينجح في التصنيع، هنا جوهر المشكلة التي ليس لها في الخطاب السياسي الحضورالذي يوازي خطورتها.
فالسياحة والخدمات المالية لا تكفي للنهوض بالأقتصاد، إنما التصنيع ولذلك لا توجد حلول أنية للتغلب على هذا التحدي الصعب. وقد أجّلت المعالجات قصيرة الأجل مواجهة الحقيقة، وربما تُجرّب مثل تلك التدابير مرة أخرى لكسب الوقت، لكن المشكلة يتزايد تعقيدها. وقد ينتهي الأقتصاد اللبناني الى مأزق ما لم يبادر الشعب، كل الشعب، الى الأتحاد على تغيير جذري نحو إقتصاد انتاجي بمعنى الكلمة. ولبنان مؤهل حضاريا لأن يصنع أعجوبة إقتصادية ولا تعوزه المؤسسية، على الصعيد الأجتماعي – الثقافي، ولا الأستعداد للمبادرات الأستثمارية. ويبدو، انه بحاجة ماسة لأزالة العقبات السياسية عن طريق التطور الأقتصادي والعدالة الأجتماعية الحقة. وتفهم الشكوى من الفساد، التي بينتها الأحتجاجات، بان العلاقة بين أجهزة الدولة وقطاع الأعمال مريضة بالزبائنية والتخادم على حساب المصلحة العامة. وكانت معالجة هذه المشكلة نقطة البدء في تجربة كوريا الجنوبية مطلع ستينات القرن العشرين.
ويعاني الأقتصاد اللبناني من عجز الموازنة العامة لمدة طويلة ما ادى الى تزايد الدين العام الذي بلغ ما يعادل 136% من الناتج المحلي الأجمالي تقريبا عام 2019. وعبء الدين الحكومي بهذا المقياس فوق المتوسط للدول النامية، وعندما تحاول الحكومة وضح حد له تضطر الى تقييد الأنفاق او زيادة الضرائب وتواجَه مثل هذه السياسات، عادة، بالنفور الأجتماعي. ومن المهم الأشارة الى الدين الحكومي بالعملة الأجنبية، حوالي 32 مليار دولار يعادل تقريبا 240% من الصادرات، سلعا وخدمات. وهو مرتفع ايضا، ويقتضي خفضه إدامة فائض في الميزان التجاري الخارجي يعادل 20% من الصادرات لمدة تزيد على 12 سنة. ومع الحفاظ على سعر الصرف ثايتا تلجأ السياسة الأقتصادية الى رسوم كمركية وتدابير أخرى لا يستسيغها المجتمع بسهولة. لكن احتياطيات البنك المركزي اللبناني من العملة الأجنبية كافية بكل المقاييس، 37.5 مليار دولار ومع الذهب 50.7 مليار دولار حسب بيانات البنك المركزي ليوليو، تموز، 2019. ولذا لا يُخشى على الأقتصاد اللبناني في مركزه المالي الدولي، لأن تلك الإحتياطيات تساعد كثيرا في ترصينه، بما في ذلك تدوير الدين الحكومي بالعملة الأجنبية.
نقص الخدمات العامة متوقع طالما ان المكون الصلب للأقتصاد وهو الأنتاج السلعي بحجم صغير لا يقوى على تحمل قطاع كبير للخدمات، ولنفس السبب تعاني الموازنة العامة من صعوبات متزايدة لتمويل الأنفاق. ان التعويل على تلقائية الأقتصاد الحر، وآليات السوق لوحدها، من بين الأوهام التي ضيعت على كثير من الدول فرصا في الأنجاز والأرتقاء. ولوضع الأقتصاد الوطني على مسار آمن لا بد من التصنيع في إطار استراتيجية للتنمية الأقتصادية بعيدة الأمد……. *
*. عن الحوار المتمدن….