الفكر السياسي

لا عزاء لمن يخطئ في خياراته

لا عزاء لمن يخطئ في خياراته

رشاد الشلاه

2012 / 8 / 5

حفل تاريخ العراق خلال النصف الثاني من القرن الماضي بعدد من “المناسبات” الكارثية، منها ما خلف وراءه بشكل مفجع تداعيات خطيرة، بقيت اصداؤها فاعلة ومؤثرة في واقع العراق المزرى حتى اليوم، ومن ابرزها الانقلاب الدموي الذي اطاح بحكم عبد الكريم قاسم في 8 شباط العام 1963 والذي سمي بانقلاب 14 رمضان، ثم غزو صدام حسين للكويت في الثاني من شباط العام 1990الذي تمر ذكراه الثانية عشرة هذه الايام. واذا كان لهذين الحدثين الجسيمين من ممهدات داخلية، سهلت على القوى الاقليمية والعالمية، استثمارهما لتحقيق مصالحها، والتي هي بالضد من مصالح غالبية ابناء الشعب العراقي، فإن استذكارهما، يشير بالمسؤولية الأولى لقادة البلد في كلا المناسبتين. واليوم والعراق والمنطقة تمر بمنعطفات خطيرة ومتسارعة، فان حكام المنطقة لا يتعظون بعبر هاتين المناسبتين، بل يجرى التعامل مع التطورات الخطيرة التي تشهدها، بتخبط يخلو من الشعور بجسامة هذه التطورات، ولا تنبئ عن قراءة للصراعات الاقليمية والدولية بحس وطني عال. ففي الوقت الذي تعصف بالبلد حزمة أزمات خانقة، في مقدمتها أزمة الثقة بين القوائم الحاكمة، يردد مسؤولوها المنتخبون وليس كمثل قادة انقلابي عام 1963 وعام 1968. ، بأن لا وجود لأزمة وانما هناك خلافات في وجهات النظر، وهذا ما يدعو للرثاء! بالتزامن مع تصعيد الإحتراب السياسي عبر تصريحات استفزازية من جانب مسؤولي دولة القانون واخرى من رئاسة اقليم كردستان بالتلويح بتنفيذ خطوة تقرير المصير المؤدي عن انفصال كردستان العراق، هذا التوتر المتصاعد والمقلق يترافق مع ما تنتظره المنطقة من مآل وضع النظام السوري، الذي وصف رئيسه بخفة تدعو للدهشة المعارضة الوطنية السورية بالجراثيم! ، كما لم يقدر حق التقدير قرار دول الجزيرة والخليج وحلفائها، بتجنيد مؤسساتهم الإعلامية والاستخبارية و المرتزقة و امكاناتهم المادية الهائلة للإطاحة به، طمعا بالهيمنة الإقليمية وعقابا له على علاقته بإيران، مع تصعيد الهوس الطائفي السني الشيعي المرعب في سوريا وعموم بلدان المنطقة. وأيا كان مصير هذا النظام فإن ما دفعه الشعب السوري من دم أبنائه وتشريدهم وتدمير بنى سوريا التحتية لا يمكن مقايضته بالتشبث بأبدية السلطة الدكتاتورية.
أن تفاقم الصراع الدموي على السلطة في سوريا وعواقبه لابد لهما ان يطالا بقدر وآخر بلدان المنطقة الاخرى، ومن بينها بكل تأكيد، العراق الذي ابتلي بدوامات شارفت مؤخرا على حد حافة الصدام المسلح بين القوات العراقية المركزية وقوات البيشمركة الكردستانية، ليزيدوا البلد كارثة استثنائية غير كوارث الوضع الامني الهش والمحاصصة الطائفية والقومية والنهب والفساد المتأصل.
ورغم كل الدعوات المخلصة من القوى الوطنية الديمقراطية العراقية بتغليب مصلحة البلاد العليا على المصالح الانانية والثانوية، وتجنب البلد والشعب ويلات اخرى فوق ما ابتلي به، فأن القوى الطائفية والقومية تمعن في التمترس في مواقعها وامتيازاتها، بل وتخلق المزيد من الازمات، وتتمسك بما يتاح لها من امكانيات بمواقع السلطة والتصرف بخيرات البلد، ومعطلة دور مجلس النواب المفترض لمراقبة الاداء الحكومي ، واصداره القوانين الملحة ولكنها معطلة بإرادة قادة القوائم الحاكمة.
ان وصف العراق كونه احدى الدول العشرة الفاشلة في العام 2012 في العالم من قبل منظمة الصندوق الدولية، جاء تأكيدا لهذا الفشل الذي تيقن منه المواطن العادي وهو يكابد من نكد العيش اليومي، بعد ان تنصل حكامه من الوعود الانتخابية التي خدعوه بها وحصلوا على أصواته لهم عبر أساليب الرشى وتأجيج النوازع الطائفية والقومية والتدخلات الاقليمية الفظة. واذ لا يلوح في الافق وازع الغيرة على مصلحة الوطن والمواطن وتلمس الحلول العاجلة للخروج من الازمات المتتالية، والمساءلة عن مسؤولية ارتهان العراق اليوم تحت وطأة دولة فاشلة من قبل مجلس النواب رغم العوق الذي يعاني منه، فان مسؤولية المواطن هي الأكبر، وها هو يدفع ثمن خياراته الانتخابية الخطأ، فليست الشعوب دائما على صواب في خياراتها.*

*  عن الحوار المتمدن….

زر الذهاب إلى الأعلى