الفكر السياسي

لماذا تكنوقراط مستقلين وليس سياسيين

لماذا تكنوقراط مستقلين وليس سياسيين

حمزة الجواهري

2016 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية

09-4-2016
تمسكت الكتل السياسية بتكنوقراطها بقوة، هذا إذا كانوا تكنوقراط بالفعل؟ تمسكوا بهم موظفين لذلك النفاق والتسويف والتهديد المبطن والصريح والمؤامرات الخبيثة وتوظيف المال الذي تم سرقته من الشعب والنفوذ السياسي الواسع والمماطلة، وبكل الوسائل الأخرى وقفوا مصطفين بوجه فكرة التكنوقراط المستقل، لأنها عصى موسى التي ستبتلع كل ثعابين السحر الأسود، فهي اذا التحدي الأكبر بالنسبة لهم.
لسنا بحاجة للسؤال عن السبب، لأن الجواب مفهوم مقدما فهو يعني فقدان النفوذ السياسي، والسلطة وألقها، وترك القصور الفارهة، ولم يعد بمقدورهم سرقة المال العام كما كانوا ومازالوا يفعلون، ولم يعد بمقدورهم التخطيط للاستيلاء على مخزونات النفط العراقي على سبيل المثال وليس الحصر، وهذا ما سنكتب عنه بأقرب فرصة بعد اطلاعنا على بعض مفاصل هذه الجريمة النكراء، التي أعتقد أنها أكبر جريمة بتاريخ الإنسانية، وأجدها أكبر من جريمة قابيل حين قتل ربع البشرية بضربة واحدة، وهناك الكثير سيفقدوه، فهم حسبوها جيدا بأنهم سيصبحون صفرا على الشمال ما لم يتحكموا بالوزارات ووزرائها وعمقها وصولا للبواب.
لا يوجد تكنوقراط سياسي:
تزعم الكتل السياسية أن لديها تكنوقراط يمكنهم القيام بمهام الوزارة، وكل من هذه الكتل سيأخذ مناصب حسب استحقاقه الانتخابي، لكن بالنسبة لنا إن هذا السطو على مفاصل الدولة يعني الكثير، بل والكثير جدا، فهو أول ما يعني أن حكومة الإصلاح ستكون من الكتل السياسية ذاتها، وكذلك رؤساء الهيئات حتى لو كانت مستقلة بالإسم، وهكذا سيكون الأمر في جميع الحكومات القادمة حتى يوم يبعثون، ويعني أيضا أن المحاصصة باقية للأبد، كما ويعني تجاوزا على الدستور ومن ثم القوانين وصولا للاعراف والقيم التي لم تعد ذات معنى، بل مناديل ورقية لا تصلح إلا للحمام.
بظل نظام المحاصصة، أصبح واضحا أن التكنوقراط العراقي الحقيقي، بشكل عام، لا مستقبل له في العراق الجديد ما لم ينتمي لأحد الكتل السياسية ليقدم خدماته لها مقابل توليته منصب رفيع في الدولة، أي خدمة مقابل خدمة، وكلاهما، التكنوقراط السياسي المزعوم والكتلة التي مكنته، كل منهم سيأخذ نصيبه من الذبيحة.
فأي تكنوقراط هذا الذي تتجه بوصلة إنحيازه نحو مصالح السراق والفاسدين بدلا من أن تتجه نحو مصلحة الشعب الحقيقية؟
فقدنا وسنفقد آلاف التكنوقراط المتمكن من عمله:
ما ذنب التكنوقراط المستقل ان يفقد أية فرصة، وللأبد، لخدمة بلده بسبب سيطرة الأحزاب والكتل على المناصب السيادية والدرجات خاصة، لأن ليس أمام التكنوقراط الحقيقي سوى الهجرة أو الإنزواء في عالم النسيان ويحرم الناس من خدمات حقيقية.
إنهم عشرات الآلاف، وربما أكثر لو أضفنا الذين هاجروا بسبب هيمنة الأحزاب على مفاصل السلطة التنفيذبة بالكامل، وبجشع مفرط، ولابد لي من لفت نظر القارئ الكريم إلى حقيقة أقولها جازما أن التكنوقراط المستقل سيكون نزيها وشريفا.
التكنوقراط المستقل سيكون أمام تحدي حقيقي:
هم الأكثر عددا وأكثر علما وخبرة، لا نعرفهم جيدا، لأننا لم نرى حتى الساعة تكنوقراط سياسي حقيقي يعمل باختصاصه فعلا، كما ولا نتوقع وصول من لاخبرة له طويلة ويعتد بها من التكنوقراط المستقل للسلطة، لأنهم سوف لا ولن يسمحون له بأي حال من الأحوال، لأن المسألة بالنسبة لهم أصبحت مسألة نفوذ وسيطرة محكمة على الدولة والبشر والثروات، وفقدان تكنوقراكهم المزعوم أصبحت تعني مسألة “كسر عظم”، وتحدي عظيم يطيح بكل مكتسباتهم المادية والمعنوية التي حقوقها خلال العقد الأخير، وقد تكون سببا بإلغاء المحاصصة الحزبية للأبد، فهي مسألة تحدي ووجود بالنسبة لهم.
أنا شخصيا كمختص في الصناعة النفطية أعرف ما يزيد على ألف تكنوقراط متمكن وذو خبرة طويلة وعلم وافر في مجال النفط، وأكاد أن أجزم أن في العراق خبرات تفوق التصور من الناحية العددية والنوعية في المجالات كافة وليس النفط وحسب.
وهكذا نرى كيف يفقد العراق خبراءه الحقيقيون لصالح تكنوقراط مزيفين لا يفقهون شيئا من عمل الوزارات التي يديرونها عدا مصالح الأحزاب والكتل السياسية، لكي تبقى الكتل تسرق وتمارس كل أنواع الفساد، ويستمرون بذلك إلى يوم القيامة والشعب يموت كل يوم ألف مرة.
التكنوقراط المستقل لديه شهادة النزاهة:
معظم التكنوقراط المستقلين كانت قد فاتحتهم الكتل السياسية للانضمام إليها، وأنا منهم، وبعضهم تم تقديم الوعود لهم بالحصول على منصب سيادي، لكن معظمهم قد اعتذر من ناحية المبدأ، والأصح القول أنه رفض قطعيا، لأنه يعرف تماما ما هو المطلوب منه، وإنه سيكون مجرد أدات لسرقة المال العام وإذلال الشعب، لذا أجد أن مواقفهم كانت شجاعة وشريفة جدا.
من هنا نستطيع الاستنتاج أن التكنوقراط المستقل يملك “شهادة النزاهة وحسن السيرة والأخلاق” برفضه لعروضهم السخية، ذلك لأن بوصلة إنحيازه تؤشر نحو مصلحة الوطن والمواطن فقط، ولو كان انتهازيا أو وصوليا لقبل بالعرض السخي من هذه الكتل، وأصبح إمعة بأيديهم يلعبون بها كما يشاؤون، ويحقق مصالحهم قبل مصلحته الشخصية، ويقبض هو أيضا كما يفعلون.
التكنوقراط المستقلين غير مجربين لحد الآن، نعم، كان هناك بعض المستقلين، وكانوا أفضل بما لا يقاس مقارنة بزملائهم السياسيين، ولا أريد أن اذكر أسماء هؤلاء، فالكل يعرفهم وقد عرف أدائهم الجيد في المناصب التي كلفوا بها.
العراق فيه تكنوقراط مستقلين تكفي لتشكيل أكثر من ماءة حكومة مع الهيئات المستقلة وأصحاب الدرجات الخاصة.
التكنوقراط السياسي إنتهازي ووصولي:
أما التكنوقراط السياسي فإنه بلا أدنى شك إنتهازي ووصولي وفاسد من خلال إنتماءه المزيف لإحدى الكتل أو الأحزاب، لذا فهو يكون قد حصل على “شهادة فاسد” لمجرد قبوله الإنتماء إلى كتلة سياسية أو حزب يأتمر بأمره، وبلا شك أن بوصلة إنحيازه ستؤشر دائما نحو مصلحة رئيس كتلته ومصلحة الكتلة التي أوصلته إلى المنصب ومن ثم تؤشر البوصلته نحو مصلحته الشخصية، أي جيبه، ولا نتوقع منه أن يقدم خدمة للشعب بأي حال من الأحوال، وقد لاحظنا من خلال التجربة أن الأكثر تمسكا بالتكنوقراط السياسي والمحاصصة هم الأكثر فسادا والأكثر بعدا عن التخصص بالنسبة للمنصب الذي استحوذوا عليه محاصصاتيا.
جربناهم على مدى13 عاما ولم نرى منهم من عمل لصالح البلد بالفعل، بل كانوا سبب خراب البلد، وكانوا هم الأدوات الحقيقية بيد الفاسدين لتخريب كل ما هو جيد وجميل، بل تهديم مستقبل العراق.
التكنوقراط الذين تختارهم الكتل السياسية سوف يبقون أسرى للذين أوصلوهم للمناصب، لذا فهم مرفوضون من ناحية المبدأ، وعلى الشعب أن يقول كلمته الفصل، فهو الذي يمنح الشرعية لكل شيء.
إن تمسك الكتل والأحزاب بتكنوقراطهم يدل بوضوح على أهمية هذه المناصب ومدى ما تدره على كتلهم من أموال ونفوذ ومنافع مادية ومعنوية أخرى كثيرة، وهي بداية النهاية لنظام المحاصصة المقيت، أي بداية النهاية لهم كأحزاب وكيانات تحت مسميات مختلفة.
حتى لو:
وحتى لو قبلوا مرغمين تحت ضغط الشارع بحكومة التكنوقراط المستقلين، سوف لن يستسلموا بسهولة، فستكون بداية لمعارك طاحنة تحت مسميات الديمقراطية والنزاهة التي ما عرفوها يوما ما، والقانون وما إلى ذلك من الأسماء الكبيرة التي طالما احتقروها وأمعنوا بإفراغها من محتواها، وأول ما سيفعلوه هو العمل على عدم تمرير حكومة الإصلاح في البرلمان، وحتى لو مرت من خلاله، سوف لن يكفوا عن الاستمرار بوضع العصي في عجلة الحكومة التي ستكون عدوا لدودا لهم وسيذيقوا التكنوقراط الحقيقي مر العذاب.
لكني على ثقة أن سيكون المستقلين على قدر المسؤولية، وعلى قدر التحدي، وسوف يكونوا مقاتلين اشداء بوجه الفساد والفاسدين مهما كان موقعهم ونفوذهم وسلطانهم ومهما كان حجم الأموال التي سرقوها من قوت الشعب. أقول سرقوها، لأن عندما وصلوا للسلطة عن طريق المحاصصة الحزبية، لم يكونوا سوى حفاة والبعض منهم متسولين.
أما التكنوقراط الحقيقي سوف لن يخسروا شيئا حتى لو قدم البعض منهم استقالته، لأنهم من حيث الأساس جاؤا لخدمة الشعب وليسوا أدواتا للفساد بيد من لا يخشى الله ولا البشر ولا القانون.*

*    عن الحوار المتمدن…..


facebook sharing button
twitter sharing button
pinterest sharing button
email sharing button
sharethis sharing button

زر الذهاب إلى الأعلى