لماذا رفضت روسيا اتفاق خفض الإنتاج مع أوبك ؟
نبيل جعفر عبد الرضا
كانت حرب الحصص السوقية السابقة بين أكبر منتجي العالم، مثل السعودية وروسيا ومنتجي الشرق الأوسط ، التي اندلعت بين 2014 و2016 حين حاولوا تضييق الخناق على إنتاج النفط الصخري من الولايات المتحدة عن طريق خفض الأسعار وتوفير المزيد من الإمدادات إلى آسيا ، وقد انتهت تلك المعركة عندما أبرمت «أوبك» المكونة من 13 عضواً وشركاؤها العشرة وفي مقدمتهم روسيا الذين يشكّلون معاً «أوبك+»، على اتفاق تم التوصل إليه عام 2017 لخفض الإنتاج طوعياً بـ1,2 مليون برميل في اليوم، جرى رفعه إلى 1,7 مليون برميل في ديسمبر (كانون الأول) 2019، بالإضافة إلى خفض سعودي طوعي بـ400 ألف برميل يوميا . وسيعني قرار “أوبك+” خفض 1.5 مليون برميل يوميا إضافية، أن يصبح إجمالي تخفيضات الإنتاج، التي تطبقها المجموعة 3.6 مليون برميل يوميا، بما يعادل نحو 3.6% من الإمدادات العالمية .
وكانت آخر مرة خفضت فيها “أوبك” الإمدادات بمثل هذا القدر في 2008 عندما قلصت الإنتاج 4.2 مليون برميل يوميا في مواجهة تباطؤ الطلب بفعل الأزمة المالية العالمية ، غير ان هذا الاتفاق الذي امتد لثلاث سنوات بين أوبك وروسيا انتهى يوم الجمعة 7/3/2020 بعد أن رفضت موسكو تأييد خفض إضافي للإمداد قدره 1.5 مليون برميل يوميا حتى حزيران تتحمل الأوبك تخفيضا قدره مليون برميل يوميا فيما تساهم الدول من خارج المنظمة بـ500 ألف برميل يوميا للتأقلم مع تفشي فيروس كورونا الذي أدى الى انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام بنحو 4 ملايين برميل يوميا لترد أوبك بقيادة السعودية على ذلك بإلغاء جميع القيود على إنتاجها ورفضها تحمل تخفيض الإنتاج لوحدها من دون مساهمة المنتجين الاخرين خارج اوبك رافضة سياسة ( الراكب المجاني ) ، ونتيجة لذلك هوت أسعار النفط نحو 30%، إذ جدد التطور المخاوف من شبح انهيار الأسعار في 2014، عندما تنافست السعودية وروسيا على الحصص السوقية مع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة التي لم يسبق لها مطلقاً المشاركة في اتفاقات الحد من الإنتاج. ذكرت وكالة بلاتس الدولية للمعلومات النفطية أن انهيار مفاوضات تحالف منتجي “أوبك+” لخفض الإنتاج كانت مفاجأة غير سارة للأسواق النفطية، خاصة أن دول “أوبك” كانت تستعد لإجراء خفض بشكل أعمق تفاعلا مع تراجع الطلب النفطي الناجم عن انتشار فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن الوضع الجديد للسوق قد دفع أسعار النفط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل .
لا يمكن تجاهل الصراعات الروسية – الأمريكية كخلفية للموقف الروسي الجديد الذي كان بمنزلة تحول صادم في مسار تعاون المنتجين اذ ان الروس قرروا اعتماد سياسة الأرض المحروقة نظرا إنه لا سبب لديهم لدعم المنتجين الأميركيين وتكمن الأولوية بالنسبة لروسيا، ثاني أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة بعدم تقديم تنازلات للخصم الأميركي الذي يستخرج يومياً أكثر من 13 مليون برميل نفط منها 65% من النفط الصخري ويصدّر 4 ملايين برميل في اليوم والرد على الولايات المتحدة التي تعرقل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يربط بين روسيا وألمانيا. وتؤكد وزارة المالية الروسية إن البلاد يمكنها التكيف مع أسعار للنفط بين 25 دولارا و30 دولارا للبرميل لفترة من ست إلى عشر سنوات قادمة وإنها قد تلجأ إلى صندوق الثروة الوطني للبلاد الذي تصل موجوداته اكثر من 150 مليار دولار لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار النفط التي تصل الى ما بين 100- 150 مليون دولار يوميا الناجمة عن تصدير 5 ملايين برميل يوميا من النفط الروسي ولتمويل العجز المتوقع في الموازنة الروسية التي اعتمدت على سعر نفط 42.4 دولارا للبرميل ( والتي نظمت بفائض مقداره 13.6 مليار دولار يشكل 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي في روسيا ) ، لضمان الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي إذا استمر نزول أسعار النفط. وإذا استمر السيناريو الحالي المتمثل في انخفاض أسعار النفط فإن منتجي النفط الصخري المرتفع الكلفة في الولايات المتحدة يمكنهم تقليص ميزانيات رأس المال مرة أخرى بناء على تخفيضات النشاط المتوقعة مما سيؤدي الى انخفاض إنتاج النفط الصخري الأمريكي في وقت لاحق من هذا العام، وهو الإنتاج الذي يقود وفرة المعروض حاليا في الأسواق العالمية.