تربية وتعليم

لنستفد من تجربة اليابان التعليمية

بعد الحرب العالمية الثانية خرجت اليابان وهي مشلولة ومدمرة اقتصاديا ولكنها سرعان ما نهضت من جديد واصبحت منتجاتها المتطورة المختلفة تغزو اسواق العالم حيث اصبحت من الاقتصادات المتقدمة في العالم . وقد ابهرت تجربتها الاقتصادية عموما وتجربتها في عملية التربية والتعليم العالم وتفوقت على الدول التي تعد عملاقة من حيث الاقتصاد والصناعة والتعليم كالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تخجل من نقل تجربة اليابان التعليمية حيث كلفت فريقا من الخبراء والباحثين  لإعداد دراسة مستفيضة حول التعليم في اليابان للاستفادة منها والتي اسفرت جهودهم بإصدار كتاب عن هذا الموضوع تناول الأسس والمنطلقات التي بنيت عليها عملية التربية والتعليم في اليابان التي تعتبر العملية الأهم في بناء الأفراد الذين يصنعون التقدم والازدهار .

التعليم في اليابان في مراحله الاولى يكون الزاميا ( تسع سنوات والتي تشمل 6 سنوات للدراسة الابتدائية و3 سنوات للدراسة المتوسطة والتي تم دمجها لتصبح المرحلة تسع سنوات. فكافة الأطفال اليابانيين يكملون السنوات التسع الالزامية وان حوالي 90 في المائة منهم يكملون الدراسة الثانوية ( 3 سنة ) وتأتي بعدها الدراسة الجامعية.

لقد نجحت التربية اليابانية في عدد من المجالات ذات الأهمية القصوى في التفوق التربوي بالمقارنة مع كافة دول العالم بما فيها الدول المتقدمة صناعيا .

يختلف شكل التعليم الياباني عن اشكال التعليم في الدول الاخرى، فالهدف الأساسي الذي يستهدفه التربويون اليابانيون هو تعويد الطفل على ان يكون عقلا مفكرا حيث ان الطفل بحاجة الى استيعاب المعلومات بدلا من ان يتلقاها على هيئة شرح فقط. فعقلية الطفل حينها لا تكون قادرة على الفهم وبالتالي لا تكون اي اهمية للشرح المتواصل وذلك ما تأخذه اليابان بنظر الاعتبار عند قيامها بتعليم وتربية الأجيال الجديدة .

أهداف التعليم في اليابان :

1) ان اول ما يهدف اليه التعليم الياباني هو تحويل نمط تلقي المعلومات الى شكل من أشكال اجتهاد الطفل للحصول على المعلومة، اي ان يكون الطفل هو الراغب في تلقي المعلومة ومعرفة المزيد .

2) تحويل الشكل الطبيعي لتلقي الطفل بمفردة المعلومات من معلمه الى تعليم جماعي يعتمد على المشاركة حيث يقوم المعلم بمشاركة خبراته مع الأطفال، وبذلك يجعلهم يتشاركون معلوماتهم مع اصدقائهم، مما يجعل التعليم تفاعليا واكثر فائدة من النظام التقليدي الذي هو نظام التلقي والحفظ .

3)  كما يهدف التعليم الياباني الى تخفيف عبء المواد الدراسية من على عاتق الطفل ومحاولة اعطاءه المعلومات بشكل مبسط.

طرق التعلم في اليابان :

  1. الطالب في اليابان لا يعامل معاملة المتلقي ابدا حيث يتم الاعتماد عليه في سن صغيرة في القيام بإدارة كل ما يخصه وتعويده على ان يكون هو المنظم الأول والأخير لعقله ، لذلك نجد ان الطفل الياباني يكون اكثر ذكاء من اي طفل آخر .
  2. لا يكون الهدف المطلق للتعليم في اليابان نقل المعلومات فقط وانما يعلم الطفل ان يكون مدير نفسه وعلى دراية بقيمة كل ما حوله .
  3. يتم استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا لتعليم الطفل الياباني للحصول على اجيال جديدة على قدر كاف من التطور.

سياسة التعليم في اليابان :

1) يتم الاهتمام بعدد الطلاب في الفصل الواحد حيث ان زيادة عدد الطلاب في الفصل ستكون له آثارا سلبية على الطفل لذلك اهتمت اليابان بأن يكون عدد الطلاب في الفصل الواحد ( 25) طالبا فقط حيث يستطيعون استيعاب ما يتلقوه .

2) للمدارس اليابانية شعار وهو ( الطفل مدير نفسه وعقله ) ، ان التخطيط للتعليم ليس مهمة المعلم او ادارة المدرسة وانما يتم مشاركتها مع الطالب للتعرف على انماط تفكيره ولإعطائه فرصة للتعبير عن نفسه ومطالبه مما يجعل التعليم مبنيا على المشاركة وليس الاجبار .

3) الاعتماد على المشاركة داخل الفصل الدراسي والقيام بتحديد اولويات تعلم الطفل ويتم تحديد مستوى الطفل قبل التحاقه بالمدرسة ، فالمدارس يتم تقسيمها على قدرات وامكانيات الطفل العقلية.

ان نظام التعليم في اليابان يعزز روح العمل الجماعي والتفاهم بين الطلاب حيث ان :-

نجاح التعليم يكون مبنيا على العمل الجماعي والاحساس بالمسؤولية .

يسعى نظام التعليم الياباني الى غرس روح المسؤولية في الطلاب مما يجعلهم يحافظون على الأثاث المدرسي والبيئة المدرسية والمباني والأدوات .

اكثر ما يميز المدارس اليابانية هو الزام الطلاب بالنظافة والترتيب فمثلا توجد احذية خفيفة يرتديها الطلاب داخل المدرسة كما يقومون بعد انتهاء اليوم الدراسي بتنظيف قاعاتهم الدراسية والممرات .

اما بالنسبة لنظام العطلة المدرسية في اليابان فهي قصيرة ويفرض على الطلاب القدوم الى المدرسة حسب برنامج مخطط له للقيام ببعض النشاطات والمشاريع .

تنتهج اليابان استراتيجيات تعليمية  قوية تمنح الأجيال القدرة على الابداع والاسهام في عملية النهضة التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات ، وتسعى اليابان ومن خلال استراتيجيات التعليم المحكمة الى الموازنة بين حاجيات السوق وعدد الخريجين من الجامعات والمعاهد اليابانية حيث يبدأ التركيز على مختلف المراحل  من المدرسة ثم التدرج حسب مراحل التعليم المختلفة ويتلقى الطلاب خلال هذه الفترة تدريبات ليس فقط في المنهج الدراسي المقر بل في مجالات اخرى تشمل النشاطات الاجتماعية كالتطوع في عمليات الانقاذ وعمليات مساعدة السكان في حالة الكوارث وغيرها .

ومن استراتيجيات التعليم في اليابان ايضا هي منح الأطفال في التعليم الابتدائي مرونة أكثر في مجال خدمة المجتمع. وفي مرحلة التعليم الابتدائي والتي تعتبر اهم المراحل واكثرها دقة في بناء شخصية التلميذ واكتشاف قدراته، لا يخضع الطالب لأي امتحان حتى يصل الى المرحلة الرابعة ( بعمر عشر سنوات ) باستثناء اختبارات قليلة وسهلة. ويعتبر اليابانيون ان السنوات الثلاث الاولى من التعليم يجب ان تكون من اجل اختبار قدرات التلميذ المعرفية وتكون سنوات تكوين للتلميذ والتركيز على زرع الاخلاق وحسن التعامل والاخلاص والعمل التطوعي وهي امور ضرورية يجب على الطفل التزود بها ويجب ان تشكل جزءاً من شخصيته المستقبلية.

دور المناهج التعليمية:

تلعب المناهج التعليمية دورا مهما في نجاح سياسات التعليم في اليابان حيث تصمم هذه المناهج بناء على معايير الجودة والفعالية بحيث تمنح الطالب القدرة على الابداع والابتكار من خلال التكثيف والتركيز على الخصائص المميزة لكل طالب ومحاولة تنميتها وتطويرها ومن خلال ذلك يتم تغطية السوق الياباني بجيل مميز قادر على تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية للمؤسسات والشركات والمصانع والادارات.

كما اهتمت اليابان بالتعليم التكنولوجي حيث تسعى الحكومة اليابانية من خلال دعم هذا القطاع الى تحقيق التميز في مجال الصناعات التكنولوجية اذ  تنتشر اليوم المراكز والمعاهد الخاصة بالتعليم التكنولوجي في كل الولايات اليابانية البالغ عددها ( 47) ، وتقوم هذه المراكز بتأهيل الأساتذة واعدادهم لتدريس المواد الخاصة بالصناعات التكنولوجية  وتكون مختبرات للطلبة للقيام بالتجارب العلمية الخاصة بمشاريعهم البحثية ، وقدمت الحكومة الدعم اللازم لهذه المراكز من تسهيلات واجهزة كومبيوتر واجهزة مختبرات وغيرها من الوسائل الضرورية لعمل هذه المراكز . وبفضل ذلك الاهتمام والرعاية تربعت اليابان على عرش الصناعات التكنولوجية على المستوى العالمي وبدأت شركاتها تغزو العالم وتنافس عمالقة الصناعة الأمريكية والأوربية.

ان استراتيجيات التعليم هي المحرك الساسي لأي نهضة اقتصادية ومجتمعية والتركيز على هذه الاستراتيجيات وتصميمها بشكل فعال ومميز هو الذي يخلق مجتمعا علميا قادرا على مواجهة تحديات النهوض والبناء. واليابان تعتبر من الدول التي يشكل التعليم فيها الحجر الأساس لعملية التنمية وتعتبر تجربتها في هذا المجال تجربة ملهمة لما فيها من مميزات وخصائص يمكن للدول الطامحة لتغيير وضعها الاستفادة منها.

اما بالنسبة الى ميزانية التعليم في اليابان فقد بلغت في عام 2018 (4 تريليون) ين ياباني اي ما يعادل (35.6) مليار دولار امريكي، وقد خفضت الحكومة اليابانية نفقاتها بنسبة 10في المائة من اجل تحقيق اهداف استراتيجية التعليم.

تهتم اليابان بتطوير المعلمين والتركيز على الكفاءات والتخصصات والخبرات بصورة وثيقة ومدى الجدية في اتمام الأعمال بالنسبة للمعلمين المكلفين بها .

اما بالنسبة لرواتب المعلمين فهم يتقاضون راتبا كبيرا بحيث لا يحتاجون الى ممارسة أي عمل آخر كما لا توجد لديهم منظومة الدروس الخصوصية .

كيف يمكن للعراق أن يستفيد من التجربة اليابانية في التعليم؟

النظام الياباني في التعليم يمكن تطبيقه في اي بلد وفي اي بيئة لو وجدت الحكومة الجادة في تعليم مواطنيها التعليم الجيد.

كما يمكن ترجمة الكتب اليابانية والاستفادة منها كمرجع لأي بلد يريد تطوير منظومته التعليمية، اضافة الى امكانية ارسال المعلمين الى اليابان للتدريب ضمن اتفاقية التبادل الثقافي على المنظومة التعليمية في اليابان. اضافة الى ضرورة تبني الدولة استراتيجية التعليم ودعمها عملية التربية والتعليم من خلال زيادة التخصيصات المالية لهذا القطاع الحيوي وتقليص نفقات الرئاسات الثلاث ومكافحة الفساد المالي والاداري والتخلص من نظام المحاصصة مع توفير البنى التحتية اللازمة للتعليم والاهتمام بالتعليم المهني والتكنولوجي وربط التعليم بحاجات البلاد الأساسية واعتماد التخطيط ووضع البرامج في هذا المجال الى جانب تقليص عدد الطلاب في الفصل الدراسي الواحد الى 25 طالبا بدلا من 50 او 60 طالبا مع الاهتمام ببناء المدارس وفق المواصفات الحديثة وخاصة في الريف العراقي الذي تنتشر فيه المدارس الطينية او تكون في العراء. وكذلك ضرورة زيادة رواتب المعلمين ومنع الدروس الخصوصية مع اعتماد فلسفة تربوية تعليمية تقوم على قيم المواطنة وتعزيز الفكر التنويري ونبذ الطائفية واعادة النظر في مناهج التعليم وطرق التدريس بما يتفق وتأمين مستلزمات التقدم التقني والمبادئ وتشجيع البحث العلمي والابتكار ووضع الخطط لاستكمال عملية مكافحة الأمية مع اصلاح التعليم العالي وتطبيق التعليم الالزامي في المرحلة الابتدائية .

فهل توجد الارادة الحكومية لإنقاذ التعليم مما هو فيه من تخلف والاستفادة من التجربة اليابانية لتطوير التعليم في العراق وتحقيق التقدم اسوة باليابان؟ اشك في ذلك!…. #

 

#. عن جريدة طريق الشعب….

زر الذهاب إلى الأعلى