ليبيا في الطريق الوعر
ليبيا في الطريق الوعر
د. عودت ناجي الحمداني
2011 / 9 / 17
انهيار النظام الشمولي وهزيمته امام قوى الانتفاضة بدعم الناتو يضع ليبيا في الطريق الوعر . فالحرب الجوية التي شنها الناتو بحجة حماية المدنيين تحولت الى حرب اهليه طاحنه تكبد الليبيين مئات القتلى والجرحى في اليوم الواحد. ومنذ اعلان الانتفاضة على القذافي ونظامه المستبد فان المعارك تزداد ضراوة , فقداعلن المجلس الانتقالي الليبي ان عدد قتلى الحرب الدائرة بين الليبيين من كتاب القذافي ومقاتلي المجلس منذ اندلاع الانتفاضة حتى الثاني عشر من ايلول الجاري تقدر( بنحو خمسين الف قتيل واكثر من سبعين الف جريح) ولم يعرف عدد المفقودين والمعوقين وما زالت الحرب في اوجها .
وبالرغم من انهيار نظام القذافي وما يمثله من دكتاتورية دموية فانه من الصعب توقع استتباب الامن والاستقرار في الامد القريب , فقد خلفت الحرب مجازر بشعة في صفوف القوى المتحاربه وبين المدنيين ,فكتائب القذافي ومقاتلي المجلس الانتقالي يتحملان المسؤولية عن المجازر الوحشية التي لحقت بالشعب الليبي .
ان كتائب القذافي تقاتل من اجل حماية نظام دموي باعتبارها فصائل عسكرية مهنية وانهيار النظام يعني هزيمتها وتقديمها للمحاكم , وبالنسبة للمجلس الانتقالي فانه يقاتل بحماية ومساندة الناتو للاطاحة بالقذافي وبنظامه . وقد ادت الضربات الجوية التي نفذتها طائرات الناتو الى قتل وتشريد الاف المواطنين المدنيين وتدمير المئات من المساكن والمنشآت العسكرية والمدنية والمحلات التجارية ,
ان قنابل الناتو التي توصف عسكريا بالذكية اثبتت بالواقع انها قنابل عشوائية وغبية , ففي كثير من الاحيان تخطأ اهدافها وتصيب التجمعات السكانية وتلحق بها المزيد من الدمار والخراب وتزهق ارواح النساء والشيوخ والاطفال. هذا بالاضافة الى ما يقوم به مقاتلو المجلس الانتقالي من تدمير عشوائي لكل ما يعترض طريقهم لتحقيق أي نصر مهما كان بسيطا بأي ثمن مادي وبشري مهما كان باهضا . ولهذا وصفت منظمة العفو الدولية الجرائم التي ارتكبها مقاتلو المجلس الانتقالي بانها جرائم ضد الانسانية وتفوق الجرائم التي ارتكبتها كتائب القذافي .
ان مقاتلي الجماعات الاسلامية الليبية التي قاتلت في حلف عقائدي مقدس مع القاعدة وطالبان في افغانستان , تقوم بدور قيادي بالمجلس الانتقالي ولا نستبعد ان تكون هي المسؤوله عن عمليات الابادة والاجرام وحرق البشروعمليات اغتصاب النساء المنسوبه الى مقاتلي المجلس الانتقالي في طرابلس والمدن الاخرى المحررة من قبضة الدكتاتورية , كما لا يستبعد المحللون ان تكون هذة الجماعات هي الحاضنة الاساسية للقاعدة في ليبيا وربما الحاضنة المستقبلية للقاعدة بالبلدان العربيه .
فالقائد العسكري في طرابلس عبد الحكيم بلحاج والذي يلقب نفسه بالامير هو احد العناصر المعتمدة للقاعدة في ليبيا فقد كان من المقاتلين العرب في صفوف القاعدة بافغانستان وهو ما يثير مخاوف الليبيين ويثير الشكوك حول قدرة المجلس الانتقالي على اقامة نظام ديمقراطي في ليبيا . فقد اعلن بلحاج ان النظام السياسي في ليبيا يجب ان يحدده العلماء المسلمين , ويعني ذلك الرفض القاطع لاقامة نظام ديمقراطي تعددي يقره الشعب الليبي عبر صناديق الاقتراع. وفي لقاء صحفي مع السيد عبد الجليل مصطفى رئيس المجلس الانتقالي اعترف بوجود خمسة عشر عنصرا من عناصر القاعدة في صفوف مقاتلي المجلس الانتقالي .
ان القاعدة ذات التنظيم الاجرامي والجماعت الاسلامية التي تعتنق نفس ايديولوجيتها واهدافها هي وجهان لعملة واحدة, وان هدفهما المنشود هو وصول نظام اسلامي مستبد على شاكلة طالبان افغانستان كبديل لنظام القذافي , وبذلك يصبح البديل اسوء بكثير من نظام الطاغية المنهار .
ان من يعرف طبيعة وسايكولوجية المجتمع الليبي بكونه مجتمعا قبليا وذو طابع بدوي لم يستغرب من ان القتال الشرس يدورفي اكثر الاحيان بروح الثار والانتقام والتشفي وبالروح القبلية وليس في سياق الاهداف الوطنية و الديمقراطية . فالمجتمع الليبي مجتمعا عشائريا تحكمه العادات والاعراف البدوية وتؤثر فيه اكثر بكثير مما تؤثر فيه الدولة بهيئاتها وقوانينها .
وقد ادى القتال الدائرمنذ اكثر من ستة اشهر ونيف الى اشعال روح العداء والحقد والبغضاء والثأر بين ابناء القبائل , وهو ما يؤكد المخاوف من ديمومة التقاتل الفردي والجماعي لان طبيعة البدوي وعاداته سواء في ليبيا اوغيرها لا يستكين الا باخذ الثأر ثأرين , فالقبائل الليبية المتضررة سوف تثار لدم ابنائها وللمساس بشرفها , فقد حدثت عمليات اغتصاب واسعة النطاق وهو امر محرم ويتجاوز كل الاعراف والتقاليد السائدة . وهو ما سوف يشحن العداء والكراهية والتقاتل الذي لا يتوقع ان ينتهي في المستقبل المنظور .
ان نتائج الحرب المادية والبشرية والاجتماعية ستكون مذهله على المجتمع الليبي وهو وحده يدفع فواتير الحرب الدائرة بين ابنائه . اما الليبيين من رجالات امريكا ورجالات الناتو فوطنهم تلك الدول التي جندتهم ووفرت لهم المأوى ومنحتهم الجنسية والاستقرار في بلدانها وعليهم رد الجميل على حساب مصالح الشعب الوطن وذلك بفتح ابواب ليبيا وحدودها للشركات الاستعمارية المتوحشة .
ان الوضع في ليبيا يزداد سوءا و تعقيدا ومع استمرار ضراوة القتال فان الوضع ياخذ صورا اكثر ماساوية وتشائما , فهروب رأس النظام ورؤساء اجهزته القمعية من العاصمة وحتى عبر الحدود لا يضع حدا نهائيا للقتال ولا يؤدي الى حلول الامن والسلام . فدول الناتو التي اشعلت فتيل الحرب لدعم المجلس الانتقالي والاطاحة بنظام القذافي لم تزج نفسها بالحرب من اجل حماية المدنيين كما تدعي وانما من اجل مصالحها البترولية والاقتصادية ومن اجل تشغيل شركاتها التي تعاني من الركود والافلاس .
ان من اهداف الناتو الخفية تكبيل ليبيا بعقود باهضة لشراء الاسحلة و ابرام اتفاقيات جائرة لفرض الوصايا الاستعمارية على النفط الليبي وفتح حدود ليبيا امام الشركات الاحتكارية .
فالضربات الجوية استهدفت عن عمد تدمير البنى التحية للمرافق الحيوية , الخدمية والاقتصادية والعسكرية بحجة تدمير مخازن سلاح القذافي في محاولة لايجاد فرص عمل مثمرة للشركات الراسمالية من خلال اعادة بناء ما دمرته الحرب .
ان فاتورة الحرب واعادة البناء ستكون باهضة الثمن على الشعب الليبي وسوف تؤدي الى تحميل ليبيا بقروض خارجية ضخمة , وتحويل ليبيا الى بلد هامشي يدور في فلك الراسمالية ولا مفر من الوقوع في كماشة صندوق النقدالدولي الذي يتحين الفرص لايقاع ليبيا في فخ المديونية وتكبيلها بقروض مؤلمه واعادة هيكلة الاقتصاد الليبي على اسس تخدم الراسمالية الطفيلية .
ان لحرب الناتو الجوية التي شنها على ليبيا اطماعا واهدافا معروفه ومنها :
1_ استغلال تجميد ارصدة واصول النظام الليبي المقدرة باكثرمن 168 مليار دولار ونحو 115 طن من الذهب المودعة في البنوك الامريكية والفرنسية والبريطانية والايطالية وبعض البنوك الغربية الاخرى واستثمارها في : 1_ حل جزء من ازمة السيولة النقدية التي تعاني منها الدول التي شنت الحرب و2_ تسديد قيمة فواتيرالاسلحة التي قدمها الناتو لمقاتلي المجلس الانتقالي و3_ تغطية كلفة الغارات الجوية التي تقوم بها مقاتلات الناتو, وهو ما يؤدي عمليا الى امتصاص الارصدة النقدية ولجوء ليبيا الى الاستدانه الخارجية .
2_ تتمتع ليبيا باحتياطات نفطية تقدر بنحو 45 مليار برميل ويعتبر النفط الليبي عالي الجودة وتكاليف استخراجه اقل تكلفة بالعالم وقد فتح ذلك شهية الدول الغربية للسيطرة على منابع النفط الليبي ورسم مسارات السياسة النفطية الليبية وفقا لحاجات النظام الراسمالي.
3_ موقع ليبيا الجغرافي المتميز بين افريقيا و اوربا , فقيام حكومة ليبية مواليه للغرب سوف يضع حدا لتدفق المهاجرين الافارقة عبر بوابة ليبيا الى الدول اوربا الغربية .
4_ التخلص من نظام القذافي الاهوج الذي يشكل قلقا للغرب ولحلفاء الغرب بالمنطقة , فالقذافي لا يتوانى عن الاقدام على تمويل اعمال تخريبية وتدميرية للمصالح الغربية .كما فعل في تفجير الملهى الليلي بالمانيا و قتل الشرطية البريطانية بالعاصمة لندن وغير ذلك من الاعمال الارهابية .
وعليه فالدول الاحتكارية التي تعاني من ازمات مالية خانقة سوف تستغل الثروات الليبية استغلالا بشعا لحل جزء من ازمتها النقدية ,
ومن الملاحظ ان الدول الغربية التي استولت على الارصدة الليبية ترفض ان تعلن عن قيمة الارصدة المجمدة في بنوكها وهوما يثير الشكوك حول النوايا التي تبيتها تلك الدول حول مصير هذة الارصدة .
ان هزيمة نظام القذافي هو نصر كبير لشعب ليبيا وللقوى الديمقراطية بالمنطقة العربية . فنظام القذافي الذي لا يختلف في دمويته وجرائمه عن النظام الصدامي قد قادت سياساتهما الدكتاتورية المعادية لتطلعات شعوبهم نحو الحرية والديمقراطية الى اضطرار معارضيهم الى الاستنجاد بالدول الاجنبية لتحرير شعوبهم من قبضتهما الحديدية. وبذلك قدما فرصا ذهبية لتدخل الدول الاستعمارية في احتلال بلدانهم ونهب خيراتها …….. #
#. عن الحوار المتمدن…..