ماذا يعني النمو الاقتصادي وما هي مؤشراته في العراق ؟
ماذا يعني النمو الاقتصادي وما هي مؤشراته في العراق ؟
• د.عادل عبد الزهرة شبيب
في تصريح سابق لأحد كبار المسؤولين في العراق أشار فيه الى ان النمو الاقتصادي للعراق شهد زيادة ملحوظة وصلت الى 10% خلال الخمس سنوات الماضية .
فهل فعلا حقق العراق هذه الزيادة؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال نود ان نلقي نظرة على معنى النمو الاقتصادي , والذي هو عبارة عن عملية يتم فيها زيادة الدخل الحقيقي زيادة تراكمية ومستمرة عبر فترة ممتدة من الزمن(ربع قرن) بحيث تكون هذه الزيادة اكبر من معدل نمو السكان مع توفير الخدمات الانتاجية والاجتماعية, ويعرف ايضا بأنه الزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها اقتصاد معين في فترة زمنية معينة وهذه السلع يتم انتاجها باستخدام عناصر الانتاج الرئيسة والمتمثلة بالأرض والعمل ورأس المال والتنظيم ,ويوصف النمو الاقتصادي بالحقيقي عند استبعاد نسبة التضخم وعدم احتسابها عند احتساب اسعار السلع والخدمات. فهل حصل ذلك فعليا في الاقتصاد العراقي ؟
فالنمو الاقتصادي في العراق لا يمكن الحديث عنه بدون تحقيق نمو في المؤشرات الاقتصادية الاجمالية والقطاعية للاقتصاد مع زيادة في حجم الاستثمار بهدف رفع وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين . ويعتبر الناتج المحلي الاجمالي احد المؤشرات المهمة حيث انه يعبر عن كفاءة الاداء الاقتصادي للبلاد وعن تطور الدخل القومي الذي سينعكس على تحسن دخل الفرد وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للفرد. كما يمكن اعتبار النفط المصر الاساسي لنمو الاقتصاد العراقي من خلال الايرادات المالية الكبيرة حيث يعتمد الاقتصاد العراقي اعتمادا كليا على الصادرات النفطية وعوائدها في تمويل الموازنة الاتحادية العامة وهو المصدر الاساسي في تمويل برامج التنمية والانفاق الاستثماري الحكومي. الا انه في العراق لم تستثمر العوائد المالية النفطية في تطوير الصناعات القائمة او انشاء صناعات جديدة وهذا ما نلاحظه من خلال الشلل الذي اصاب صناعتنا الوطنية وزراعتنا واعتماده على الاستيراد لسد حاجة السوق المحلية وتوفير سلة غذائه وفتح الباب على مصراعيه للمنتجات الصناعية والزراعية الاجنبية التي غزت اسواقنا ودمرت اقتصادنا.
كذلك يعتبر متوسط دخل الفرد احد مؤشرات قياس النمو الاقتصادي حيث ان زيادة دخل الفرد الحقيقي او زيادة قدرته على تلبية حاجاته تعني تحقق النمو الاقتصادي في البلاد الذي يؤدي الى تحسن معيشة المواطنين. ويعتبر توفير فرص عمل للمواطنين والقضاء على البطالة مؤشرا اخر للنمو الاقتصادي وكذلك توفير السلع والخدمات المطلوبة لإشباع حاجات المواطنين وتحسين المستوى الصحي والتعليمي والثقافي,كما يعكس النمو الاقتصادي تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع, اضافة الى انعكاس ذلك النمو في تحسين وضع ميزان المدفوعات وتحقيق الامن القومي للدولة.
تعتبر العدالة الاجتماعية اهم متطلبات التنمية الاقتصادية حيث ان عدم توافرها يؤدي الى اخلال في عملية التنمية, ويعكس النمو والتطور الاقتصادي الملحوظ مؤشرا للتنمية الاقتصادية .
ان السياسات السابقة للنظام المقبور قد اخرجت العراق من دائرة النمو الى دائرة التخلف حيث صنف العراق في احصائيات الامم المتحدة ضمن الدول الاكثر فقرا رغم موارده الطبيعية , والاكثر فسادا بالنسبة لمنظمة الشفافية الدولية.
هناك ايضا المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية للتنمية كالعمالة والبطالة والاجور ودخل الاسرة وتوزيع الثروة…. فهل حقق العراق تطورا في هذا المجال؟
في تقرير لصندوق النقد الدولي عن العراق,شخص بأن الاقتصاد العراقي يعاني من مواطن ضعف هيكلية حادة ويعتمد النشاط غير النفطي( الخدمات والاعمار والنقل والقطاع الزراعي الصغير) اعتمادا شديدا على الانفاق الحكومي واشار كذلك الى ان الخدمات العامة لاتزال شحيحة وان معدل البطالة مرتفع ولايزال الفقر متفشيا وان بيئة الاعمال تعاني من الضعف البالغ حيث يقبع العراق في ادنى قائمة الترتيب العالمي لسهولة ممارسة نشاط الاعمال من جراء ضعف الحكومة وعدم كفاءة النظام القضائي وعدم كفاية الامن وقلة الاستثمار الاجنبي خاصة في القطاع غير النفطي عن نظيره في البلدان الاخرى المصدرة للنفط في المنطقة .اضافة الى التناحر السياسي الطائفي المتزايد.فأي نمو اقتصادي قد تحقق؟؟ هل النمو الاقتصادي الذي يتحدثون عنه ناجم عن تحسن في اداء الاقتصاد العراقي وتجاوزه للتضخم الذي يعاني منه العراق لفترة طويلة , وزيادة منتجاته الصناعية والزراعية وتنويع مصادر دخله وازدهار ملموس لتجارته من زراعة وصناعة تحويلية ترتبط بالأسواق الاقليمية والعالمية, لا ان تكون مرتكزة فقط على صادرات النفط الخام . وهل تم تقليص الفجوة التكنولوجية بين العراق ودول العالم المتقدمة؟ وهل تم القضاء على البطالة المستفحلة وخاصة بين الخريجين من الشباب؟ وهل تم توفير السكن الملائم وتوفير الخدمات وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية؟؟
لا يمكن القول ان هناك نموا اقتصاديا في العراق يزيد على 10%,وان ما تحقق ناجم عن زيادة انتاج النفط واثر ذلك في زيادة العوائد المالية’ ولم يأتي هذا النمو من عوامل داخلية ترتبط بزيادة اسهام قطاعات الانتاج غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي ’اضافة الى ان هذا النمو يفتقر الى الاستدامة, وحتى تكون هناك استدامة فمن الضروري زيادة معدلات الانفاق الاستثماري في قطاع الانتاج غير النفطي لتنشيط الصناعة والزراعة والبناء والتشييد والسياحة والمصارف والاسواق المالية ,اضافة الى ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص المهمش في الوقت الحاضر من اجل خلق فرص العمل. وبخلاف ما يتحدثون عنه في زيادة النمو الاقتصادي في العراق بنسبة تزيد عن 10% فان اقتصادنا الوطني مازال متخلفا وحيد الجانب يعتمد اعتمادا كليا على تصدير النفط الخام دون تصنيعه وتم التركيز على الاستثمار الاجنبي في القطاع النفطي دون القطاعات الاخرى التي اهملت كليا الى جانب القطاع الخاص في ظل ظاهرة الفساد والمحاصصة الطائفية في اجهزة الدولة وافتقار الدولة للسياسات الاقتصادية والمالية وتخبطها في هذا المجال. واصبحت الدولة بأجهزتها الكبيرة دولة استهلاكية توجه العائدات المالية النفطية الكبيرة الى الاستيراد والاستهلاك بدلا من توجيهها نحو المشاريع الانتاجية التي تدر الاموال.
وفي تقريره السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي وبهدف تحقيق التنمية المستدامة في الاقتصاد العراقي اكد على:
1. ضرورة وضع خطة اقتصادية- اجتماعية استراتيجية واضحة المعالم تعتمد معرفة عميقة بخلفيات وامراض الاقتصاد العراقي.
2. توظيف امكانيات قطاع الدولة والقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي في مسار منسق ونهج سياسي ديمقراطي ثابت لانتشال البلد من تخلفه وتبعيته الاقتصادية وتخليصه من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة.
3. الاستفادة من التجارب الاجنبية بما ينسجم مع واقعنا الموضوعي وعدم استنساخها وتحديد اولويات واضحة.
4. التخطيط ضروري للإدارة العلمية للاقتصاد الوطني وهو لا يتناقض مع اللامركزية بل هو بديل للفوضى والعفوية.
5. عدم معالجة مشكلة الاقتصاد العراقي المتخلف بخصخصة قطاع الدولة وانما تكمن في تحسين استخدام موارده واستثمارها بأسلوب سليم وتوظيفها بشكل عادل وصحيح لتكون مصدرا للتقدم والرفاه وتوظيف الريع في تطوير الطاقة الانتاجية وتنويع الاقتصاد وليس بمشاريع بناء الاجهزة القمعية وعسكرة المجتمع والتسلح وبناء مرتكزات سلطة الاستبداد والدكتاتورية ولا بالحروب الداخلية والخارجية.
6. ضرورة الاستفادة من جميع انواع الملكية ( الدولة والخاص, المحلي والاجنبي ,المختلط والتعاوني) ووضعها في اطار يؤمن الاستقرار في علاقات الملكية.
7. الشروع بإعادة بناء المرتكزات الاساسية والبنى التحتية الضرورية لإعمار وتنمية الاقتصاد الوطني( الكهرباء وقطاع الطاقة عموما ووسائل الاتصال والنقل , الخدمات الانتاجية, مشاريع الاسكان الضرورية, معالجة مشكلة البطالة وتدريب الايدي العاملة الماهرة.
8. اعادة الحياة للمنشآت والمؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية والخدمية .
9. تشجيع ودعم القطاع الخاص وتأمين الحماية له من الاغراق والمنافسة غير العادلة وتوفير التسهيلات المصرفية والتأمين والخدمات كي يستعيد هذا القطاع عافيته ودوره في رفد الاقتصاد الوطني.
10. تفعيل قانون التعرفة الجمركية وقانون حماية المستهلك وقوانين التقييس والسيطرة النوعية وغيرها بهدف دعم قطاعي الصناعة والزراعة وتوفير الحماية لمنتوجنا الوطني وحماية المستهلك العراقي من السلع الرديئة الداخلة الى بلدنا.
11. تحفيز عودة الكفاءات العراقية وضمان الاستخدام الناجع لخبراتها وطاقاتها.
12. اقامة علاقات اقتصادية تجارية ومالية مع دول الجوار والبلدان العربية والعالم على اساس المصالح المشتركة والمنافع والاحترام المتبادلين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
13. والمطلوب الان هو الانطلاق الحقيقي على طريق تنمية اقتصادية- اجتماعية مستدامة ومتوازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والعناية بالكادحين والفئات الاجتماعية الاكثر تضررا واعادة توزيع الثروة بشكل عادل.
اذن لم يتحقق النمو في الاقتصاد العراقي بنسبة تزيد على 10% وحسبما قال ( د. فلاح الربيعي) في مقالته (فقاعة النمو الاقتصادي)..(( لا يعد تنمية اقتصادية بكل المقاييس ناهيك بكونه تنمية مستدامة ,ما تحقق فعلا هو تنمية للتخلف بجميع ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اسهمتا في تكريس السياسات الاقتصادية التي طبقت في العقد الذي تلا 2003 فتلك السياسات همشت قطاع الانتاج الحقيقي في تخصيصات الانفاق الاستثماري واسهمت في ذلك اعادة انتاج التخلف .))…… #
#. عن الحوار المتمدن….