الفكر السياسي

مبدأ المساواة ومهمة تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية

مبدأ المساواة ومهمة تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية

د. فلاح اسماعيل حاجم

2006 / 3 / 11

تثيرمسألة مساهمة المرأة في الحياة السياسية جدلا واسعا في اوساط المثقفين والحقوقيين والسياسيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم. وتكتسب هذه القضية اهمية استثنائية في الوقت الراهن حيث الدور الكبير الذي يمكن ان تقوم به المرأة في اعادة البناء والاسهام الفعال في التغلب على الكثير من المعضلات التي يواجهها مجتمع ما بعد الحرب والدكتاتورية, سيما وان تجربة الفترة المنصرمة اثبتت بأن المرأة العراقية كشفت عن مهارات قيادية وتنظيمية كبيرة سواءا في التنظيمات الاجتماعية والسياسية غير الحكومية, او من خلال قيادتها المباشرة للكثير من المواقع الحكومية, بما في ذلك الوزارات والمؤسسات الرسمية الهامة, ناهيك عن الدور البالغ الاهمية الذي تقوم به المرأة في مجال التربية والتعليم وفي كافة مراحله. بالاضافة الى ذلك فان المرأة باتت تشكل ركنا مهما من اركان العملية السياسية ليس في العراق وحده وانما في الكثير من البلدان ذلك ان لصوتها الانتخابي اهمية استثنائية لا يمكن تجالها باي حال. واذا كان صوت المرأة الانتخابي حاسما في ايصال مشرعينا القادمين الى خيمة برلمان دولتنا الدائم, فان ثمة خشية مشروعة لدى الكثيرين من ان يسهم هذا الصوت في تشريع الانقلاب على الكثير من الانجازات التي حققتها المرأة خلال سني نضالها المريرة, وخصوصا في ظل اشاعة الثقافة الظلامية التي تنظرالى المرأة باعتبارها مخلوق ناقص الآدمية. ان مراجعة بسيطة لاسهامات المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية ستعكس الهوّة الشاسعة بين ما تقدمه المرأة في مجال الانتاج المادي والروحي للشعوب وبين حجم المساهمة في اتخاذ القرار ورسم السياسة العامة, حيث تؤكد احدث الاحصائيات بأن نسبة النساء الممثلات في الاجهزة التشريعية للكثير من البلدان لا تؤلف سوى اقل من 10% من مجموع اعضاء تلك الاجهزة واقل منها في الوزارات والمناصب الاخرى في الدولة (وتتدنى هذه النسبة الى الصفر في بلدان الملكيات المطلقة الشرق اوسطية). هذا على الرغم من كون النساء يشكلن ما لا يقل 50 % من مجموع الناخبين. وتبدو الوضعية اكثر قتامة في البلدان النامية, وخصوصا الشرق اوسطية منها, حيث ابواب الكثير من المؤسسات الحكومية موصدة امام النساء (كمؤسسات القضاء في البلدان التي اتخذت من الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع). فيما تحرم بعض الدساتير على المرأة الترشيح لخوض الانتخابات لتولي منصب رئاسة الدولة (المادة 115 من دستور جمهورية ايران الاسلامية). ما يشكل اخلالا بالكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية وخصوصا اللائحة الدولية لحقوق الانسان (1948) والتي تنص صراحة على انه “لكل فرد الحق بالمساهمة في ادارة شؤون وطنه”. ذلك ان استقلالية المرأة والارتفاع بوضعها الاجتماعي والاقتصادي بالاضافة الى اشراكها بالحياة السياسية سيكون له اثر بالغ في تطوير ادارة الدولة من جهة, وضمان شفافية نشاط اجهزتها من جهة اخرى. وبالمقابل فأن ابعاد المرأة عن الحياة العامة ووضع العراقيل امال مساهمتها في ادارة الشؤون العامة للدولة بالاضافة الى كونه يشكل خرقا لمبدأ العدالة و تكريسا لضاهرة التمييز على اساس الجنس, وتلك مخالفة واضحة للمبادئ الدستورية المتعارف عليها, فانه (الابعاد) سيحرم المجتمع من طاقات انسانية كبيرة وسيخل بالتوازن الذي لا يمكن ان تستقيم بدونه الديمقراطية الحقيقية. من هنا تأتي الاهمية البالغة لمبدأ المساواة بين الجنسين وخصوصا في مجال رسم السياسة العامة للدولة وتفعيل آليات تنفيذ تلك السياسة. وهنا لابد من الاشارة الى ان اقصاء المرأة عن المشاركة الحقيقية في وضع سياسة الدولة وتنفيذها في الدول الاكثر تقدما يضطرها الى اللجوء للتاثير على تلك السياسة من خلال الانخراط في نشاط المنظمات السياسية والاجتماعية (غير الحكومية), او من خلال ما بات يعرف بمنظمات المجتمع المدني, وتأليف ما يمكن ان نطلق عليه محاور الضغط وذلك لانتزاع مكاسب ودفع السلطات المختلفة, وخصوصا التشريعية منها, لاتخاذ قرارات تؤمن الحد المطلوب من التكافؤ بين الجنسين. الأ ان هذه الامكانية تبدو ضئيلة, وحتى معدومة, في الكثير من البلدان النامية وذلك اما بفعل القراءات الخاطئة للتعاليم الدينية, او بسبب سيادة العقلية القبلية والتي تنظر الى المرأة من خلال موشور التقاليد والاعراف الاكثر تخلفا, وما يترتب على ذلك من امراض اجتماعية مزمنة يتطلب القضاء عليها جهدا مضاعفا سواءا من قبل الدولة, ممثلة بجهازها التشريعي, او من قبل الاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية المختلفة. وربما اكتسبت مشاركة المنظمات الانسانية الدولية, والنسوية منها على وجه الخصوص, اهمية استثنائية وخصوصا في مجال ابداء المساعدة التنظيمية ونقل الخبرة, سيما وان البعض من المنظمات النسوية الوطنية تمتلك شرف المساهمة في تشكيل تلك المنظمات (رابطة المرأة العراقية على سبيل المثال). عند تناول موضوعة مبدأ المساواة بين المرأة والرجل واشكالية تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية للدولة العراقية الجديدة اجد مناسبا الاشارة الى ان دستور العراق الدائم, ورغم تحفضنا على الكثير من مضامينه, وقانون الانتخابات العراقي اوجدا ارضية مناسبة لتفعيل دور المرأة وضمان مشاركتها في ادارة الدولة العراقية ورسم سياستها وذلك من خلال تخصيص ما لا يقل عن 25% من مقاعد البرلمان العراقي, حيث اشارت الفقرة (رابعا) من المادة السابعة والاربعين الى ان ” يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب”. فيما اشترطت المادة (11) من قانون الانتخابات على ان “تكون امرأة واحدة على الاقل ضمن اول ثلاثة مرشحين في كل قائمة, كما يجب ان تكون ضمن اول ستة مرشحين في القائمة امرأتان على الاقل, وهكذا حتى نهاية القائمة”. ومع ان النسبة المثبتة في القانون المذكور لا ترقى الى النسبة التي حددها برنامج المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة والقاضي بتحقيق نسبة لتمثيل النساء في اجهزة الدولة العليا لا تقل عن 30 % حتى العام 1995 , الا انه (قانون الانتخابات) اوجد طفرة نوعية في مجال تمثيل المرأة في المجلس النيابي للدولة قياسا بنسبة تمثيلها في برلمانات الدوّل النامية وحتى المتطورة منها. الأ أن تجربة الجمعية الوطنية السابقة وقوائم المرشحين لعضوية مجلس النواب القادم تشير الى ان حشر النساء في بعض تلك القوائم جاء تنفيذا لقواعد القانون الملزمة اكثر منه تمثيلا لجمهور النساء في اجهزة الدولة العليا. وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح اثناء استعراض الخلفية السياسية والاجتماعية للعناصر النسوية الممثلة في وزارات الحكومة والمؤسسات التابعة لها, حيث غياب القاعدة الملزمة بتمثيل المرأة. ومع ذلك فان مجرد الزام القوى السياسية بتضمين قوائمها العناصر النسوية يعد خطوة الى الامام في طريق تحقيق المساواة بين الجنسين. هذا عوضا عن التأثير الايجابي لهذا التمثيل على الحياة الداخلية للاحزاب والحركات السياسية ذاتها, ذلك انها تجد نفسها ملزمة بالتوجه لمخاطبة النساء واستمالتهن للانخراط بمعترك الحياة السياسية ما يعد بحد ذاته مكسبا للمرأة. انني ارى ان تحقيق مبدأ المساواة وتأمين المشاركة المناسبة للمرأة في ادارة شؤون الدولة ورسم سياستها يعتبر شرطا اساسيا خلال عملية اعادة البناء و التأسيس لدولة المؤسسات, واستجابة منطقية لمتطلبات الديمقراطية, ليس لان المرأة مساهما اساسيا في انتاج الخيرات المادية والروحية فقط,, بل ولانها منتجا اساسيا للحياة ايضا…. @

@ عن الحوار المتمدن…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى