القانونية

مصادر مبدأ الشرعية في الرقابة على أعمال الادارة العامة

مصادر مبدأ الشرعية في الرقابة على أعمال الادارة العامة

مصادر مبدأ الشرعية هي :
أولاً ـ المصادر المكتوبة : وهي :
1- الدستور .
2- القانون .
3- القرارات الإدارية التنظيمية .
ثانياً ـ المصادر غير المكتوبة : وهي :
1- العرف .
2- المبادئ القانونية العامة.

المطلب الأول : المصادر المكتوبة
أولاً – الدستور :
الدستور: هو مجموعة القواعد القانونية الرئيسية التي تحدد وضع الدولة وتبين شكل الحكومة وتنظم السلطات المختلفة فيها , من حيث التكوين والاختصاص مع بيان مدى العلاقة بينها وموقف الأفراد منها وتقرر ما للفرد من حقوق وحريات وما عليه من واجبات .
يستتبع ذلك أن الدستور يمثل أسمى القواعد القانونية في الدولة , ولهذا فهو يأتي من حيث الأهمية في قمة البناء القانوني للدولة , ويحكم بذلك بقية القواعد القانونية الأخرى التي يجب أن تتقيد في شكلها وموضوعها بما تقضي به القواعد الدستورية التي تعلو على ما عداها في الدولة.
ونتيجة لسمو القواعد الدستورية على بقية القواعد الحقوقية في الدولة القانونية ، فإن الهيئات الحاكمة كافة تلتزم باحترامها وتقيد تصرفاتها ضمن النطاق الذي ترسمه .
وانطلاقاً من ذلك المفهوم ، يجب على السلطة التشريعية أن تمارس اختصاصاتها ضمن الحدود المرسومة لها في الدستور .

وعلى هذا إذا اصطدم قانون أو تشريع بنص دستوري فإن السلطة التشريعية تكون قد خالفت مبدأ الشرعية لأنها عارضت في تصرفها هذا القانون الأسمى في الدولة .

ـ رقابة القضاء لدستورية القوانين :
إن موضوع رقابة القضاء لدستورية القوانين تتنازعه مذاهب مختلفة :
#  ففي إنكلترا ، حيث التقاليد والأعراف الدستورية المرنة القابلة للتبديل دون أي شكل خاص ، فإن القانون الذي يخالف قاعدة دستورية سابقة يكون قد عدلها ، وبالتالي فالقاضي لا يستطيع الامتناع عن تطبيق التشريع مهما كان مضمونه .

#  أما في الولايات المتحدة الأمريكية والنمسا ويوغوسلافيا ، فإن للقضاء سلطة تامة في رقابة دستورية القوانين .
#  بينما في فرنسا وجمهورية مصر العربية وقطرنا العربي السوري ، يبدو أنهم قد اتبعوا طريقاً وسطاً بين الاتجاهين السابقين , عن طريق إيجاد محاكم دستورية تكون مهمتها رقابة دستورية القوانين قبل إصدارها من قبل رئيس الجمهورية .
حيث  أن سوريا  وكذلك  مصر  تبنت  أسلوب  الرقابة  القضائية  فنصا على  إحداث  محكمة دستورية عليا  تتولى  دون  غيرها  الرقابة على دستورية القوانين  واللوائح .

فقد  نص الدستور السوري الدائم العام  1973 في المادة  145  على أنه  إذا اعترض  رئيس الجمهورية  أو ربع  أعضاء  مجلس  الشعب  على دستورية قانون  قبل  إصداره  يوقف  إصداره  إلى  أن تبت  المحكمة  فيه  خلال  15 يوم  منذ تاريخ  تسجيلها  الاعتراض  لديها .
ويجب التنويه هنا إلى أن الفقه الحقوقي الفرنسي والقضاء الإداري المصري يتجهان إلى ضرورة امتناع القضاء عن تطبيق القانون المخالف للدستور ، وليس أدل على ذلك مما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر في 12/7/1958 حين أعلنت بأن :

” القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه ، ومرد ذلك إلى أن الدستور ، وهو القانون الأعلى فيما يقرره ، لا يجوز أن تهدره أية أداة أدنى ، وأن وظيفة القضاء هي تطبيق القانون فيما يعرض له من القضايا …… فيجب على القضاء أن يطبق القاعدة الأعلى في المرتبة ، فيغلب الدستور على القانون ، ويغلب القانون على القرار الإداري أياً كانت مرتبته ، ويغلب القرار الإداري الأعلى مرتبة على ما هو أدنى منه ، ذلك لأن المناط في الفصل عند التعارض هو أن الأعلى يسود الأدنى ” .
ونحن نعتقد بأن على القضاء الإداري في قطرنا العربي السوري أن ينهج نفس الطريق الذي اتبعه القضاء الإداري في جمهورية مصر العربية , استناداً إلى مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى كافة , لأن ارتباط هذه القواعد بعضها ببعض وخضوع القاعدة الدنيا لما يعلوها من قواعد يؤدي إلى تحقيق نظام الدولة القانونية على أحسن وجه .

ويبدو أن القضاء الإداري في قطرنا العربي السوري قد سار فعلاً في هذا الاتجاه .
وقد اعتبرت المحكمة الإدارية العليا المصرية القانون الذي يغلق باب الشكوى والتقاضي غير دستوري , باعتبار أن حق التقاضي من الحقوق التي يحميها الدستور , لأنه من الحريات المتصلة بمصالح الأفراد .

ثانياً- القانون :
المقصود بالقانون هنا هو القانون بالمعنى الضيق , أي القواعد القانونية التي تقوم بوضعها السلطة التشريعية المختصة , الهادفة إلى تحديد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدولة .
هذه القواعد يجب أن تلتزم الحدود المرسومة لها في النصوص الدستورية تحت طائلة مسؤولية خرقها لمبدأ الشرعية .

وهذه القوانين تأتي في المرتبة التالية للقواعد الدستورية ، ويقع على عاتق الحكام والمحكومين الخضوع لها والتقيد بأحكامها
ويجب على السلطة التنفيذية أن تمارس مهامها السياسية والإدارية بشكل يتفق ومبدأ الشرعية، أي أن تعمل في نطاق القوانين التشريعية وتتقيد بأحكامها ، وإلا عرضت تصرفاتها لعدم المشروعية , وبالتالي إلى الإلغاء أو التعويض عما تحدثه من أضرار للأفراد .
وهذا يعني أن الهيئة التنفيذية تخضع في ممارستها لوظائفها واختصاصاتها لما تضعه الهيئة التشريعية من قوانين ، ويوصف هذا الخضوع بأنه خضوع وظيفي وليس خضوعاً عضوياً , لأن أعضاء السلطة التشريعية لا يتمتعون بسلطة رئاسية على عمال الهيئة التنفيذية .
ولكن يجب التنويه إلى أن بعض الدساتير قد تشرك الهيئة التنفيذية في عملية التشريع إلى جانب الهيئة التشريعية صاحبة الحق الأصلي ، وهذا ما لجأ إليه الدستور الفرنسي لعام 1958 عندما حدد في مادته /34/ الموضوعات التي يمكن أن تصدر بشأنها قوانين من قبل السلطة التشريعية , في حين أن الموضوعات التي لم يرد لها ذكر في هذه المادة تقوم الهيئة التنفيذية بإصدار اللوائح القانونية اللازمة لتنظيمها .
وفي هذه الحالة تعتبر القاعدة القانونية التي تضمنتها اللائحة غير قابلة للتعديل من جانب الهيئة التشريعية , لأنها تدخل في نطاق الاختصاص الذي احتفظ به الدستور للسلطة التنفيذية .

ثالثاً- القرارات الإدارية التنظيمية :
إن القرارات الإدارية التنظيمية ( اللوائح ) التي تصدر عن السلطة التنفيذية ، بقصد ممارستها لاختصاصاتها ولإدارة المرافق العامة وتسييرها , تعد من حيث طبيعتها وموضوعها أعمالاً تشريعية , لأنها تنشئ قواعد قانونية ( عامة ومجردة ) .
وهذه القرارات التنظيمية تطبق على الجميع أو على طائفة من الأفراد دون تحديد لذواتهم , وهذا هو شأن القوانين التي تقوم الهيئة التشريعية بوضعها .
إذن هذه القرارات التنظيمية أو اللوائح تعد ذات طبيعة تشريعية إذا نظرنا إليها من الناحية الموضوعية ، ولكنها تكون عملاً إدارياً من حيث النظر إلى الجهة المصدرة لها , وهي الهيئة التنفيذية .
ونتيجة لهذا فإن القرار الإداري التنظيمي يعد أحد عناصر البناء القانوني للدولة ، وبالتالي مصدراً من مصادر مبدأ الشرعية .
ولكن يلاحظ أن ذلك المصدر يأتي في سلم التدرج التشريعي في المرتبة الثالثة بعد النصوص الدستورية والقوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية .
إذن حتى تكون اللائحة ملتزمة بمبدأ الشرعية يجب على واضعيها التقيد من حيث الشكل والمضمون بأحكام القواعد القانونية التي تعلوها في الدرجة , وإلا أصبحت محلاً للطعن فيها أمام القضاء لتصحيح الوضع الخاطئ وحماية مبدأ المشروعية .
كما يمكن للإدارة إذا ما تنبهت لعدم مشروعية اللائحة الصادرة عنها أن تلجأ إلى إلغائها أو تعديلها حسب ظروف الحال .
ويجدر التنويه هنا إلى أنه بالرغم من أن اللوائح هي من عمل الإدارة ، وأنها تستطيع إلغاءها أو تعديلها في أي وقت شاءت , إلا أنها ملزمة بالخضوع لأحكامها طالما استمرت في وجودها وتطبيقها .
وينجم عن هذا الوضع أن الإدارة ملزمة بالتقيد بأحكام اللوائح الصادرة عنها ، وبالتالي لا يجوز لها إصدار قرارات فردية مخالفة لها تحت طائلة عدم شرعية مثل هذه القرارات وتعرضها للإلغاء عند الطعن فيها ، وكذلك المطالبة بالتعويض عما تحدثه من أضرار بالأفراد.
وهذا يعني أن القرارات التنظيمية التي هي من نوع اللوائح لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها من قبل الإدارة إلا بأداة من مستواها أو أعلى منها كالقانون .
تعرضنا للمصادر المكتوبة لمبدأ الشرعية , وهي حسب ترتيبها في الأهمية والدرجة تبدأ بالنصوص الدستورية , ثم تليها القوانين التي تضعها الهيئة التشريعية , وأخيراً القرارات التنظيمية ( اللوائح ) التي تصدر عن الجهات الإدارية .
ويجب على الإدارة في الدولة القانونية أن تخضع لهذه المصادر في تصرفاتها آخذة بعين الاعتبار أهميتها ودرجة قوتها , تحت طائلة خرق مبدأ سيادة القانون , وبالتالي تعريض تصرفاتها للإلغاء أو للتعويض

المطلب الثاني : المصادر غير المكتوبة:
مبدأ الشرعية لا يعتمد فقط على القواعد القانونية المكتوبة ، بل يستند أيضاً إلى مصادر غير مكتوبة , وهي :

أولاً : العرف :
و هو مجموع القواعد الناجمة عن الاستعمال الراسخ المتأصل في مجتمع ما ، والمعتبرة واجبة الاحترام ولازمة التطبيق كالقانون .
فهو إذن يمثل قاعدة حقوقية عامة ومجردة نابعة عن تعامل الناس بشكل ثابت ومطرد .
ولهذا فإنه يعد مصدراً لمبدأ الشرعية , وذلك على اختلاف أنواعه , إذ يوجد عرف في ميدان القانون العام , وكذلك في دائرة القانون الخاص .
ويجدر التنويه إلى أن القانون الوضعي عندنا يعتبر العرف مصدراً من المصادر المنشئة للقواعد القانونية .
وتعتبر القواعد العرفية في إنكلترا مصدراً هاماً وأساسياً للقواعد القانونية .
ويهمنا في دراستنا هذه العرف الإداري الذي يعبر عن سلوك معين تلتزمه الإدارة باختيارها وبصفة منتظمة ومطردة , وبالتالي يصبح بمثابة القاعدة القانونية الواجبة الإتباع ما لم تلغ أو تعدل بقاعدة قانونية أخرى .
ويشترط لاعتبار العرف ملزماً للإدارة أن يتوافر فيه شرطان :
1-  أن يكون العرف عاماً وأن تطبقه الإدارة بصفة دائمة وبصورة منتظمة :
فإذا لم يتحقق هذا الشرط فلا يمكن اعتبار السلوك أو التصرف الذي جرت على مقتضاه الإدارة عرفاً ملزماً لها .
إن هذا الشرط قد وضعه القضاء الإداري ، وهذا يبدو واضحاً في حكم صادر عن محكمة القضاء الإداري المصرية عندما نص على أنه :
” وإن كان العرف الإداري هو بمنزلة القاعدة القانونية بحيث تعد مخالفة هذا العرف مخالفة للقانون ، إلا أنه يجب أن يكون العرف الإداري ثابتاً مستقراً ، كأن تكون الإدارة قد سارت  على سنن معينة وباطراد المدة الكافية والتزمت به دائماً وطبقته في جميع الحالات الفردية  “.
2- ألا يكون العرف الإداري قد نشأ مخالفاً لنص قائم .
وقد نص الشارع على العرف كمصدر رسمي للحق الموضوعي , غير أنه من حيث تدرج
القاعدة القانونية يأتي في المرتبة الثالثة بعد التشريع وأحكام الشريعة الإسلامية ، ومن ثم فلا يجوز للعرف أن يخالف نصاً قائماً ، ويستوي في ذلك أن يتخذ النص صورة قانون أو لائحة أو قرار أو أي نص قانوني مكتوب .
وقد أيدت محكمة القضاء الإداري المصرية هذا الشرط في أحكام متعددة .
ويحق للإدارة التي ألزمت نفسها بتصرف أو سلوك معين بشكل منتظم وثابت أن تعدل نهائياً عن ذلك السلوك إذا ما اقتضى التطور الإداري ذلك .
ولكن لا يجوز للإدارة أن تخالف العرف الساري في حالة فردية بالرغم من استمرارها في تطبيقه على الحالات الأخرى تحت طائلة مخالفة مبدأ الشرعية .

 

المصدر : محاضرات كلية الحقوق – السنة الثالثة…. #

#.   عن الموسوعة القانونية

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى