الفكر السياسي

من وحي التاسع من نيسان 2011: مكافحة الفساد أم دولة ادارة الفساد

من وحي التاسع من نيسان 2011: مكافحة الفساد أم دولة ادارة الفساد

رشاد الشلاه

2011 / 4

لابد عند التوقف هذا العام عند مناسبة التاسع من نيسان سنويا لاستخلاص العبر في ما كان ايجابا او سلبا جراءها طيلة السنوات الثماني الماضية ، التمعن في اقترانها بأحداث جسام، لازالت تتنامى اثر الانتفاضات التي شهدتها شعوب المنطقة وادت الى سقوط انظمة قمعية اشتركت بسمة الدمج ما بين سلطة الحاكم الفرد وعائلته والمقربين و نهب موارد الدولة، والتنكر لحقوق شعوبها المشروعة بل والغاء اراداتها، انتفاضات لم يشهد تاريخ هذه الشعوب مثل اتساعها وتحقيق مطالبها الأولية، وهي آخذة بالانتشار لتشمل انظمة اخرى تقاسم الانظمة الساقطة هوية تلك الصفات مع التمسك بحكم أبدي مغتصَب رغم تنوع تسمياته.

ومثلما صار التاسع من نيسان العام 2003 في ذاكرة العراقيين فاصلا بين عهد ديكتاتوري منفرد في بطشه، وبين عهد تعشموا أن يكون بديلا طالما حلموا به وكان اكثرهم أملا هم ضحايا ذلك النظام ، بديلا يؤسس لدولة ديمقراطية تبني العراق المنشود الزاخر بالطاقات البشرية والموارد الهائلة، وخبرة نضالية ثرة لقوته السياسية الوطنية في الدأب والاخلاص لتحقيق ذلك الحلم المنشود. فأن تواريخ انتفاضات شعوب المنطقة في مطلع العام 2011، صارت هي الاخرى فاصلا بين عهود انظمة قادتها سادة وشعوبها عبيد، وحمت نفسها بأدوات الترهيب والرشى والشعارات الوطنية والقومية التي اهترأت على واجهات اجهزتها الاعلامية.
إن انتفاضات شعوب المنطقة التي شهدها مطلع العام 2011 وما تزال تتعاظم، و التي اذهلت و فاجأت اكثر المحللين والمتابعين لتطورات الاوضاع في هذه المنطقة بوسائل استقطاب الألوف لها من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية لم تستثمرها جميع الاحزاب والانشطة السياسية قبلها، وبسرعة تداعيتها، فأنها تشير الى التأثير المتبادل بين التجربة العراقية في فترة ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري رغم كل علاتها وانتكاساتها، والتجارب النضالية لدى جماهير المنطقة، والتي ادت المنجز الاهم والاول المتمثل بتحطيم حاجز الخوف من الانظمة الشمولية المتسلطة منذ عقود، ولكن لا يبدو حتى في هذه الايام التي تغلي فيها شوارع مدن المنطقة والعراق منها، أن هناك استيعابا جديا لعبر دروس سقوط النظام الدكتاتوري واحتلال الوطن ، وبالتالي ادراك مديات تداعيتها لدى الفئات المتسلطة المتنازعة فيما بينها وفي اجواء انعدام الثقة بين أطرافها، ولتؤكد التظاهرات السلمية المستمرة في المحافظات العراقية المختلفة المطالبة بتحقيق الوعود الانتخابية ، عمق الازمة المستفحلة العاصفة في البلد. فقد مر اكثر من عام على تلك الانتخابات، ولاتزال الكتل الفائزة في الانتخابات النيابية الماضية عاجزة عن الاتفاق على استكمال القوام الوزاري بتسمية وزراء الوزارات السيادية وحتى الخدمية منها، ولا يزال الوضع الامني مرتبكا امام الجرائم الارهابية وعمليات الاغتيال المنظمة، اما تردي الخدمات والبطالة، وتلكؤ البرلمان في تشريع القوانين الحاسمة كقانون الاحزاب وتعديل قانون الانتخابات، فهي أيضا مظاهر اخرى على حدة وتفاقم هذه الازمة، ولا يبدو ان هناك افقا رحبا لخروج الوطن من عنق الزجاجة بعدما تفاقم عدد من المظاهر السلبية و استفحلت آفة الفساد السياسي الموروثة عن العهد الدكتاتوري وفي جميع المستويات لينتعش بظلها الفسادان المالي والاداري، فصارت الازمات حاضنات تفريخ لسلسلة أزمات مترابطة ومتواصلة، وبعد ثمان سنوات على التاسع من نيسان تخطى توصيف الدولة العراقية الحالية من دولة تجهد في مكافحة الفساد الى دولة ادارة الفساد….. *

*. عن الحوار المتمدن….

زر الذهاب إلى الأعلى