نظرة قانونية:الدستور العراقي واشكالية تنظيم العلاقة بين المركز والاطراف
نظرة قانونية:الدستور العراقي واشكالية تنظيم العلاقة بين المركز والاطراف
د. فلاح اسماعيل حاجم
2005 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية
باقراره الدستور الدائم, بعد مخاض عسير, يكون الشعب العراقي قد وضع اللبنة الاولى في اساس البناء الجديد للدولة العراقية المعاصرة. واذا كانت الظروف الشائكة التي رافقت عملية صياغة مسودة الدستور الدائم قد القت بظلالها على هذه الوثيقة, فان ظروفا لا تقل تعقيدا, ان لم تكن اشد, ستعترض تنفيذ الكثير من القواعد الدستورية, تلك القواعد التي يحمل كل منها نقيضه الواضح المخبأ, سيما وان صاغة دستورنا ذهبوا لاحالة اشد القضايا حساسية الى ما بعد اقامة المؤسسات الدولة الدائمة ما يجعل الباب مفتوحا امام معضلات كبيرة سيؤثر تأجيل البت بها على مجمل عملية بناء المؤسسات الدستورية للدولة واعادة الاعمار وتفعيل العملية الديمقراطية وغيرها من المهمات التي لا يمكن ان تستقيم بدونها الدولة ككيان سيا- قانوني. وربما برزت قضية التحديد النهائي لشكل الدولة وتنظيم العلاقة بين المركز الفيدرالي والاطراف كواحدة من المعضلات التي يتطلب التغلب عليها جهودا استثنائية قد تفوق ما تم انجازه لحد الآن, ذلك ان ما انجز لحد الآن لا يعدو ان يكون مشروعا نظريا سيبرز تطبيقه الى السطح جملة من الاشكالات لا اعتقد ان بامكان دستورنا الوليد بقادر على اعطاء اجابات محددة عليها, حيث احال الدستور الى التشريع الفرعي (القانون) مسائل غاية في الاهمية والحساسية, تفيد تجربة البلدان الفيدرالية بانها كانت السبب في تصدع كيان الدولة وبروز النزعات الانفصالية, ومن تلك المسائل, على سبيل المثال, ادارة الثروات العامة واسلوب توزيعها (المادة 110- اولا والمادة 111 اولا). ولا اعتقد ان هناك اثنين يختلفان على ان العراق بكامله كان متضررا من السياسة الهوجاء التي انتهجها النظام الشمولي المقبور, وان اعادة الاعمار ينبغي ان تتم وفق خطة برنامجية شاملة لا داعي لاقحام القانون الاساسي للدولة بتفاصيلها, ذلك ان للدستور طبيعة ستراتيجية تفترض الديمومة والثبات وان اغراقه بموضوعات ذات طبيعة مرحلية وآنية سيجعله اقرب الى الاعلان السياسي البرنامجي منه الى الوثيقة القانونية والتي يفترض ان تكون ذات طبيعة تأسيسية. بالاضافة الى ذلك فانه ليس من العسير اكتشاف التناقض الواضح الذي وقع به مشرع الدستور حين ادرج المادة 110 – اولا وثانيا مارة الذكر ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية في حين يتضح من النص الوارد فيها قيام “الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز…….مع حكومات الاقاليم والمحافظات….”. على انه لابد من التنويه هنا بان احالة تنظيم الموضوعات آنفة الذكر (توزيع الموارد وادارة الدولة لها وتنظيم امور الجمارك والضرائب….الخ) الى القانون الفرعي يعتبر من الامور المتعارف عليها في المنظومة الحقوقية للكثير من البلدان التي اتخذت من الفيدرالية شكلا للدولة, ذلك لأن الطبيعة السياسية لتلك القضايا يتطلب حوارا بين المكونات السياسية – الاجتماعية (المركز الفيدرالي والاطراف في الحالة العراقية الراهنة). من هنا يبدو مبررا قرار القوى العراقية المختلفة بترحيل الكثير من القضايا الى مرحلة ما بعد اقامة المؤسسات الدستورية الدائمة. ومن هنا ايضا يبدو ضروريا اعتماد التوافق اسلوبا لانضاج مشاريع القوانين المنظمة للعلاقات مارة الذكر, ذلك ان الارتهان الى الاغلبية البرلمانية في حسم القضايا الاكثر اهمية في الوقت الراهن سيبرز من الاشكالات اكثر مما سيطرحه من حلول. وفي جميع الاحوال فان على القاعدة القانونية (ضمن التشريع الفرعي) باعتبارها تتويجا وانعاسا للقاعدة السياسية أن تشكل الحصيلة النهائية للمساومة بين المكونات القومية والطائفية والاثنية والسياسيةالمختلفة.
ان من المسائل اللافتة في الدستور العراقي الدائم والتي ينبغي التوقف عندها ما ورد في المادة 63 والقاضية بأن “يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى ڊ,,مجلس الاتحاد,, يظم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم….” ومع ان المادة المذكورة ذهبت الى احالة تكوين المجلس المذكور وحجم اختصاصاته الى قانون رئيسي (باغلبية الثلثين), الا ان اهمية المجلس المذكور وطبيعته التمثيلية تجعله يرقى الى مستوى مجلس النواب, سيما وان المادة المذكورة جعلت من التشريع واحدا من اختصاصات المجلس المذكور, ناهيك عن طبيعته التمثيلية, بالاضافة الى ان واحدا من المبادئ الاساسية في التنظيم المرتقب للدولة العراقية سيكون مبدأ المساواة التامة بين اطراف الفيدرالية, ما يجعل من التعديل الدستوري لتثبيت الوضعية القانونية لمجلس الاتحاد امرا واردا, ذلك انه سيشكل القطب الثاني في السلطة التشريعية العراقية. بالاضافة الى ذلك فان تنفيذ الاحكام الواردة في المادة المذكورة سيغني عن تنفيذ نص المادة 103 والتي قضت بأن “تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في المشاركة العادلة في ادارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات والزمالات الدراسية والوفود والمؤتمرات الاقليمية والدولية وتتكوّن من ممثلي الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم…”. حيث سيكون كل ما ورد في المادة المذكورة من ضمن وضائف مجلس الاتحاد (المادة 63) ولجانه المختلفة. وهنا ارى من الضروري الاشارة الى ان ما ورد في المادة 103 يعتبر مثالا واحدا فقط على اغراق مواد الدستور باسهاب وتفصيل ما كان ينبغي ان يحصل في القانون الاساسي لدولتنا.
ان واحدة من المسائل التي لم تجر اية اشارة بصددها في الدستور العراقي الدائم هي مسألة اعتماد العقد الفيدرالي كاسلوب لتنظيم العلاقة بين السلطات الفيدرالية (الاتحادية) وسلطات الاقاليم, وبين سلطات الاقاليم فيما بينها. فاذا كانت المهمة الاولى للقوانين (الرئيسية والفرعية) هي كيفية توزيع الخيرات وادارتها, فان العقد الدستوري يقوم بتحديد حجم الاختصاصات الموكلة لكل من السلطات الاتحادية وسلطات الاطراف, بالاضافة الى العقود والاتفاقيات التي تبرمها سلطات الاقاليم فيما بينها, بما في ذلك اتفاقيات المحافظات للانتظام في طرف فيدرالي (اقليم). في حين منح الدستور العراقي مجالس المحافضات (المادة 116 اولا) وعشر الناخبين في كل محافظة يروم تكوين الاقليم (المادة 116 –الثاني) الحق بالمطالبة في اجراء الاستفتاء لتكوين الاقليم.
انني ارى ان اعتماد الديمقراطية اسلوبا في الحكم والاقرار بمبدأ التعددية السياسية والقبول بمبدأ حق تقرير المصير والاتحاد الاختياري لمكونات الشعب العراقي سيجعل من الوحدة الوطنية ليس هدفا فحسب, بل ووسيلة لاقامة دولة الحق والمؤسسات أيضا. .$
$ عن الحوار المتمدن…