القانونية

نظرة قانونية:المعالجــة القانونيــة لتفعيــل الحــق الانتخابــي للمــرأة

نظرة قانونية:المعالجــة القانونيــة لتفعيــل الحــق الانتخابــي للمــرأة

د. فلاح اسماعيل حاجم

2005 / 3 / 8

احتلت مسألة ممارسة الحقوق السياسية للمرأة بشكل عام وحقها الانتخابي على وجه الخصوص حيزاً واسعا من اهتمام المفكرين والسياسيين وعلماء القانون؛ ويزداد هذا الاهتمام وتتسع دائرة انتشاره في الوقت الراهن حيث افرزت الانتخابات العراقية التي اجريت في الثلاثين من كانون الثاني الماضي جملة من المعادلات ربما يكون من بين اهمها الدور الكبير الذي من الممكن ان يلعبه الصوت الانتخابي للمرأة العراقية سواءاً في تحديد نتائج الانتخابات او من خلال التأثير على القرارات التي سيتوجب على البرلمان القادم اتخاذها في المستقبل القريب سيما وان المرأة ستشغل ما لا يقل عن ربع المقاعد البرلمانية وذلك وفقا لقانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية وقانون الانتخابات العراقية؛ وتلك نسبة لا اعتقد ان اثنين يختلفان على مدى ثقلها داخل الجمعية الوطنية. لكن اشد ما يمكن خشيته هو امكانية استخدام تلك الاصوات في الجمعية الوطنية الانتقالية سواءاً من للاجهاز على المكاسب التي كانت ثمرة نضال مرير وطويل او لتمرير القرارات التي من شأنها الاخلال بمبدأ المساوات والذي كان من الشعارات الرئيسية في الحملة الانتخابية لجميع الكيانات والتحالفات السياسية. ويبدو ذلك ممكنا في الظرف العراقي الراهن حيث المساومات السياسية وتمرير القرارات من خلال التحالفات تبدو اكثر قوة من الالتزام بالوعود الانتخابية. من هنا تأتي اهمية تناول موضوعة المعالجة القانونية لتفعيل الحق الانتخابي للمرأة والوقوف عند ما توصل اليه التراث الانساني فيما يخص ممارسة الحقوق السياسية بالنسبة للمرأة وحقها الانتخابي على وجه الخصوص.
يذهب الكثير من المفكرين الى اعتبار الحق الانتخابي واحداً من الحقوق التي تؤلف الى جانب حرية الرأي والاعتقاد والمساواة امام القانون ما بات يعرف في الادبيات السياسية والقانونية بحزمة الحقوق الطبيعية للافراد؛ تلك الحقوق التي يعود تفعيلها المعاصر الى عهد الثورات البرجوازية؛ مع ان الكثير من تلك الحقوق وجد تجلياته في المنظومات الحقوقية للكثير من البلدان حتى قبل ظهور القوانين الاساسية (الدساتير)؛ فموضوعات مثل حرية التفكير والرأي والاعتقاد والنشر وغيرها كانت في الصميم من تعاليم فلاسفة اليونان والاغريق ومفكري عصر النهضة في اوروبا وحركة الاصلاح في العالم الاسلامي وحتى في الكتب المقدسة للاديان السماوية. لكن مسألة المعالجة الدستورية للحقوق السياسية وآليات ممارسة تلك الحقوق وضمانات الدفاع عنها من عسف السلطات حصلت على تطوّر هائل وخصوصا بعد الحرب الكونية الثانية؛ اذ قلما نجد دستورا من دساتير الجيل الثاني (الدساتير التي تم سنها بعد الحرب العالمية الثانية) خاليا من الفصول الخاصة بالحقوق والحريات الاساسية وخصوصا السياسية منها؛ فموضوعات مثل التكييف القانوني لنشاط الاحزاب السياسية والتشريعات الانتخابية؛ وهي الاهم في حزمة الحقوق السياسية؛ اصبحت من الموضوعات الاساسية التي حضيت باهتمام السياسيين والمشرعين على حد سواء وخصوصا في الدوّل الديمقراطية. على ان تفعيل الحق الانتخابي بالنسبة للنساء يعود الى الربع الاخير من القرن التاسع عشر حيث ذهب التشريع الانتخابي لولاية ويومنج الامريكية الى منح نساء الولاية امكانية المشاركة في الانتخابات في العام 1869؛ فيما اقر التشريع الانتخابي الفيدرالي هذا الحق (التعديل التاسع عشر للدستور الامريكي) فقط في عام1920. ولا يزال الجدل دائراً حول مسألة الممارسة السياسية للمرأة حيث اعتبرت تشريعات الكثير من الدول حق ممارسة الحق الانتخابي حكراً على الرجال تحت ذريعة مفادها ان المرأة غير قادرة بحكم تركيبتها النفسية والجسمانية على ممارسة العمل السياسي والخوض في صراعات هي من شأن الرجال؛ لكن اثبات المرأة لقدرتها على القيادة و حتى تفوقها في بعض المجالات بالاضافة الى النظال الطويل الذي خاضته حركات الاصلاح والقوى السياسية المتنورة والمنظمات الدولية مثل هيئة الامم المتحدة اعتبرت حرمان المرأة من حقها الانتخابي جريمة سياسية واخلاقية منافية للقيم الانسانية. ان مراجعة بسيطة للدساتير والتشريعات الانتخابية توضح لنا بأن ممارسة الحق الانتخابي للمرأة كان مضموناً قبل الحرب العالمية الاولى فقط في بعض الدول الاوربية (النروج وفتلندا والدنمارك واستراليا ونيوزلندا) فيما قامت الكثير من البلدان بالغاء التمييز بين المرأة والرجل في وقت لاحق (هولندا 1917؛ بريطانيا 1918؛ المانيا 1919؛ الولايات المتحدة 1920؛ السويد 1921؛ فرنسا 1944؛ ايطاليا 1945؛ اليابان 1946) وربما كانت سويسرا من بين اخر الدول الاوربية التي منحت المرأة حق الانتخاب (1971). اما في المشرق العربي فقد تناولت التشريعات الانتخابية باشكال مختلفة مسألة التكييف القانوني للحق الانتخابي للمرأة العربية ففي سوريا على سبيل المثال لم تتمكن المرأة من ممارسة حقها الانتخابي الأ على اساس الدستور الثالث للدولة اي في العام 1949؛ اما في جمهورية مصر العربية فقد اعتبر قانون الانتخاب المصري لعام 1956 مشاركة المرأة في الانتخابات طوعية فيما جعل تلك المشاركة اجبارية بالنسبة للرجل؛ لكن القانون الانتخابي المصري لعام 1979 خصص 30 مقعداً للنساء في البرلمان المصري؛ الأ ان هذا القانون سرعان ما الغي من قبل المحكمة الدستورية المصرية تحت ذريعة الاخلال بمبدأ المساوات بين المرأة والرجل وخشية ان يدفع ذلك المنظمات الاجتماعية (غير النسوية) للمطالبة بحصص (كوتا) انتخابية خاصة داخل البرلمان. وقد وجد نظام الكوتا الانتخابية انعكاسه في التشريع الانتخابي المغربي الذي سمح بخوض الانتخابات بقائمة نسوية وطنية ممثلة لمختلف التيارات السياسية الفاعلة في المجتمع المغربي وهذا ما اتاح نسبة معقولة من التمثيل في المجلس النيابي المغربي. وتكتسب موضوعة تفعيل الحق الانتخابي للمرأة في بلدان الخليج العربي اهمية استثنائية ذلك ان اشراك المرأة في الحياة السياسية للدولة اضافة الى كونه يعتبر معياراً لمدى التزام تلك الدوّل باللوائح والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان فانه اصبح مطلباً ملحاً يشكل التغاضي عنه دليلاً على خرق تلك الدوّل لقواعد دساتيرها الوطنية. وهنا لابد من الاشارة الى ان خطوات كبيرة قامت بها كل من دولة قطر ومملكة البحرين اللتان دخلتا الالفية الثالثة مع الاصلاحات الدستورية حيث تخلو التشريعات الانتخابية لكلا البلدين من مانع الجنس الانتخابي. وفي المقابل يبدو ان معركة المرأة الكويتية في سبيل انتزاع حقها الانتخابي تقترب من نقطة الحسم. وتكمن في موقف البرلمانيين الكويتيين من قضية اشراك المرأة في الحياة النيابية مفارقة كبيرة ذلك ان التجربة الدستورية للكثير من الدول تفيد بان ممثلي الشعب (اعضاء البرلمان) عادة ما يكونوا اكثر ليبرالية من الجهاز التنفيذي للسلطة.
اما في بلدنا فقد اكد قانون الانتخابات العراقية في قسمه الرابع ما تضمنته الفقرة ج من المادة الثلاثين من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية والقاضية بان لا تقل نسبة تمثيل النساء عن ربع اعضاء الجمعية الوطنية. وبذلك يكون قد ضمن للنساء العراقيات نسبة من التمثيل تفوق بكثير نسبة تمثيلهن حتى في اكثر البلدان عراقة بالديمقراطية.
انني ارى ان معالجة الحق الانتخابي للمرأة ينبغي ان تتم في ضوء كامل حقوقها الاساسية الاخرى؛ المدنية منها والسياسية؛ وبالارتباط مع تلك الحقوق ذلك ان اختزال حقها الانتخابي من حزمة حقوقها الشخصية والاجتماعية سيجعل من تلك الاصوات الثمينة الوسيلة الاكثر سهولة لتكريس واقع ربما سيكلف الخروج منه التفريط بحقوق اخرى اكثر اهمية.
موسكو / روسـيا
2005…….. 🌹

🌹عن الحوار المتمدن….


facebook sharing button
twitter sharing button
pinterest sharing button
email sharing button
sharethis sharing button

زر الذهاب إلى الأعلى