نظرة قانونية: المعالجة القانونية لتنظيم العمل داخل الجهاز التشريعي للدولــة
نظرة قانونية: المعالجة القانونية لتنظيم العمل داخل الجهاز التشريعي للدولــة.
د. فلاح اسماعيل حاجم
2005 / 3 / 25
عكست الجلسة الافتتاحية للجمعية الوطنية العراقية (برلمان الفترة الانتقالية) وقبلها جلسات المجلس الوطني العراقي المؤقت ضعفاً ملحوظاً في اداء الاجهزة الوليدة للدولة العراقية؛ وخصوصاً في مجال التنظيم الداخلي لتلك الاجهزة؛ وان دل ذلك على شئ انما يدل على مدى التأثير السلبي لغياب التقاليد الديمقراطية في حياة الدولة والمجتمع والابعاد التعسفي للمواطن عن المساهمة الفعلية في ادارة شؤون الدولة وتعزيز رابطة المواطنة الحقة لديه؛ حيث عاشت الدولة العراقية منذ تأسيسها في بدايات القرن المنصرم في ظل انظمة شمولية تفتقر الى ابسط مقومات دولة الحق. من هنا ارى ضرورة الخوض في مختلف الجوانب النظرية لموضوعة البرلمانية بشكل عام وجانبها العملي على وجه الخصوص؛ اي الكيفية التي تدار بها مختلف نشاطات البرلمان وخصوصا في مجال مناقشة مشاريع القوانين وانضاج الصيغة النهائية لها بالشكل الذي يؤمن سن تشريع متكامل يلبي متطلبات المرحلة الانتقالية ويؤسس لحياة برلمانية على ارضية صلبة. بالاضافة الى ذلك فان الالتزام بنصوص الانظمة الداخلية للبرلمان؛ والتي يطلق عليها بعض الحقوقيين تسمية القوانين الداخلية لاهميتها؛ تمنح مشروعية اكبر لقرارات الجهاز التشريعي وتقلص امكانية الطعن بتلك القرارات. على انه لابد من الاشارة خلال تناول موضوعة الانظمة الداخلية للبرلمان الى ان فقهاء القانون الدستوري اختلفوا في تحديد الطبيعة القانونية لتلك الانظمة؛ ففي حين ذهب بعضهم الى اعتبار الانظمة الداخلية للبرلمان واحداً من المصادر الاساسية للقانون الدستوري بسبب احتوائها على القاعدة القانونية من جهة وبسبب تنظيمها لعمل واحدة من اهم السلطات في الدولة من جهة اخرى؛ قلل اخرون من اهميتها بحجة افتقارها الى صفة العمومية والتي تعتبر من اهم خصائص المصدر القانوني. على اننا نميل الى رأي الفريق الثالث الذي وان اكد على احتواء الانظمة الداخلية على القواعد القانونية فانه احالها الى التشريع الفرعي مما يقلل من قوتها القانونية قياساً بالمصادر الاخرى. هذا بالاضافة الى محدودية سريان قواعد الانظمة الداخلية سواءاً بالنسبة للاشخاص؛ اذ تسري احكام تلك القواعد على اعضاء الجهاز التشريعي لاغير؛ او من ناحية المكان؛ حيث لا يتجاوز سريان تلك القواعد قاعات البرلمان واروقته احياناً.
اما بخصوص النشاطات البرلمانية ذاتها فانها تتجلى باشكال مختلفة ربما يقف في المقدمة منها عمل اللجان البرلمانية المختلفة والتي تؤلف العمود الفقري لكامل التركيبة البرلمانية. حيث تذهب اغلب التشريعات والانظمة الداخلية الى توزيع اعضاء البرمان المنتخبين ؛ عدا رئيس البرلمان ونائبه (او نوابه)؛ على لجان الاختصاص المختلفة. فيما تعتبر الدورة البرلمانية الشكل الرئيسي للغالبية العظمى من البرلمانات في العالم. ويتوزع الوقت المحدد للدورة البرلمانية بين النشاط التشريعي للبرلمان (وهو الاهم بطبيعة الحال) ومراقبة اداء الجهاز التنفيذي للدولة؛ بالاضافة الى عمل النواب في دوائرهم الانتخابية. وكثيرا ما يستثمر ممثلو الشعب العطلة البرلمانية؛ اي الحيز الزمني بين دورتين؛ للقاء بناخبيهم والقيام بالنشاطات السياسية المختلفة. ويميز المختصون بالقانون الدستوري بين الدورة البرلمانية العادية والدورة الطارئة. وعادة ما تتم دعوة البرلمان الى الانعقاد مرة واحدة في السنة (كما في المملكة المتحدة وجمهورية مصر العربية)؛ او مرتين (كما في اغلب البرلمانات). وليس غريباً على تأريخ الحياة البرلمانية نظام الدورات الثلاثة (بلغاريا سابقاً). وتذهب اغلب التشريعات الى اعتبار مهمة دعوة البرلمان الى الانعقاد من اختصاص رئيس الدولة؛ الا ان عدم قيام الرئيس بهذه المهمة لا يلغي مسؤلية النواب عن انعقاد البرلمان في الوقت الذي يحدده التشريع. فيما تعني نهاية الفترة الدستورية للدوررات البرلمانية العادية ايقاف التمويل المالي لنشاطات البرلمان من خزينة الدولة. اما الدورات الطارئة فعادة ما يتم انعقادها بدعوة من رئيس الدولة و بناءاً على طلب من مجموعة من اعضاء البرلمان. وتختلف التشريعات في تحديد عدد نواب البرلمان الذين بامكانهم الطلب الى الرئيس لدعوة الجهازالتشريعي للانعقاد في دورة طارئة. ففي حين تراوحت اعداد النواب الذين يتم انعقاد الدورة الطارئة بناءاً على طلبهم بين ثلث اعضاء البرلمان او نصفهم ذهبت تشريعات اغلبية البلدان النامية الى اشتراط طلب اكثرية الثلثين لانعقاد الدورة الطارئة. وقد اتاح التشريع الفرنسي للجهاز التنفيذي (الحكومة) امكانية الطلب الى رئيس الجمهورية لدعوة البرلمان الى الانعقاد في دورة غير عادية.
واذا كانت التشريعات والانظمة الداخلية للبرلمان اشترطت تقديم طلب من عدد من اعضاء البرلمان لانعقاد دورته الطارئة؛ فانها اشترطت ايضاً اكتمال النصاب القانوني؛ بمعنى حضور عدد محدد من اعضاء البرلمان لكي تمتلك القرارات المتخذة قوة قانونية. بالاضافة الى ذلك فان التشريعات اشترطت نصابين احدهما للاجتماع والمناقشة والثاني للتصويت. وقد ذهبت اغلب التشريعات المنظمة لعمل البرلمان الى اشتراط حضور اكثر من نصف الاعضاء لاعتبار جلسات البرلمان قانونية (50% + نائب واحد في ايطاليا واكرايينا؛ عشر الاعضاء في مجلس النواب الهندي؛ ثلث الاعضاء في البرلمان الياباني؛ 40 عضواً من اصل 659 عضو في مجلس العموم البريطاني. ولم يحدد النصاب القانوني في برلماني كل من فنلندا واسرائيل). وكثيراً ما واجهت المشرعين معضلة اخرى وهي اكتمال النصاب القانوني بالنسبة للمناقشة وعدم اكتماله لغرض التصويت على مشاريع القوانين والقرارات الاخرى (الهند وبريطانيا مثالاً). وما زلنا بصدد الحديث عن النصاب القانوني لابد من الاشارة الى ان اغلب التشريعات المنظمة لعمل البرلمان ذهبت الى تحديد النصاب القانوني بالارتباط مع نوعية مشروع القانون المطروح للمناقشة والتصويت؛ اذ من الطبيعي ان يكون النصاب القانوني للمناقشة والتصويت على مشارع القوانين الدستورية اكبر من النصاب المطلوب لمناقشة القوانين العادية والتصويت عليها. حتى ان بعض الدول اكتفت بتحديد النصاب القانوني بالنسبة للمناقشة فقط مما يجعل من عملية تحويل المشاريع الى قوانين اكثر سهولة؛ وربما حمل ذلك من السلبيات بقدر ما يحمله من جوانب ايجابية؛ ففي الوقت الذي يوفر فيه عدم اشتراط النصاب القانوني للتصويت الكثير من الجهد والوقت لسن القوانين الضرورية؛ تتم عملية تمرير المشاريع التي ربما لا تحضى بتأييد الاغلبية البرلمانية.
ان واحدة من المسائل التي شغلت حيزاً مهما في الانظمة الداخلية للبرلمانات هي كيفية ادارة الجلسات خلال انعقاد الدورة البرلمانية؛ لكن بعضاً من الاجراءات تتم ادارتها داخل البرلمان استناداً الى العرف الدستوري (البرلماني) وليس على اساس النصوص المكتوبة؛ فالجلسة الاولى للبرلمان؛ على سبيل المثال؛ يتم افتتاحها وادارتها من قبل اكبر الاعضاء سناً لحين انتخاب رئيس للبرلمان او هيئة الرئاسة؛ والى العرف البرلماني تستند بعض البرلمانات في كيفية التصويت على القرارات ومشاريع القوانين. واذا كان التصويت برفع الايدي هو الاكثر شيوعا حتى وقت قريب؛ احدثت الثورة العلمية (الالكترونية) نقلة نوعية في اساليب التصويت وذلك بادخال الاله لاجراء هذه العملية؛ ومع ذلك تبدو الالة غير مجدية اذا ما تضمن النظام الداخلي طريقة الاقتراع الاسمي والذي يلزم الاعضاء بالتصريح جهاراً بالموافقة او الرفض او الامتناع. ولا زال اسلوب التصويت السري متبعا في الكثير من الاجهزة التشريعية حيث يتم الاقتراع عن طريق صناديق خاصة .
لقد جرت العادة على ان تكون جلسات البرلمان علنية؛ حيث يسمح للمواطنين حضورها والاستماع الىالنقاش الدائر قيها. ولهذا الغرض يتم تجهيز قاعات البرلمان بمدرجات خاصة لجلوس الضيوف واخرى للصحفيين. اما الجلسات المغلقة فعادة ما تعقد لمناقشة امور تمس امن الدولة ويمنع غير الاعضاء من حضورها عدا تلك الحالات التي يكون فيها بعض اعضاء الحكومة (او اي مسوؤل في الدولة غير عضو في البرلمان) طرفاً في النقاش. وعادة ما تعقد الاجتماعات المغلقة بناءاً على طلب من مجموعة من اعضاء البرلمان.
ويمكن للبرلمان اتخاذ قرار بتمديد الدورة البرلمانية او تقليص فترتها ؛ خصوصاً اذا لم تكن مواعيد بداية الدورة ونهايتها مثبتة في دستور الدولة. وتتميز البلدان ذات الانظمة الشمولية بضاهرة حل البرلمان من قبل رئيس الدولة الذي عادة ما يتدخل بالشوؤن الداخلية لجهاز السلطة التشريعي ويحدد نظام جلساته وفق مشيئته او بما يتفق وبرنامج الحزب القائد.
انني ارى ان ادخال مادة التوعية القانونية في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية على مختلف مستوياتها واقامة الدورات التثقيفية في دوائر الدولة المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني؛ اسوة بالكثير من الدول الديمقراطية؛ سيكون له بالغ الاثر على مستقبل العملية الديمقراطية في بلادنا وسيؤسس لحياة برلمانية حقيقية….. *
*. عن الحوار المتمدن….