نــظــرة قــانــونــيــة : الـتـــصــويــت
نــظــرة قــانــونــيــة : الـتـــصــويــت
د. فلاح اسماعيل حاجم
2004 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية
التصويت او الاقتراع؛ هذه الخطوة الحاسمة التي تجند من اجلها طاقات كبيرة والتي تصرف لها الكثير من الاموال سواءاً من خزينة الدولة او من صناديق الاحزاب والجماعات؛ وفي كلتا الحالتين يكون المصدر الرئيسي هو جيب الناخب ذاته اذ ان جزءأً كبيرا من الضرائب يذهب كما هو معروف لتغطية نفقات الحملة الانتخابية.
في اليوم المخصص للانتخابات تعمد الاجهزة الانتخابية (في بعض الدوّل تقوم البلديات بهذه المهمة) الى ازالة كل مضاهر الدعاية الانتخابية؛ وفي الكثير من البلدان يحرم التشريع الانتخابي القيام باية دعاية انتخابية قبل 24 ساعة من بدء التصويت وخصوصاً في المراكز النتخابية حيث تتم ازالة المضاهر التي من شأنها الضغط على الناخب والتأثير على خياره الانتخابي وتصل عقوبة الخرق المتعمد لهذه القاعدة الى حذف اسم المخالف من قائمة المرشحين سواءاً كان حزباً او فرداً. ومن المسائل الروتينية المعروفة هي ان تسبق عملية الاقتراع قيام مسؤولي الموقع الانتخابي (عادة ما يكون رئيس اللجنة او المكتب في المركز الانتخابي) بتفتيش صناديق الاقتراع للتأكد من خلوها ومن ثم يقوم بختمها بالشمع الاحمر. وتجيز تشريعات الكثير من البلدان حضور ممثلي المرشحين في المراكز الانتخابية.
من المسائل التي تمتلك اهمية استثنائية خلال عملية التصويت هي بطاقة الاقتراع؛ اي الوثيقة التي يثبت الناخب فيها خياره والتي ستصبح وثيقة يتم اعتمادها اثناء عملية عد الاصوات. وتشير التجارب الانتخابية الى ان لشكل البطاقة الانتخابية علاقة وثيقة بالنظام الانتخابي المعتمد في الدولة؛ فتلك البطاقة تكون اكثر بساطة في ظل النظام الانتخابي الفردي وفي الدوّل التي يتنافس فيها حزبان فقط؛ ففي بريطانيا؛ على سبيل المثال؛ يقوم الناخب باستلام بطاقة تصويت واحدة تحتوي على اسماء المرشحين (ثلاثة او اربعة) مع الاشارة الى محل اقامة كل منهم؛ اما الانتماء الحزبي للمرشح فيثبت فقط في حالة موافقة المرشح شخصياً مما يؤكد واحدة من افضليات نظام الانتخاب الفردي والذي اتينا على ذكره في محل سابق؛ حيث بتحدد اختيار الناخب بناءاً على معرفة مسبقة بالمرشح. أما في حالة نظام القوائم الانتخابية فالامر اكثر تعقيداً حيث كثرة الاحزاب والكيانات الانتخابية المتنافسة والتي لابد ان تجد مكانها في بطاقات الاقتراع مما يجعل من مهمة التصويت امراً غير يسير بالنسبة للناخب وخصوصاً في بلدان العالم الثالث حيث نسبة الامية تصل الى مستويات قياسية. ففي كوستا ريكا؛ على سبيل المثال؛ تتضمن بطاقة الاقتراع التسميات الكاملة لجميع الاحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات وعلاماتها المميزة ومن ثم اسماء المرشحين ( في بعض الدوّل اسماء الثلاثة الاولى فقط – روسيا مثالاً). لكن اكثر بطاقات التصويت تعقيداً هي تلك التي يصوّت بها في النظام الانتخابي المزدوّج (المشار اليه في موقع سابق) ففي المانيا على سبيل المثال يتم تقسيم بطاقة الاقتراع الى جزءين تثبت في الاول منها اسماء المرشحين وعناوينهم وكذلك انتماءاتهم الحزبية؛ اما في الجزء الثاني فيتم تسجيل تسميات الاحزاب وشعاراتها مع اسماء المرشحين الخمسة الذين يتصدرون القائمة الحزبية. واذا كانت عملية الاختيار من بين الكم الكبير للاحزاب السياسية والمرشحين عملية اكثر يسراً في الدوّل الاوربية؛ حيث الممارسة الانتخابية باتت تقليداً معروفاً وحيث الغياب الكامل للامية فان عملية الانتخاب في البلدان النامية تبدو اكثر تعقيداً بسبب غياب التقاليد الديمقراطية وانتشار الاميّة؛ مما دفع اللجان الانتخابية في بعض الدول الافريقية بالسماح لاعضائها بالدخول مع الناخب لغرفة التصويت ومساعدته على ملئ بطاقة الاقتراع مما يعد خرقاً لواحدٍ من المبادئ الانتخابية المعروفة اي سرية الاقتراع؛ ومن هنا نشأت الضرورة الى تثبيت العلامة الفارقة للحزب (شعار الحزب او رمزه) وذلك لتسهيل مهمة الناخب بوضع بصمة ابهامه امام العلامة المميزة للحزب الذي ينوي التصويت له (منجل ومطرقة؛ شجرة ارز؛ حمامة وغصن زيتون؛ بندقية كلاشنكوف وراية ملونة…..الخ).
ان كيفية التصويت وملئ بطاقة الاقتراع تكتسب اهمية استثنائية ذلك لان اغلب التجارب الانتخابية تشير الى ان امكانية تزوير نتائج التصويت تتم من خلال التلاعب ببطاقة الاقتراع سيما في البلدان ذات المستوى العالي من الاميًة حيث يتم استثمار جهل الناخبين للتلاعب ببطاقاتهم؛ ولذا عمدت التشريعات الانتخابية وتعليمات الاجهزة المسوؤلة عن اجراء الانتخابات الىاصدار بطاقة التصويت بالشكل الذي يجعل من تزويرها امراً ليس باليسير. لقد ذهبت بعض الانظمة الى اعتماد طريقة شطب اسماء المرشحين غير المرغوب فيهم من قبل الناخب (روسيا في 1989 و 1991)؛ لكن ذلك اوجد صعوبة كبيرة في عد الاصوات نتيجة لكثرة المرشحين والاحزاب السياسية. ان اكثر الطرق انتشاراً في الوقت الراهن تتلخص بوضع مربع فارغ امام اسم كل حزب او المرشح حيث يتطلب من الناخب وضع اشارة امام المرشح الذي وقع عليه اختياره. وفي ظل تنامي حالة الرفض والاحتجاج وازدياد عدد المعارضين لاي من المرشحين ولغرض قطع الطريق على استثمار بطاقات الناخبين الرافضين تعمد الكثير من الانظمة الى وضع مربع اضافي مقابل عبارة (ضد الجميع). ان هذه الطريقة بالاضافة الى كونها تسهل عملية فرز الاصوات يمكن اعتمادها في البلدان المتطورة التي يتم فيها ذلك الفرز باعتماد الآلة.
لقد ذهبت التشريعات الانتخابية الى استنباط طرق مختلفة لتسهيل مهمة الناخب بممارسة حقه الانتخابي؛ فقد تضمنت تلك التشريعات قواعداً تتيح للناخب الذي يتعذر عليه الحضور الى المركز الانتخابي التصويت في اماكن اخرى كأن تكون الممثليات الدبلوماسية اذا كان الناخب مغترباً او متواجداً خارج حدود الدولة وقت اجراء الانتخابات؛ فيما ذهبت بعضها الى تمكين الناخب من الادلاء بصوته قبل الموعد المحدد للانتخابات عندما تكون امكانية الوصول الى الناخب غير متوفرة في جميع الاحوال (القاطنون بالقطب الشمالي مثلا)ً؛ وقد اباحت الكثير من التشريعات الاوربية التصويت بالبريد اذ يترتب على الناخب وضع وثيقة الموافقة على اقتراعه بواسطة البريد مع بطاقة الاقتراع.
انني ارى ان الناخب العراقي من الوعي ما يؤهله للتعبير عن خياره بشكل مستقل وسيضع الخطوة الاولى على طريق التخلص من الموروث السلبي الذي اوجدته حقبة كاملة من تغييب الارادة والقمع والارهاب والانفراد بالسلطة؛ ثم ان الطلائع السياسية العراقية ستكون جديرة بمساعدة الناخب العراقي والاخذ بيده بنزاهة عالية سيما وانها وقعت على ميثاق شرف ملزم…….. &
&. عن الحوار المتمدن…