الفكر السياسي

هاجس عن العراق الذي نعرفه !

هاجس عن العراق الذي نعرفه !

يوسف ابو الفوز

2006 / 12 / 24

مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني يحذر من «عرقنة» لبنان .
الشرق الاوسط اللندنية
الجمعـة 22 ديسمبر 2006 العدد 10251

***

كنا لا نزال صبية ، نتعلم فك الحرف ، وتلمس الاشياء الجديدة ، حين قادنا درس اللغة العربية ، الى لعبة لغوية طريفة رحنا نمارسها بكثير من المتعة ، فاذ وجدنا ان “التعريق” كلمة تأتي من كلمة “العراق” ، و”التمصير” تأتي من “مصر ” ، رحنا وبكل ما نملك من شيطنة الصبا نكتشف كلمات مثل ” السودنة ” ، وكنا نقصدها بمعناها العراقي ، وكانت اكتشافاتنا الشيطانية تطلق ضحكاتنا البريئة ، وتجعلنا نندفع بجنون حقيقي لنبحث في الخرائط وكتب الجغرافية والتأريخ عن اسماء دول بعضها مجهري او بعيد جدا لنورط زملاءنا في لعبتنا الشيطانية ، ونجبرهم لاثبات قدراتهم اللغوية فيجدون انفسهم يقعون في مطب التعامل مع اسم دولة مثل ” زيمبابوي ” ، او “جزر الكناري ” !
مضت بنا الايام بكل وعورتها وقسوتها ، ونحن نضع ايدينا على قلوبنا ، التي حملنا فيها عراقنا الذي عرفناه واحببناه ، وليس عراق الديكتاتور الذي قاده الى المحارق والحروب الملعونة التي خلفت لنا الخراب المريع . وها نحن نعيش الاوضاع الجديدة التي تجثم على صدر العراق التي قادنا اليها الاحتلال وحكومات المحاصصة والقوى الظلامية والتكفيرية . ومع الامل بأمكانية دفع العملية السياسية للامام ، وخروج العراق من عنق الفوضى ، كل يوم كان الالم يعتصر قلوبنا ، ونحن نخاف ونرتعب من سماع مفاهيم مثل ” صوملة ” العراق ، او” لبننة “العراق .
كان الامل يحدونا بعراق جديد ، ديمقراطي فيدرالي . كان ابناء العراق الحقيقين ، ورغم تحفظ واعتراض الكثير منهم على الدستور العراقي الجديد ، الا انهم اقروا ديباجته التي تقول (نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، مَوْطِن الرُسُلِ وَالأنبياءِ، وَمَثْوىَ الأئِمَةِ الأطْهَارِ، وَمَهد الحضارةِ، وَصُنَّاع الكتابةِ، وَرواد الزراعة، وَوُضَّاع التَرقيمِ. عَلَى أرْضِنَا سُنَّ أولُ قانُونٍ وَضَعَهُ الإنْسَان، وفي وَطَنِنا خُطَّ أعْرَقُ عَهْدٍ عَادِلٍ لِسياسةِ الأوْطان، وَفَوقَ تُرابنا صَلَّى الصَحَابةُ والاولياءُ، ونَظَّرَ الفَلاسِفَةُ وَالعُلَمَاءُ، وَأبدَعَ الأُدَباءُ والشُعراءُ) ،الا انهم وجدوا انفسهم في غير العراق الذي عرفوه ، صار “عراقات” مختلفة . كل منها لها صورة ولون تختلف عن غيرها .
فمن صفق وطبل وشجع وغنى وردح طويلا للطاغية المجرم ، وينوح الان ليل نهار على العراق في الفضائيات وهو يلبس لبوس الديمقراطية فهو يريد عراقا اخر ، غير العراق الذي ينشده اهالي شهداء وضحايا الانفال والمقابر الجماعية !
ومن يحتكم الى العنف والاغتيال والارهاب والتكفير اداة للحوار وقمع حقوق الاخرين ينشد عراقا غير العراق الذي تنشده القوى الديمقراطية التقدمية !
ومن …
ان عراقنا الذي نريد ، العراق الامن المسالم ، الديمقراطي الفيدرالي ، غير عراق كل هؤلاء الذين اوصلونا الى يوم صار فيه اسم العراق يشكل خطرا على الاخرين ويثير رعبهم ، وصاروا يخافون ” عرقنة ” بلدانهم !….. #

# عن الحوار المتمدن….

زر الذهاب إلى الأعلى