الفكر السياسي

وللبلطجية رئيس!

وللبلطجية رئيس!

رشاد الشلاه

2011 / 2 / 6

كبت الحريات الشخصية بأساليب التسقيط السياسي و السجون والتصفية الجسدية، وتضييق الحريات العامة عبر قوانين الطوارئ وغلق الخدمات الإعلامية ووسائل الاتصالات، وادعاء الحفاظ على التقاليد والقيم، والتذرع بالمصلحة الوطنية العليا والدفاع عن استقرار البلد وعن قضية العرب المركزية ” قضية فلسطين”، يترافق مع عناد وتشبث في البقاء على قمة السلطة، وتسويف وعدم الوفاء بالوعود، واعتراف متأخر وخجول بفشل البرامج الحكومية، مع بطش مروع يستنبط ما تختزنه أجهزة المخابرات من خبرة لا تشرف، أجهزة منتصرة لأسيادها وأولي نعمتها، ومنتقمة و بوحشية من الشعوب الرافضة لسلطات الحكام الأبديين وأدران فساد أنظمتهم.

تلك هي بعض سمات الأنظمة الاستبدادية التي ابتلت بها شعوبنا و تعايشت مكرهة مع الذل والقهر والجوع وتدني وعيها بحقوقها الإنسانية التي أقرتها مختلف الشرائع وضعية كانت أم مُنـَزّلة. ولمدارات عجزها وتأجيل ساعة سقوطها ولو إلى حين، تتذرع هذه الأنظمة المتسلطة بخصوصية شعوبها، وتلجأ إلى تدوين وتفصيل الدساتير وفق مواصفات الحاكم المنزه و أبنائه على مقاس هذه القيادات الديكتاتورية “التاريخية”، قيادات توهمت وتوهم شعوبها بأنها إن ولـّت عن السلطة فسيحل الخراب العظيم، وبأنها موسوعية المعرفة وفي كل شأن من شؤون الحياة ما خفي منها وما ظهر، فتراها تزود وزراءها على اختلاف مهامهم وكذلك سفراءها بتوجيهاتها “السديدة” وارشاداتها “القيمة”، مع ديباجة دجل لمكرماتهم تخطها أقلام أجيرة خانعة. وهذا النمط من القيادات السرمدية لا يغدق مليارات الدولارات من ثروات البلدان التي نكبت بهم لمكافحة الفقر والبطالة والأمية والجهل، بحجم الإنفاق على ترفهم وعلى الأقربين و أجهزة الحماية والمخابرات، و أجهزة الإعلام التي تسبح بالحمد والعرفان له، بل تكرس هذه الأبواق صفحات صحفها وقنواتها الإذاعية والتلفزيونية للتطبيل ونشر التافه والشخصي من أحداث ولا تستثني حتى برقيات التهاني والتعازي الخاصة بسيادتهم أو جلالتهم. ومع كل مظاهر الادعاء بقوة هذه الأنظمة وشعبيتها المليونية المكتسبة بشراء الضمائر والتهديد؛ إلا أن انتفاضات الشعوب المقهورة، أكدت وعبر تجارب عديدة أن تلك الأنظمة هشة ومذعورة أمام الجماهير التي لا تمتلك غير صرخات غضبها مطالبة بحقها في العيش الكريم وفي التمتع بخيرات أوطانها التي سرقها حكامها و حاشياتهم.

والنظام المصري واحد من تلك الأنظمة، وهو ليس آخرها بالتأكيد. لكن ما امتاز به بعد سقوط “شرعيته” على أيدي المنتفضين من الشباب المصري يوم 25 يناير كانون الثاني 2011، هو تخلي رئيسه عمليا عن رئاسة حزب السلطة ومن ثم رئاسة الشعب المصري، ليتحول إلى رئيس “للبلطجية”، أي رئيس “السرسرية” في اللهجة العراقية الدارجة.
إن لجوء عرابي أجهزة المخابرات المصرية وقادة الحزب الوطني المصري الحاكم لتجنيد هذه فئة من أصحاب السوابق والمرتزقة للدفاع عن النظام المتهالك بعد إطلاقهم من سجونهم وتخلي عناصر أجهزتها الأمنية عن واجباتهم في حماية أمن المواطن والمرافق المصرية الحيوية، ليست ممارسة مبتكرة، فقد مورست من قبل أجهزة المخابرات العراقية في عهود الأنظمة الدكتاتورية التي تسلطت في العراق، لكن هذه الأساليب المرفوضة والمفضوحة ومع كل قسوتها الهمجية ألا أنها لم تحل دون نفوق أنظمة التجبر وزوالها، وهذا هو مآل النظام المصري أيضا وبقية الأنظمة المتسلطة الظالمة، وسيحفل تاريخ الشعوب بصفحات مزهوة بالفخر لشباب تحدوا جلاديهم، وخلعوا شرعية رئيس مزيفة، ليبقى في منتجعه تحت الحراسة المشددة رئيسا للبلطجية.*

*.  عن الحوار المتمدن  ….


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى