يكفي ان الاتفاقية مع امريكا لترفض
يكفي ان الاتفاقية مع امريكا لترفض
صادق البلادي
2008 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن هذا الطرح يبدو أول وهلة بعيدا عن المنطق وعن الفذلكة الشائعة اليوم المرتدية رداء حجة العلمية والموضوعية ، وضرورة التخلص من أدران الايديوجية ، والاحكام المسبقة ، والاصطلاحات المكرورة ، والعبارات الثورية ووو…. الخ مما نشرته وأشاعته وروجته مطابخ التفكير الامبريالية من معاهد استراتيجية وعلمية ،و الكثير منها يساند فعاليات ونشاطات ، بل مؤامرات المخابرات الآمريكية والصهيونية.
وسيستغل هذا الطرح مناصرو اللبرالية الجديدة وأعوان أمريكا ، من كان يدرك ذلك منهم ، ومن لا يدرك ، فمصيبة أن يكون المرء لا يدري ، والمصيبة تكون أعظم إن كان يدري وإن حسنت نواياهم ، فالنوايا لا يعرفها غير الله ، كما يقولون ، وهو يحكم على النوايا يوم القيامة. أما نحن أهل الدنيا ، الذين لن يتاح لنا كشف النوايا ، فليس لنا الا الحكم على نتائج و عواقب ما يدعون اليه لا على نواياهم ، والطريق الى جهنم كثيرا ما يكون معبدا بالنوايا الطيبة.
فليقل المضللون والواهمون بتحررهم من الايديولوجية ما يشاؤون، فما تحرروا من ايديولوجية ، بل تخلوا عن ايديولوجية ، ساروا في ركابها برهة من الزمن ، يوم كان رفع رايتها شأنا يزدهي به آنذاك مدعوها ومرددوا عباراتها،
واليوم هم مع ايديوجية يرتاحون لها ، وبعض منهم ينتفع بها ومنها ، وهذا حقهم ، غير أنهم يبرقعون هذه الايديولوجية ببرقع متهرئ يسمونه التخلي عن الايديولوجية..
مفهوم أن يسبح بآلاء أمريكا وبوش عدد من الذين انتفعوا من فتح دكاكين المعارضة ، فاستفادوا مما خصصته الإدارة ألأمريكية من ملايين الدولارات ، ووزعته علنا بعد صدور قانون ” تحرير العراق ” عام 1998 ، الإسم الظاهري للقانون كان هو التحرير، بينما بان جوهره ” تدميرالعراق” ، وهذا من تفنن الاستعمار في تقديم السم بألفاظ عسلية، وبعد الغزو صاروا من ذوي الشان في العراق ، لهم حق في المشاركة في الحكم ، ونصيب في الغنيمة ،الا أنه مهما كبر ليس هو سوى فتات مما يكون نصيبا ماديا للمحتلين الامبرياليين ، ولا يساوي قلامة ظفر من تقدير الشعب ، ولا يرتاح له ضمير من يملك الضمير.
ضد الاتفاقية مع أمريكا ليس فقط لتمسكي بالماركسية- اللينينية ، لا بالعقائدية الستالينية – و كثير من الكوادرالذين عملت معهم حزبيا “وصمني ” باللبرالية ، يوم كانت اللبرالية في المصطلحات الحزبية جريرة كبيرة. ومازادني انهيار المعسكر الاشتراكي ، الداوي، ونتائجه المأساوية الا قناعة بها، وايمانا إن شئتم ، فليس كل ايمان هو ايمان غيبي ، فالإيمان بصواب الفكر العلمي، طبا وفلسفة ليس منقصة وعيبا ، كما يتوهمون ويريدون ايهام الآخرين أيضا. الماركسية – اللينينية بينت أن الرأسمالية ، وخاصة في مرحلتها الامبريالية تجلب للبشرية شرورا وشرور وتتسبب في خلق كوارث لا تستطيع حلها. ، ويتجلى ذلك في زمن العولمة ، ولا يعني هذا نكران ما حققته من عجائب في التقدم التكنولوجي وخاصة في السلاح ، سمعنا عن بعض منها ، مم جرب و استخدم في الحرب غير الشرعية على العراق ، وليس من حرب شرعية ،. من طائرة الشبح ، الى الدبابة الآوتوماتيكية ، الى أسلحة الجيوش الخاصة ، كمرتزقة شركة الماء الأسود ” بلاك ووتر”، وغيرها.
في النقاش الآخذ في التوسع حول الاتفاقيتين التي تريد الولايات المتحدة الآمريكية فرضهما على العراق المحتل فعليا ، رغم
الغاء الاحتلال شكليا بقرار مجلس الأمن رقم القرار ١٥٤٦الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته ٤٩٨٧ المعقودة في ٨ حزيران ٢٠٠٤ ، والصادر أيضا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، الفصل الذي يسميه كثير من أنصار الإتفاقية بالبند ويصورونه وكأنه وصاية دولية ، يتخلص منها العراق فقط عندما تلفه أمريكا تحت عباء تها ، ومعلوم أن هذا القرار أقر” تشكيل حكومة ذات سيادة للعراق، ….تتولى كامل المسؤولية والسلطة بحلول ٣٠ حزيران ٢٠٠٤ ، ورحب بانتهاء الاحتلال بحلول ٣٠ حزيران ٢٠٠٤ أيضا ، وبانتهاء وجود سلطة الائتلاف المؤقتة — سلطة بريمر– وبأن العراق سيؤكد من جديد سيادته الكاملة؛ويشكل حكومة مؤقتة ذات سيادة للعراق تتولى مسؤولية الحكم والسلطة
؛ بحلول ٣٠ حزيران ٢٠٠٤ ، وجاءت حكومة السيد علاوي تنفيذا لهذا القرار. والى هذه ” السيادة ” أشارت
المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو، إن ” العراق بلد ذو سيادة، وبوسعه اتخاذ قرارات قائمة على أساس ما يرغب ويريد، للمضي قدما في تطوير ثرواته النفطية.” نقلا عن (نيو يورك تايمز) 1.07.08
وليست مناهضة أمريكا الامبريالية والشك في كل ما تريده للعراق وللشرق الأوسط “الجديد ” نتيجة جمود عقائدي وتخلف
عن التطورات في العالم ، وانما من تجربة بلدي العراق مع أمريكا. لقد كانت أمريكا هي وراء التحركات والكثير من
الانقلابات بعد الحرب العالمية الثانية لترث الانكليز والفرنسيين في البلدان العربية ، حتى عقدت حلف بغداد عام 1954 ، ومزقت الصف العربي، ولسد كل المنافذ أمام حركة التحرر الوطني العربية أعلنت عام 1957مبدأ آيزينهاورعن الفراغ، واعتبار المنطقة منطقة حيوية لمصالح أمريكا. وعندما نجحت ثورة 14 تموز أنزلت أمريكا قواتها العسكرية في بيروت بالتنسيق مع البريطانيين ، الذين أنزلوا قواتهم في الأردن. لكنهما اضطرتا على سحب القوات العسكرية دون التخلي عن هدفها في اعادة الحصان الجامح الى الحظيرة الامبريالية. وقد كتب الرئيس الآمريكي آيزنهاور في مذكراته لدى وصول النبأ العظيم اليه ، ثورة الرابع عشر من تموز : ” هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للإستقرار والتقدم في المنطقة… إذا لم يلق تحوّل الأحداث بهذه الصورة المريعة، الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط … ” فتتالت المحاولات الانقلابية واثارة الفتن و الشقاقات ، وتأجيج الصراعات مستفيدة من الاختلافات لتعميق الانشقاقات بين القوى الوطنية وتشديد التناحر بينها. حتى جاءت بالبعث الفاشي الى السلطة بانقلاب 8 شباط 1963/ الرابع عشر من رمضان ، وكانت قد أعدت قوائم بالشخصيات الوطنية التي ينبغي القضاء عليها ، وكانت اذاعة لها من الكويت تبث للأنقلابيين ، كما روى الملك حسين ذلك ، وما كان بعيدا عنهم . وأعادوا البعث بعد أقل من خمس سنوات في تموز 1968. جاء البعث باسم الوحدة العربية ، فمزقها وأرجعها الى الوراء بعيدا.
ومن أجل اضعاف العراق وتدميره لم يعارضوا الانقلابيين في شن الحرب على الحركة القومية الكردية ، التي ساندتهم في
القضاء على ثورة تموز ، ثم سرعان ما غدوروا بها وانقلبوا عليها عام 1963 ، وطالت الحرب هذه حتى اضطر النظام
لعقد اتفاقية آذار 1970 ، وغدروا بها ثانية فقام الشاه واسرائيل في مساندة الحركة القومية الكردية ، برضا أمريكا ، لكن كيسنجر دبر اتفاقية الشاه مع صدام في الجزائر عام 1975 فانهارت الحركة المسلحة العسكرية الكردية ، ومات البطل القومي الكردي ، الزعيم مصطفى البارزاني بعيدا عن أرض وطنه كردستان. وبذروا باتفاقية الجزائر بذرة الحرب القادمة ، التي دفعوا صدام اليها ، وعملوا على اطالتها لانهاك البلدين الجارين في تلك الحرب ، وكان ذلك مبعث فرح الدولة الصهيونية و أمريكا معا. وبات معروفا دور وفيق السامرائي مع المخابرات الأمريكية في استلام معلومات استخبارية عن مواقع وجود الجيش الإيراني. وكذلك دور رامسفيلد أحد ضباع السياسة الآمريكية ، الذي صار وزيرا للدفاع الأمريكي لشن غزوة العراق عام 2003. وقصة توريط صدام عبر سفيرتهم في احتلال الكويت معروفة أيضا. ودمروا العراق في حرب الخليج الثانية ، وما زالت تأثيرات استخدام اسلحة اليورانيوم المنضب مستمرة تشهد عليها الولادات بتشويهات خلقية لحد اليوم. واستمر التدمير باستخدام سلاح الدمار الجديد الأمريكي فرض الحصار على العراق ، وبصياغة ملتوية ماكرة برع فيها الدبلوماسيون الآمريكان أية براعة مثل انسحاب اسرائيل من أراضي محتلة وليس من الأراضي المحتلة ، فجاء قرار 661 من أجل ” إنهاء غزو العراق للكويت واحتلاله لها، وعلى إعادة سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية ” ، لكنه استمر وما إنتهي بعد تحرير الكويت ، رغم ما سببه من عذابات للشعب ، واستمرار صدام في بحبوحته وبنائه للقصور المتعددة. حسب تقارير اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية كان يموت نتيجة الحصار شهريا من الآطفال دون الخامسة من العمر فقط 5000 طفل، تلك الجريمة التي بررتها أمام الطلبة الجامعيين في أمريكا وزيرة خارجيتهم أولبرايت في عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون ، استمرارجريمة الحصار على الشعب العراقي دفعت بإثنين من ممثلي الأمم المتحدة في العراق الى الاستقالة من منصبهما ، وتنظيم حملات لرفع الحصار ، لم تفلح جهودهما ، التي استطاع المجرم صدام حسين أن يجيرها لنظامه ، بسبب عدم ربط الحملة بالدفاع عن حقوق الشعب التي كان صدام ينتهكها أيما انتهاك . وعندما انتفض الشعب بعد تقهقر الجيش العراقي من الكويت في آذار 1991 سمحوا لصدام في ضرب الانتفاضة في الجنوب وفي كردستان . ويحاكم اليوم بعض أزلام النظام أمام المحكمة. ومن المعروف أن عددا من المحاولات الانقلابية ضد صدام قد أجهضت بمساهمات استخباراتية أمريكية ، لأن نتائجها لم تكن مضمونة على فصال الأمريكان.
ليس هذا فحسب بل بذلوا جهودا لعرقلة عمل المعارضة العراقية وتوحيد جهودها ، فكان تشكيل المؤتمر الوطني العراقي
واحدا من هذه المحاولات لمنع اسقاط صدام عن طريق قوى المعارضة الوطنية ، بل تأييسها كي تقبل أن يقوم الأمريكان
باسقاط النظام دون مشاركة قوى المعارضة ،ثم تقوم المعارضة بتشكيل النظام البديل . فما وفوا بوعودهم بعد أن غزوا العراق واستصدروا قرار احتلال العراق ، وجاءوا بسلطة بريمر ، متبعين سياسة ” الفوضى الخلاقة ” التي قادت الى انهيار الدولة ، فشيوع النهب والتخريب ، وتحول العراق الى الميدان الرئيسي لحرب بوش على الارهاب ، يحارب في العراق بجيشه وبجيوش المرتزقة ، وبعد سنوات من التدمير والتخريب يبحث الناس في العراق الطافي على بحر من النفط على ماء شرب وكهرباء وعن دواء ، وعن عمل ، لا يجدونه الا في الصحوات أو في فلول البعثيين والقاعدة ، حولوا العراق الى ميدان مواجهتهم مع ايران للسيطرة على الخليج وما فيه من ثروات نفط ، ولمساندة اسرائيل في مواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية وعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية ، وتهديدها المستمر للبنان وسوريا، وتهديد ايران بقصف مفاعلاتها النويية لمنع انتاجها للقنبلة النووية التي تملكها اسرائيل منذ سنوات كثيرة .
كل هذه الوقائع ، وهي ليست سوى جزء ضئيل مما فعلته أمريكا بالعراق من خراب ودمار ويريدوننا أن نثق بأمريكا. وبنيتها الصادقة في مساعدة العراق في اعماره ، وحمايته من احتلال ايراني.. فليست اتفاقية وضع القوات ، الاتفاقية الأمنية ، ليست سوى شرعنة للاحتلال الأمريكي عراقيا ، بعد أن فرضت شرعنته دوليا في السنوات الخمسة الماضية باصدار قرارات من مجلس الأمن. وهي تضغط على المنخرطين في العملية السياسية وتبتزهم للقبول بالمعاهدة طويلة ألأمد ، دون تحديد حتى لطول أمدها.، لشرعنة بقاء القوات الأمريكية في العراق وفي الخليج.
من هذه الوقائع اضافة الى موقف مناهضة الامبريالية — التعبير الحقيقي عن الوطنية -لا بد من رفض الاتفاقية ، الباطلة قانونا لأنها لن تكون في عداد الاتفاقيات المتكافئة. ويبدو أن جميع أعضاء مجلس الحكم ونوابهم قد نسوا أنهم كانوا قد رفضوا عقد الاتفاقية مع أمريكا عهد بريمر وقد قال أعضاء في مجلس الحكم, الذي عيّنه الاميركيون,في حزيران 2004 انهم توصلوا الى اجماع على أن القضية خطيرة لدرجة لا يمكن التعامل معها من دون تفويض شعبي.”
وشكل ذلك الموقف هزيمة للاتفاق المبرم في تشرين الثاني عام 2003, في شأن نقل السيادة للعراق ، وكان
الاتفاق يقضي التوصل الى معاهدة في شأن بقاء القوات الاميركية بحلول نهاية آذار 2004.
وقال أحد أعضاء مجلس الحكم,يومذاك إن “الحكومة العراقية الجديدة ذات السيادة ستكون لها القدرة, قانونياً ومن كل النواحي, على أن تقول: شكراً جزيلاً, لسنا بحاجة اليكم, عودوا الى دياركم”. واضاف ان “هذا مستبعد على الأرجح, لكننا سنملك القدرة قانونياً”.
بينما اعتبر عضو مجلس الحكم موفق الربيعي في تلك الفترة ان تقديرات الوضع السياسي في العراق تلمح إلى ان الأميركيين سيكونون موضع ترحيب لوقت طويل لدى معظم العراقيين. وقال: “لن يطلب أي شيعي أو كردي من الاميركيين ان يرحلوا, بل سيكون في ودهم ان يبقوا لمدة طويلة”. ناسيا أن الشعب لم يستقبل
المحتلين بالزهور ، ولربما من أجل هذا عين مستشارا للأمن القومي.
نعم يريد المحتل الأمريكي ورئيسه بوش ربط العراق باتفاقية طويلة الأمد تضمن بقاء قواته في قواعد عسكرية قد بنيت و تمت إقامتها للسيطرة على نفط العراق ومنطقة الخليج ، ويسعى لتوقيعها نهاية هذا الشهر ، وربما في الرابع عشرمن الشهر ، يوم الذكرى الخمسين لثورة تموز. فهل سيكون مآل مشروع هذه الاتفاقية كمعاهدة 1930 ، حيث وجد الاحتلال البريطاني أعوانا له بحجة الواقعية وبحجة الخروج من الانتداب ،فكان لهم ما أرادوا ووقعوا الاتفاقية في يوم
30 حزيران 1930 ، يوم الذكرى العاشرة لثورة العشرين الوطنية ، إذلالا واهانة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب العراقي، أو سيكون مصير مشروع الاتفاقية كمصير مشروع معاهدة بورتسموث عام 1948 التي أجهضت رغم التوقيع
عليها ؟ أمر لم يحسم بعـد فالرأي المعارض للآتفاقية يتعالى صوته ، حتى داخل صفوف اللاعبين في ساحة العملية السياسية ، فالروح الوطنية تتأجج في الصدور… #
# عن الحوار المتمدن..