القانونيةالمقالات والبحوث

المخالفات الدستورية في مشروع قانون تعديل المحكمة الاتحادية العليا

المخالفات الدستورية في مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا   استبشرنا خيراً عندما عدل مجلس النواب العراقي عن المضي في إصدار قانون المحكمة الاتحادية العليا استناداً للمادة (92) من الدستور النافذ نظراً للمناخ السائد المشحون بالعاطفة والانفعال، فضلاً عن الصياغة المشوهة لنص القانون وما سيرتب من أثار تكاد تكون وخيمة على مستقبل العراق، لكن هذه البشرى سرعان ما شابها النذير، عندما اطلعنا على مسودة مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا، الذي لم يطلع الجمهور على الصيغة النهائية بعد التصويت عليها وإرسالها إلى رئاسة الجمهورية لغرض المصادقة، وارى إن هذه المخالفات لم تقف عند عملية التشريع بل تعدها إلى آلية التطبيق الواردة فيه وسأعرض لها على وفق الآتي : 1. لابد من التأكيد على إن ما تم التصويت عليه تحت عنوان ومسمى (قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا) وهذا مسرب إلينا عبر وسائل الإعلام، فهذا ما زال مشروع ولم تكتمل ولادته واعتباره قانون، لان القانون حتى يطبق لابد وان يمر بجميع مراحل التشريع من كونه فكرة ثم مقترح ثم مشروع ثم تصويت وبعدها إصدار وآخرها النشر في الجريدة الرسمية والنشر هو بمثابة شهادة ميلاد القانون أما قبل ذلك فانه في طور التكوين، وهذا ما يجعلنا نسميه مشروع وليس قانون وهذه ترتب أثار تتعلق بتطبيقه وتاريخ سريان أحكامه. 2. إن مشروع القانون المقدم من رئاسة الجمهورية كان يتضمن أربعة مواد فقط وعلى وفق ما نشره مجلس النواب في جدول أعماله ليوم 5/9/2020 عند قراءة المشروع قراءة أولى أما مسودة القانون المصوت عليه تضمن ثمانية مواد، أي أضيفت أربعة مواد جديدة لم تقرأ قراءة أولى ولا قراءة ثانية على خلاف،وهذا ما أكده رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب ريبوار هادي عبد الرحمن في جلسة مجلس النواب ليوم 21/9/2020 عند القراءة الثانية للمشروع حيث قال الآتي (نحن بصدد تشريع قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية، فقط نعدل مادة أو مادتين من قانون المحكمة بشكل اضطراري لأن المحكمة الآن تمر بمرحلة) وكذلك ما قاله النائب محمد الغزي في ذات الجلسة حيث قال الآتي (مشروع تعديل قانون المحكمة الاتحادية يصب فقط حول المادة (3) التي خصصت أو كانت سبب في تعطيل قانون المحكمة الاتحادية) بينما التصويت تم على ثمانية مواد بإضافة مواد أخرى عدد أربعة دون أن تتم قراءتها قراءة أولى أو ثانية ولمن يريد التأكد الرجوع إلى محاضر جلسات يوم 5/9/2020 التي تمت فيها القراءة الأولى ومحضر جلسة يوم 21/2020 التي تمت فيها القراءة الثانية والمنشورة على موقع مجلس النواب الالكتروني. 3. مخالفة آليات التشريع الدستورية لان النظام الداخلي لمجلس النواب النافذ قرر في المادة (129) الآتي (لكل عضو عند النظر في مشروعات القوانين أن يقترح التعديل بالحذف أو الإضافة أو التجزئة في المواد فيما يعرض من تعديلات. ويجب أن يقدم التعديل مكتوبًا لرئيس للجنة قبل الجلسة التي ستنظر فيها المواد التي يشملها التعديل بأربع وعشرين ساعة على الأقل.) بينما التصويت تم على المواد الإضافية التي لم تكن في المشروع المقدم دون ان يكون تقديمها قد تم قبل النظر فيها او مناقشتها بأربع وعشرين ساعة، وهذا مخالف لقواعد التشريع التي قررها مجلس النواب ذاته في نظامه الداخلي الذي أصدره وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 5/2/2007 العدد 4032. 4. ورد في مشروع قانون التعديل في المادة (7) النص الآتي (للمحكمة أمين عام له خبرة في القانون لا تقل عن (10) عشر سنوات ويكون بدرجة وكيل وزير وصلاحياته.) وهذا استحداث لمنصب وظيفي لم يكن موجود أصلاً في المحكمة الاتحادية العليا ويرتب أثار مالية منها راتب الأمين العام الذي هو بدرجة وزير فضلاً عن خلقه لدرجة وظيفية لم يكن لها أساس في قانون الملاك رقم 25 لسنة 1960 النافذ والذي تعمل عليه وزارة المالية عند تحديد الرواتب وغيرها من الأمور الوظيفية، لذلك كان على مجلس النواب ان ياخذ رأي الحكومة في هذا النص لأنه يشكل أعباء مالية على خزينة الدولة وان المجلس ذاته قرر عدم جواز اضافة اي مادة تتعلق بجوانب مالية لم يتم اخذ رأي مجلس الوزراء بذلك وعلى وفق نص المادة (130) من النظام الداخلي التي جاء فيها الآتي (يجب على اللجنة المالية أن تأخذ رأي مجلس الوزراء في كل اقتراح بتعديل تقترحه اللجنة في الاعتماد التي تضمنها مشروع الموازنة، ويجب أن تضمن اللجنة تقريرها رأي الحكومة في هذا الشأن ومبرراته, ويسري هذا الحكم على كل اقتراح بتعديل تتقدم به أية لجنة من لجان المجلس، أو أحد الأعضاء إذا كانت تترتب عليه أعباء مالية) 5. جاء في مشروع القانون مخالفة صريحة للدستور تمثلت بسلب مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية المتعلقة بإصدار المراسيم ومنحها الى رئيس مجلس النواب علما إن تلك الصلاحية تعد صلاحية حصرية على وفق ما ورد في المادة (73/سابعاً) من الدستور النافذ. 6. إن إصدار المرسوم هو إجراء إداري يقوم به رئيس الجمهورية حيث إن الفقه الدستوري يرى بان رئيس الجمهورية عندما يمارس مهامه في إطارها الدستوري فانه يمارسها عبر إصدار المراسيم التي سماها الدستور العراقي بالمراسيم الجمهورية ، واعتبر ذلك الاختصاص حصري لرئيس الجمهورية لا يمكن أن يزاوله أي شخص آخر في أي منصب في منظومة الحكم في العراق في ظل أحكام الدستور النافذ، أما رئيس مجلس النواب الذي منحه مشروع قانون التعديل في المادة (5) صلاحية إصدار أمر نيابي لتعيين قضاة المحكمة الاتحادية العليا فانه مخالف وبشكل صريح لكل القواعد المتبعة في العمل البرلماني، فضلاً عن ذلك فان النظام الداخلي لمجلس النواب كان قد حدد مهام رئيس مجلس النواب على سبيل الحصر ولم يكن من بينها إصدار أوامر نيابية بتعيين القضاة وعلى وفق المادة (34) من النظام الداخلي، كما ان رئيس مجلس النواب له إصدار أوامر تعيين للموظفين الذين يعملون داخل مجلس النواب والمعيين على ملاكه فقط, وتعد هذه من أهم المخالفات الدستورية 7. إن مشروع القانون في المادة (5) منح صلاحية أداء القضاة اليمين التي اسماها اليمين الدستورية وهي في حقيقتها يمين قانونية لان الدستور لم ينص عليها ، حيث منحها الى رئيس مجلس النواب بينما لا يوجد تخويل دستوري أو قانوني يجيز لرئيس مجلس النواب قبول تأدية اليمين أمامه، حتى النصوص الدستورية فإنها نصت على إن تؤدى اليمين إمام مجلس النواب وليس أمام رئيس مجلس النواب بمعنى إن تتم مراسم أداء اليمين في جلسة مجلس النواب العلنية فقط، وما يعزز هذا الرأي ما قاله أستاذ القانون العام واحد ابرز فقهاء القانون في العراق والوطن العربي الدكتور الأستاذ غازي فيصل في مدونته على الفيسبوك بتاريخ 30/3/2021 التي جاء فيها الآتي (إن النص المذكور بدعة منسوجة على غير منوال لأنه لا يجوز ان تتقاسم سلطتان اختصاص تعيين قضاة المحكمة فأن عجزت الأولى نهضت به الثانية ودون تحديد أسباب العجز. ان الأصل ان اختصاص التعيين معقود لرئيس الجمهورية ومن حقه الامتناع عن إصدار المرسوم الجمهوري إذا لم تتوافر في المرشح الشروط التي نص عليها القانون أما إذا امتنع عن إصدار قرار التعيين لغاية منبتة الصلة بالصالح العام فأنه يجوز الطعن بامتناعه هذا أمام محكمة القضاء الإداري وطلب إلغائه جزاء وفاقا ولا خشية من سلوك هذا الطريق على ديمومة عمل المحكمة بالنظر لوجود أعضاء احتياط فيها) 8. مخالفة تطبيق القانون حيث اتخذت إجراءات عملية لتنفيذ وتطبيق أحكام مشروع قانون التعديل قبل نشره في الجريدة الرسمية، ومنها آلية اختيار القضاة، بينما لا يوجد كيان قانوني اسمه قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا لغاية الآن، أما اعتماد تاريخ سريانه من تاريخ إقراره على وفق ما نصت عليه المادة (8) من المشروع فان هذا النص ينظم سريان القانون باعتباره سوف يسري بأثر رجعي اعتباراً من تاريخ إقراره وليس من تاريخ نشره لكن، بعد ان تستكمل مراحل تشريعه وأهمها عملية نشره في الجريدة الرسمية لان النشر فيها هو النص المعول عليه عند التنفيذ او التطبيق ولا عبرة لاي نصوص اخرى وعلى وفقما جاء في المادة (1/ثانياً) من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 87 لسنة 1977 المعدل التي جاء فيها الآتي (ثانيا : يعتبر جميع ما ينشر في (الوقائع العراقية) النص الرسمي المعول عليه، ويعمل به من تاريخ نشره، إلا إذا نص فيه على خلاف ذلك.) ، لذلك تجد أحيانا أخطاء طباعية في النص المنشور فان هذا النص هو النافذ وحتى يتم تصحيحه أو تعديله وقد أشار أستاذ القانون العام الفقيه القانوني الدكتور غازي فيصل إلى هذا الأمر بقوله على مدونه في الفيسبوك بتاريخ 30/3/2021 وعلى وفق الآتي (إن النص المذكور صاف لا شائبة تكدره إلا أن نفاذ القانون لا يبدأ إلا بعد اكتمال مراحل إصداره وهي المصادقة والإصدار من لدن رئيس الجمهورية ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية إذ عندها يمكن العمل بالقانون بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ إقراره في مجلس النواب) لذلك فان الإجراءات التي اتخذت لتسمية القضاة لم تستند إلى قانون نافذ وليس لها دعائم قانونية تسندها، ما لم يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية. ومن خلال ما تقدم فان القانون قد انطوى على عدة مخالفات دستورية سواء من حيث الموضوع أو من حيث إجراءات تشريعه، ولابد من الطعن به أمام المحكمة الاتحادية العليا وهذه معضلة أخرى سيكون لنا فيها رأي لاحقاً. سالم روضان الموسوي قاضٍ متقاعد
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى