للتنمية في العراق – عدنان مناتي
الأمن الإقتصادي أداة للتنمية في العراق – عدنان مناتي
الامن الوطني لأية دولة يحوي مجموعة من العناصر أهمها الامن الاقتصادي والامن العسكري والامن الاجتماعي والامن السياسي والامن الثقافي وكل عنصر من هذه العناصر يؤثر بالعناصر الاخرى مثلما يتأثر بها .
ويحوي ( الامن الاقتصادي ) كلمتي الامن والاقتصاد ، فالامن يخص الفرد والمجتمع والدولة ، ويعني التحرر من الخوف وتحقيق الطمأنينة والاستقرار للشيء المقصود واشباع الحاجة المشروعة للفرد والمجتمع والدولة . اما الاقتصاد فهو يمثل شريان اساسي للحياة يهم المواطن والوطن والدولة وهو يؤثر في جوانب الحياة الاخرى مثلما يتأثر بها ، وهو نشاط تدفقي يحوي أنشطة فرعية كالزراعة والصناعة والتجارة والخدمات ، ولهذا يوجد أمن زراعي وامن صناعي وامن تجاري وامن خدمي ، ويتفرع من هذه الانشطة فروع اخرى كالامن الغذائي والامن الصناعي التحويلي والامن التجاري الداخلي وغيرها . وكذلك تتفرع من هذه الفروع انشطة فرعية اخرى .. كالامن الغذائي النباتي والامن الصناعي البتروكيمياوي .. وهكذا فإن الامن الاقتصادي يحوي جميع فروع أنشطة الحياة الاقتصادية الرئيسية والفرعية والثانوية . وحينما نربط معنى الامن ببعض معاني الاقتصاد ، سنرى مضامين عديدة لمعنى ( الامن الاقتصادي ) وذلك في ضوء الواقع العراقي ، منها الآتي
1- حينما يكون معنى الاقتصاد متمثلا بالسياسات الاقتصادية التي تبغي العديد من الاهداف اهمها تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي يعني استقرار نسبي للمستوى العام للاسعار ولسعر صرف العملة وتوازن للموازنة العامة ولميزان المدفوعات وغيرها ، حينها يكون هذا الاستقرار ممثلا لجوهر معنى الامن الاقتصادي ، ومن تلك السياسات السياسة النقدية والمالية والسعرية والزراعية والصناعية والتجارية عندها يكون الامن الاقتصادي ممثلا للطمأنينة والامان ضد ما يهدد تلك السياسات كغسل الاموال وتهريب الاموال وهدر المال واختراق المنافذ التجارية الحدودية وقيام تجارة المخدرات والتهرب الضريبي ومشكلة التضخم والركود وغيرها من المشكلات التي تواجه الاقتصاد العراقي خلال العقود القليلة الماضية بخاصة خلال السبعة عشر سنة الماضية .
2- حينما يقاس الاقتصاد بوصفه قدرة مادية في الحياة يتم تحقيقها بواسطة عملية التنمية المنشودة بغية تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد و مستوى معيشي مناسب للناس ، فهذا يعني ان الامن الاقتصادي لا يمكن ان يكون ناجزًا الا بتحقيق هذه التنمية ، وبالوقت نفسه لا يمكن ان تكون هذه التنمية أداة جدية لبناء الاقتصاد بدون قوة امنية وعسكرية قادرة على حمايتها ..
واثبتت العديد من تجارب الدول ومنها العراق ان بناء أي من طرفي المعادلة على حساب الطرف الآخر قد اضعف الطرف الاخر وبالنتيجة يضعف بل يضيع الطرفين ، بمعنى ( ان لا تنمية بدون أمن ولا أمن بدون تنمية) . وعند تحليل مسار العملية التنموية للعراق خلال العقود القليلة الماضية ، نلاحظ في مرحلة ماقبل 2003 حالات ضعف الامن الاقتصادي الناتج عن الاهتمام الزائد للقدرة الامنية العسكرية على حساب التنمية بمعنى غياب هذا الترابط بين الامن والتنمية ، ومثال ذلك تجربة التصنيع العسكري التي اريد لها بناء قوة امنية عسكرية متينة وبالرغم من ما حققته من مكاسب امنية كبرى ، كانت تتم على حساب تحقيق تنمية مدنية جدية بخاصة في الهيكل الانتاجي والبنية التحتية ومستوى معيشة الناس ، فكان غياب التوازن بين ( الامن والتنمية) واحدًا من المسائل التي كان لها الاثر السلبي الكبير على الحياة الاقتصادية وغير الاقتصادية بخاصة في ظل ظروف الحروب والحصار ..
طرفا المعادلة
وبعد عام 2003 شهدت البلاد غياب طرفي المعادلة وهما ( الامن والتنمية) فلا امن ناجز ولا تنمية متينة ، المثال الصارخ لضعف الامن هو احتلال مدن واراضي عراقية من قبل (داعش) كلف تحريرها تضحيات جسام من العراقيين الشهداء واموال طائلة ، ولازالت بعض المدن مدمرة ومئات الالاف من ابناء الشعب نازحين عن ديارهم مع عودة جديدة في بعض المدن والاراضي للارهاب الداعشي ، اما ضعف التنمية وتعثر مسيرتها في البلاد فمثالها الواضح ان الاقتصاد العراقي لا يزال تسوده سمة (احادي الجانب) الذي يعتمد بشكل اساسي على الصناعة النفطية الاستخراجية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وتكوين الايرادات العامة للدولة ، وفي ضعف الجهاز الانتاجي والبنية التحتية وتفاقم العديد من المشكلات الاقتصادية كالبطالة والفقر والتضخم والركود وتدني مستوى المعيشة للناس وعجزالموازنة العامة وتزايد ديون العراق الخارجية والداخلية وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي بخاصة في ظل الجائحة كورونا وانخفاض اسعار النفط ، وتزايد معدلات الفساد المالي والاداري كغسل الاموال والرشوة وتزايد الدور السلبي للمنافذ التجارية الحدودية وتزايد معدلات تهريب الاموال والنفط وتهريب المخدرات بخاصة في مناطق جنوب البلاد …
كل تلك المؤشرات السلبية (المشكلات) في الحياة الاقتصادية شكلت تهديدات للمواطن والمجتمع والدولة . ولذلك فمواجهة هذه المشكلات لابد ان يستند الى تحقيق امن ناجز قائم على بناء قدرة عسكرية متينة وعلى تحقيق تنمية جدية في الحياة الاقتصادية دون استغفال نشاط او فرع فيها .
وعندما يعرف الاقتصاد بوصفه النشاط الذي يهتم باستخدام الموارد والثروات المتاحة في البلاد بشكل كفوء و رشيد وعقلاني ومنتج وضامن لمصلحة الجيل الحالي والاجيال اللاحقة حينها يكون الامن الاقتصادي ضامنا للعدالة الاجتماعية المنشودة وللاطمئنان في الحاضر والمستقبل و هنا يتحقق جوهر الامن الاقتصادي المتمثل بالاستخدام الكفوء والمشروع للموارد والثروات ، وليس هدر هذه الموارد والثروات وضياعها وسرقتها ، و الذي يمثل اختراق لهذا الامن ، فالبطالة تعني عدم تشغيل الموارد البشرية والتي بلغت بعد جائحة كورونا قرابة نصف قوة العمل في البلاد وهذا يمثل هدر لهذه الموارد يعني ثلم للامن الاقتصادي ، وتفاقم حالة الفقر بوصفه آفة اقتصادية واجتماعية الذي يعني سوء استخدام هذه الموارد والثروات التي امتدت مساحته لتبلغ نصف حجم السكان بخاصة في جنوب البلاد ووسطه والذي يعني ثلم ليس فقط للامن الاقتصادي وانما للامن الاجتماعي والسياسي ، كما ان تفاقم المشكلات سابقة الذكر ، كلها تشكل تهديدات ليس فقط للامن الاقتصادي وانما للامن الوطني بمختلف عناصره ، وعلى اساس ما تقدم فإن لا حل امام الدولة الا بغياب هذه المشكلات أو إضعافها بالمعالجة الجسورة الجادة وهذا يمثل جوهر الامن الوطني بخاصة الامن الاقتصادي الضامن لتحقيق تنمية جدية للاقتصاد العراقي ..