الأقتصاد الريعي في البلدان العربية وسلبياته
الأقتصاد الريعي في البلدان العربية وسلبياته
الاقتصاد الريعي في البلدان العربية وسلبياته
*عادل عبد الزهرة شبيب / مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية
هناك معاناة اقتصادية مشتركة للبلدان العربية في اقتصاد ريعي (وحيد الجانب) مشوه ومتخلف تمثل موارد النفط (في الغني من هذه البلدان) 95% من موارد الميزانية العامة.
فالاقتصاد الريعي يعني اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل غالبا ما يكون مصدرا طبيعيا كالنفط والغاز كما هو الحال في اكثر البلدان العربية حيث تسيطر السلطة الحاكمة على هذا المصدر وتتصرف به .قديما قال كارل ماركس في كتابه (رأس المال)..في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية, اما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الانتاج.., فالريع اذن هو دخل غير ناتج من العمل ,والدولة الريعية تعتمد على دخل لا يتم كسبه عن طريق الانتاج والعمل وفي حالة الدول الريعية فان اقتصادها يكون خاضعا للمتغيرات الخارجية والداخلية حيث ان أي هزة تصيب حركة التجارة الدولية او اسعار النفط العالمية فأنها تنتقل بسرعة الى اقتصادات الدول الريعية وما يتبع ذلك من ازمات اقتصادية واجتماعية لهذه البلدان التي يتميز اقتصادها بالضعف وعدم استنادها الى قاعدة انتاجية صلبة حيث ان بنية الاقتصادات الريعية هي بنية غير انتاجية وتتميز بالاستهلاك الترفي وزيادة الفجوة بين الطبقات. ان البلدان العربية الريعية تتميز بضعف القاعدة الانتاجية في مجتمعاتها واعتمادها الاستيراد لكل شيء والى تضخم جهاز الدولة وانعدام الرقابة على الحكومة اضافة الى شمولية النظام وانعدام التعددية السياسية وتبعيتها الاقتصادية للخارج وتهميش القطاع الخاص والمجتمع المدني واستفحال ظاهرة الفساد وكل ذلك يؤدي الى تمركز السلطة والى الدكتاتورية.
ان اعتماد الاقتصاد الريعي في البلدان العربية وعلى اختلافها قد ادى الى تعطيل روح المبادرة والرغبة في الاستثمار حيث تتميز البلدان العربية بضعف الاستثمار فيها وعدم قدرتها على جذب الاستثمار الاجنبي ورغم ان بعض البلدان العربية الغنية بالنفط تمتلك عوائد مالية ضخمة كدول الخليج العربي فإنها تستثمر اموالها في امريكا والدول الاوربية ولا تستثمرها في البلاد العربية واذا ما حدث استثمار هنا او هناك داخل البلدان العربية فإنها تكون في ميادين العقار والمضاربة المالية وليس في الاستثمارات المنتجة في القطاعات الصناعية والزراعية التي تحتاج الى وقت اطول لجني الارباح.
لقد تسبب اعتماد الاقتصاد الريعي في البلدان العربية في ايجاد نمط من النمو يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار وذلك بسبب ارتباط النفط والغاز بمستوى الاسعار في الاسواق العالمية التي تتميز بعدم الاستقرار والتذبذب حيث ان أي ازمة في السوق النفطية العالمية ستنعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلدان العربية.
ان البلدان العربية ذات الاقتصاد الريعي تشترك فيما بينها بانتشار ظاهرة البطالة والفقر والجهل والمرض والتفاوت الطبقي وضعف النمو الاقتصادي وعدم وضوح الافاق الاقتصادية-الاجتماعية المستقبلية فيها وعدم استثمار العائدات المالية الضخمة الناجمة عن بيع النفط الخام في تطوير الصناعات القائمة او ايجاد صناعات جديدة واقامة الصناعات البتروكيمياوية وتطوير الزراعة.
ان الانظمة الشمولية والدكتاتورية التي تتقاطع مع الديمقراطية في البلاد العربية غير قادرة على تحويل الاقتصادات العربية من ريعية الى انتاجية واغلب الانظمة العربية غير منتجة تعتمد على السلطة المطلقة والريع المتأتي من النفط ولا تقوم بخلق فرص عمل منتجة وتقليل الفوارق الطبقية وتعزيز منظومة الرفاه المجتمعي وهذه الانظمة ذات الحكم المطلق او تلك التي تستغل الثغرات الدستورية تتصرف من دون ضوابط بالإيرادات العامة من خلال حسابات غير معلنة وغير خاضعة للرقابة والتدقيق .ويتم اقتسام المغانم من قبل الطبقات الحاكمة وحلفائها على حساب ابناء الشعب وطبقاته الفقيرة في ظل غياب الديمقراطية والرقابة البرلمانية, وهكذا تنفرد الاقلية بمغانم السلطة وامتيازاتها وثرواتها (كما هو الحال في العراق ) بعيدا عن الاكثرية المسحوقة واولويات الناس والقطاع المنتج.
ان السنوات الماضية قد شهدت تعمق السمة الاحادية للاقتصاد العراقي وازدياد اعتماده على العائد النفطي الذي يمثل في المتوسط اكثر من 90% من ايرادات الموازنة العامة وحوالي 60% من الناتج المحلي الاجمالي, ويتجلى الطابع الريعي للاقتصاد الوطني في معالمه الهيكلية وحسب المؤشرات الاتية:
- انحسار القدرات الانتاجية وتراجع مساهمة الصناعة الوطنية والقطاع الزراعي والقطاعات السلعية في توليد الناتج المحلي الاجمالي.
- وينعكس الضعف الاقتصادي البنيوي في تجارتنا الخارجية حيث تكاد تنعدم الصادرات غير النفطية اضافة الى ضعف التجارة الداخلية.
- اتسمت السياسة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بغياب الرؤى والاستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجال التنمية والمجال المالي وغيرهما وبالإضعاف القسري لدور الدولة خاصة في الميدان الاقتصادي فيما استمرت المغالاة في تأكيد مزايا السوق الحر في اقتصاد البلاد.
- التدهور المتواصل في امكانات وقدرات القطاع الخاص الانتاجي.
- تدهور القطاع الصناعي والزراعي .
- تزايد اعداد العاطلين عن العمل لاسيما من الشباب,فالبطالة لاتزال احد التحديات الكبيرة التي تواجه عملية التنمية في العراق.
- ارتفاع مؤشر التضخم الذي يسهم في التأثير المباشر على المداخيل ويتسبب في خفض القدرة الشرائية.
- عدم القدرة على اجتذاب الاستثمار الخارجي.
- من الضروري وجود سياقات عمل دائمة ضمن توجه وتخطيط عامين للنهوض بالاقتصاد في جوانبه المختلفة المترابطة.
10السياسة الاقتصادية في العراق لم تحقق نجاحا على طريق مكافحة الفقر وتضييق شقة التفاوت الاجتماعي.
ان حاجة البلدان العربية اليوم الى نموذج تنموي منتج يعتمد على الانتاج والمنافسة بدلا من النموذج الريعي مع تعزيز الديمقراطية حيث ان هناك تقاطع بين الاقتصاد الريعي والنظام الديمقراطي.