الخطأ الطبي بين العلم والجهل
الخطأ الطبي بين العلم والجهل
بقلم المستشار القانوني: يوسف معروف حمد
الخطأ الطبي، إن العلاقة الطبية بين المريض والطبيب قائمة على علاقة إنسانية قبل أن تكون مبنية على علاقة قانونية، فالإنسانية هي أساس هذه العلاقة ويجب أن تبقى هي أساس هذه العلاقة بعيدا عما يحيط بهذه المهنة الكريمة من الماديات، وعند قيام أي طبيب بتقديم العلاج لأي مريض يجب أن تكون دافعيته لمعالجة هذا المريض هي الإنسانية التي يفترض أن تكون من أولويات أي شخص خلقه الله على هذه الأرض.
إن انحراف الأطباء عن الواجبات المفروضة عليهم سواء واجبات فرضها القانون أو فرضتها مهنتهم وعدم القيام بها على النحو المطلوب، نظرا للإهمال الواضح وعدم الاكتراث لحالة المريض الصحية أثناء التعامل مع المريض، فمن واجب الطبيب أن يعتني بالمريض عناية تامة وعدم التهاون في التعامل مع حالته الصحية.
إن حماية المرضى من الأخطاء الطبية التي يقع فيها الأطباء باستشعارهم بوجود مساءلة قانونية عن هذه الأخطاء وأن القانون يكفل لهم إجراءات تقاضي عادلة ومنصفة لهم عند وقوع مثل هذه الأخطاء التي كانت بسبب إهمال الطبيب وعدم اتخاذه لأسباب الوقاية التامة وعدم إتباع وسائل الحيطة والحذر اللازمة لإنقاذ حياة هذا المريض أو إنقاذه من أي عاهة كان من الممكن تفاديها لو انه اتبع الواجبات المناطة به.
كل هذه المقدمة لننتقل سويا الى بعض ما يحصل بمجتمعنا في ظل الهجمات الشرسة على قطاع الاطباء من سب وشتم وتحقير واستيفاء الحق بالذات و انشاء المسلسلات والافلام المهينة بالمهن الطبية ؛ بسبب الأخطاء الطبية التي يقع فيها الطبيب، في القانون لدينا يعاقب الطبيب إذا امتنع عن تقديم العلاج، ويعاقبه ايضا إذا قدم العلاج ولكنه أخطأ في تقديمه بغير قصد، كيف لي ان أجبر على تقديم العلاج وبنفس الوقت اعاقبه إذا أخطأ بدون قصد ؟!
المجتمع لدينا يتقبل فكرة ” القضاء والقدر ” في حوادث السير حتى لو كان السائق متهور ومخالف للقوانين والأنظمة وتحل جميع القضايا المتعلقة بها بـ (فنجان قهوة) ، أما عندما نصل لخطأ الطبيب نريد أن نوقع به أشد العقوبات وننسى فكرة ” القضاء والقدر ” ، هل يعقل ذلك ؟!
اذا استمر المجتمع بهذه العقلية و الصورة الهمجية لمحاسبة الأطباء، فإننا سوف نصل حتما إلى تدمير المنظومة الطبية وفقدان القدرات المجتمعية و المساهمة في تهجير الكفاءات للخارج، مع العلم أن الأخطاء الطبية تحصل في جميع دول العالم .
لا ننكر وجود الأخطاء الطبية والاهمال والتقصير وعدم اتخاذ الحيطة والحذر من قبل الأطباء ، ولكن علينا أن نسعى لحلول افضل لمحاسبة الطبيب المقصر وأن نسعى لتعديل القوانين الناظمة للأخطاء الطبية بصورة يكفل رضا المريض من طرف وأن نراعي المصلحة العامة من الحاجة لتطوير القطاع الصحي.
ومن هنا اقترح بعض التعديلات على القوانين الناظمة منها الابتعاد عن العقوبات التقليدية (كالحبس مثلا) واستبدالها بعقوبات تتناسب مع الضرر الذي لحق بالمريض والمهن الطبية منها عقوبات إدارية كالفصل من المهنة الطبية أو تقليل درجته الوظيفية وتوجيه إليه التنبيهات والانذارات و عقوبات أخرى مثل تجميد عضويته لدى نقابة الأطباء وإعادته للتدريب بصورة مكثفة ومشددة وتقديم امتحان القبول للنقابة من جديد ، وتقديم تعويض مناسب للمريض عن هذه الأخطاء ، وبذلك نراعي مصلحة الطبيب من جهة ومصلحة المريض من جهة أخرى . ولا ننسى أن هذه الفئة المستهدفة هي الساهرة لراحتنا ولخدمتنا اربع وعشرون ساعة ليلا ونهارا ، فإن أي مساس في هذه الفئة والمنظومة يشكل خطر على حياة مجتمعنا .
ورسالتي إلى كل طبيب يمارس هذه المهنة النبيلة، أن يلتزم بأخلاقيات هذه المهنة ولا يجعلها هدفا ماديا، فإن حياة الناس وراحتهم بين يديك، وجزاك الله كل خير على عملك .
بقلم المستشار القانوني: يوسف معروف حمد