الصحافة الورقية..وداعا!
الصحافة الورقية..وداعا!
طه رشيد
2020 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن احدٌ يتوقع، ايام زمان، بان مسجل الصوت ” ابو البكرة” سيكون جزءا من التراث، وان الراديو كاسيت سيلتحق به بعد عقود، ليفسح المجال للقرص المدمج ” الديسك” الذي بدأ هو الاخر يتراجع قليلا امام ” الفلاش” و” الرام”. وبهذا التطور اختفت ” مهن” وظهرت اخرى جديدة تتماشى والتطور التكنولجي الهائل لوسائل الاتصال الحديثة التي اجتاحت العالم، خلال العقود الثلاث الاخيرة، وبزوغ نجم الانترنيت، الذي اختصر مجمل حياتنا، ووفر لنا بلمسة سريعة كل ما نحتاجه من معلومة او اغنية او كتاب! حتى استحق تسمية ” الشبكة العنكبوتية”.
ومن كان يعتقد بان الحياة اليومية يمكن لها ان تسير بانتظام من دون وجود تلفون ” ارضي” وبدون ” فاكس ” ومشتقاته؟!
من كان يتصور بان بلدا مثل العراق يستطيع ان يعيش من دون ” دائرة البريد والبرق والهاتف” ليختفي نهائيا موزع البريد ” البوسطجي” وتختفي معه عشرات الوظائف؟!
ولم يعد هناك من يدس لك جريدتك المفضلة من خلف الباب. لان الجريدة اصلا تكون قد وصلتك قبل طباعتها وتوزيعها!!
كنا نرى قبل اكثر من عقدين بان الحديث عن اختفاء الصحافة الورقية وانتفاء الحاجة لها هو جزء من خيال عقيم! والا كيف للمرء ان يبدأ يومه من دون ” صحيفة” مع فنجان قهوة او كاس شاي؟!
لا تستطيع اليوم ان تتفاخر بانك تمتلك مكتبة ضخمة تضم نفائس الكتب والاغاني والقطع الموسيقية، فبلمسة استطيع ان اوفر لك ما شئت من مكتبة الاسكندية الى مكتبة الكونغرس الامريكي مرورا بالدار الوطنية الفرنسية للكتب!
ورويدا رويدا بدأ الناس ينصرفون لمطالعة الصحف المحلية والدولية على الشبكة العنكبوتية، وظهر ان التعلق بالصحف الورقية ما هو الا جزء من الحنين للماضي او لعادة نكررها يوميا ونتعلق بها!
اليوم وفي ظل انتشار كوفيد 19، كورونا الجائحة، اضطر الناس لزوم بيوتهم خوفا من الاصابة بهذا الوباء المخيف. وتجري معظم الاشغال الوظيفية من داخل المنازل.. وفي مجال الصحافة لا مطبعة تدور ولا جريدة توزع اذ لجأت معظم الصحف الى النشر الالكتروني، بكلفة مادية اقل، وبعدد صفحات اكثر! وهو سياق سبق وان اتخذته كبريات الصحف، التي لجأت الى النشر الالكتروني مدفوع الثمن بمبلغ زهيد، ولا يتوانى الناس عن الاشتراك بها!
وسبق وان اثبتت اعداد كثيرة من التقارير لعلماء ومختصين ان الورق المستخدم في طباعة الصحف اليومية يكلف العالم مليارات الدولارات بالاضافة الى مساهمته بالتاثير سلبا على البيئة!
العالم المتطور تقنيا وعلميا لم يفاجئ بهذا الامر، ولكن المشكلة تنحصر في الدولة التي لم تشهد مثل هذا التطور، العراق نموذجا، لا اريد ان اقول دولتنا المتخلفة كي لا ينبري “احدهم” ويتهمني بالعمالة للاجنبي ويصرخ بوجهي:
– شبينا احنه؟ ما عاجبك؟ مو احنه اوجدنا الكتابة؟!
صحيح، ولكن ليس الفتى من قال كان ابي.. اجل نحن من علمنا العالم الكتابة، ولكن لا يكفي ان نلطم على التاريخ، علينا ان ننظر اليوم لموقعنا على الخريطة، اين نحن من العالم المتطور؟!
وباء كورونا منحنا فرصة تاريخية ان نرتب حياتنا بطريقة جديدة لكي نلحق بالعالم الذي علمناه الكتابة، والذي سبقنا اليوم بمئات السنين!
لقد منحنا الوباء فرصة ذهبية لاتمام التمرين ” البروفة” على الصحافة الالكترونية، ولكن هل كل الناس يمتلكون الاجهزة اللازمة للتصفح؟
هنا جاء دور الحكومة، الملزمة بالتقدم خطوة نحو الامام! فهل يمكن لها ان تضيف الى مفردات الحصة البائسة، ولو كل سنتين مرة، جهاز “ايباد”، او اي جهاز يفي بالغرض، مع اشتراك انترنيت لكل عائلة لنقول:
مرحى بالحكومة الجديدة!
ووداعا للصحافة الورقية!…. *
*. عن الحوار المتمدن….