اللجان

الكفاح في سبيل القانون

الكفاح في سبيل القانون

الكفاح في سبيل القانون

الكفاح في سبيل القانون

د. اسامة شهاب حمد الجعفري

 

اولاً: مفهوم الكفاح في سبيل القانون :

القانون فكرة انسانية خالصة غايتها اقامة السلام , و لا يمكن للسلام ان يتحقق من دون ان يسبقه صراع و نزاع مستمر بين المصالح المتعارضة,  فالصراع من اجل السلام يسبق تحقيقه حتماً , و القانون من هذه الناحية فكرة ليست بالهادئة جداً , و يرغب القانون ان يرى الفرد حاضراً في ميدان الدفاع عن الحق و العدل و يحتفل به ان فعل ذلك و يقرر له كافة الضمانات للممارسة هذا الواجب المقدس ليخلق منه مواطناً نبهاً واعياً حارساً لحقوقه من الاعتداء و منتبهاً لكل القوى التي تريد سلب حقوقه التي قررها القانون. ان ترك القانون دون نصرة قد لا تبدو خطورته اذا بدر من شخص واحد و لكن اذا استحال الى سياسة عامة في السلوك الفردي يؤدي الى انهيار القانون, ان حياة القانون تكمن في إنفاذه العملي في حياة المجتمع

ان مفردة “الكفاح” اذا ارتبطت بفكرة القانون فانها تعني المواجهة لازالة العقبات التي تقف عائقاً امام إنفاذ القانون , و مواجهة العقبات تلك تكون على  ثلاث صور :

الصورة الاولى: مواجهة امتناع السلطة عن تطبيق القانون الذي يقرر الحقوق و الحريات و التي تمتنع السلطة من إنفاذها عمداً او تقصيراً , فالقانون الذي لا يطبق عملياً لا قيمة قانونية له , وجوده و عدمه سواء .

الصورة الثانية: مواجهة سوء تطبيق القانون , إذ ان السلطة قد تقوم بتنفيذ القانون الا ان هذا التطبيق لا يكون بروح النزاهة و الاستقامة لانه مبني على الرشوة او او استغلال النفوذ .

الصورة الثالثة: مواجهة القانون الظالم الذي لا يكترث بمصالح المجتمع و لا يحقق العدالة الاجتماعية و انما يحقق مصلحة الاقوى  من اصحاب رأس المال او الطبقة الحاكمة .

ثانياً: الاساس القانوني للكفاح في سبيل القانون:

تحقيق سلطة القانون لا تكون الا بمجهود متواصل من جانب الدولة و الشعب معاً , ان كل فرد يتواجد في مركز يحتم عليه الدفاع عن حقه انما يساهم في المجهود الوطني و يشترك في تحقيق فكرة سيادة القانون على ارض دولته , و يرجع الاساس القانوني لحق الفرد في الكفاح من اجل القانون الى اساسيين:

الاساس القانوني الاول : الدستور

 كان الاساس القانوني لكفاح المجتمعات من اجل القانون وليد حق الشعب في رقابة حكامه في الانظمة الديمقراطية المستند الى تأكيد مبدأ سيادة القانون المقرر في المادة (5) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 . فالسيادة ليست للحكام و انما للقانون و القانون وثيقة تقرر حقوق و حريات الشعب وقيام افراده بالكفاح من اجل الدفاع عن القانون هو كفاح من اجل الحقوق و الحريات.كما القت المادة (27/اولاً) من الدستور واجب على كل مواطن عراقي حماية الاموال العامة باعتبارها الثروة العامة التي يجب ان ينتفع منها الجميع من دون تمييز و يجب ان يقوم بتنفيذه لمكافحة فساد السلطة. سيادة القانون و حماية المال العام واجبان دستوريان يلتزم المواطن العراقي بتنفيذه .

الاساس القانوني الثاني: التشريع

الجزاء وسيلة القانون في الردع العام الا ان هذا الجزاء مرتبط ارتباطاً مباشراً بالشكوى من الاعتداء امام القضاء ليقوم القانون عبر القضاء بوضع صاحب الحق في مركز قانوني سيادي يخوله سلطة عليا لتسيير القوة العامة لردع المعتدي و تحرير الحق من اسره بالقوة و العنف المشروع , و هذه يعني ان قوة الردع العام ترتبط بالقانون و القانون لا يتحرك الا بإرادة الفرد من خلال الشكوى امام القضاء من ذلك السلوك غير القانوني , و بالنتيجة المنطقية لهذا التحليل ان تحقيق إنفاذ القانون وسيادته في ارض الدولة متوقف على الفرد , فهو المحرك الاول لجهود الدولة في انفاذ القانون من خلال رفع صوته بالشكوى للتدليل على مراكز الاعتداء , القانون يعترف بان الحقوق تأخذ بالقوة المشروعة و لا تعطى بالسلام , و القوة المشروعة هي اجهزة القهر و الجبر المحتكرة من قبل الدولة وفق القانون لانها قوة اخلاقية مهذبة واعية . و تصدر قانونا اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 في المادة (1) و المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 في المادة (2) فكرة ربط تحريك قوة الدولة الرادعة بالشكوى او الاخبار .

و لكن ماذا لو اهمل الفرد واجبه بالكفاح من اجل القانون و لم يرفع الدعوى للمطالبة بحقه ؟ في هذه الحالة فأن جهد الدولة هو الذي يملأ الفراغ في الكفاح من اجل القانون من خلال قيام المجتمع نفسه بالتدخل عن طريق الادعاء العام كي يسد الثغرة الناجمة عن هروب احد اعضائه من الكفاح في سبيل القانون , و هذا ما جاء به قانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 اذ ان الفلسفة التي يقوم عليها هذا الجهاز هو تحريك الشكاوى و الدعاوى و التدخل فيها و من تلقاء نفسه كلما بدا ضرورة حفظ مصلحة الدولة و المجتمع لتستمر عجلة الكفاح في سبيل القانون لأجل حماية الحقوق و الحريات بقوة الردع العام.   

ثالثاً: الوسيلة القانونية لتنفيذ واجب الكفاح في سبيل القانون: 

الدعوى القضائية هي الوسيلة القانونية الوحيدة للممارسة واجب الكفاح من اجل القانون فالدعوى ليست مجرد طلب و انما هي سلطة يمنحها القانون للفرد ليقوم برد فعل كلما وقع عليه ضرر او لاح له شبح الضرر يتهدد مجاله القانوني في حقوقه و حرياته , وما الدعوى القضائية الا الحق في حالة حرب كما وصفها الفقيه القانوني الالماني سافيني (Savigny) , لذا كانت فاعلية الحق بمقدار ما يكون له من القوة و القسر عن طريق اعماله عن طريق القضاء .  

فجاءت الدعوى القضائية كوسيلة اخلاقية و عقلية لحماية الحق و الحرية و لتحقيق هذا التواصل بين الفرد و الدولة في إنفاذ فكرة القانون من خلال تحريك اجهزة الدولة القهرية الكبرى لتكون في خدمة صاحب الحق , و تنوعت الدعاوى القضائية بتنوع صور الكفاح من اجل القانون  فاذا كان القانون يواجه عقبة عدم تطبيقه او سوء في تطبيقه بشكل يخل بروح النزاهة و الاستقامة لخلق اوضاع غير عادلة تميز بين المواطنين , فالدعوى القضائية هنا تكون بطريقة اخبار قاضي التحقيق عن هذه الجرائم , لردع من قام بالاعتداء على حقوق الافراد و حرياتهم و بعد الردع العام يحق للفرد المتضرر المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي لحقت به من جراء عدم تطبيق القانون او سوء تطبيقه امام القاضي المدني 

اما عن الوسيلة القانونية لكفاح من اجل مواجهة القانون الظالم الذي  لا ينبني على العدل و لا يحقق الخير العام للمجتمع و يُشرع لمصالح اصحاب رأس المال و الطبقة السياسية و يقيد الحريات و يضيع الحقوق فان مواجهة هذه القوانين الظالمة يكون عن طريق الطعن بدستوريتها امام القاضي الدستوري المتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا بطريقة دعوى مستقلة او بطريقة دفع يقدم اثناء المرافعات و المحاكمات امام كافة المحاكم الاخرى لتقوم هذه المحكمة بإيقاف الاجراءات و رفع المسألة  الى المحكمة الاتحادية العليا طالبة الفصل بمدى دستورية النص القانوني  و ما خلقت المحكمة الاتحادية العليا الا لمكافحة القوانين الظالمة وفقاً لقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 و نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2005

زر الذهاب إلى الأعلى