تنمية الأقتصاد العراقي بالتصنيع وتنويع الأنتاج
تنمية الأقتصاد العراقي بالتصنيع وتنويع الأنتاج
تنمية الأقتصاد العراقي بالتصنيع وتنويع الأنتاج
د. أحمد إبريهي علي
2018 / 7 / 22
تنمية الأقتصاد العراقي بالتصنيع وتنويع الأنتاج
الدكتور أحمد ابريهي علي
مبادئ اساسية:
النتائج المعروضة في هذه المقالة خلاصة بحث عن نمو الاقتصاد العراقي للأمد البعيد، وذلك بعد مراجعة انماط التطور الأقتصادي على مستوى العالم ومعايير التنمية الأقتصادية الناجحة. وعبر اعتماد ضوابط كمية لمحاكاة مسارات بديلة للأستثمار والنمو، للتعرف على امكانيات المستقبل على فرض انسجام السياسة والأدارة الأقتصادية مع الشروط الملائمة لتسريع النمو. وأخذا بالأعتبار الوضع الحالي للمورد النفطي، واحتمالات سوق النفط والقدرات الأنتاجية غير النفطية في العراق. وبموجب السيناريو الذي استقرت عليه تجربة المحاكاة يكون المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الأجمالي غير النفطي 8.04 % ولمجوع الأقتصاد بضمنه النفط الخام 6.81 % . ويقتضي ذلك تغيرا جوهريا في بنية الأنتاج، ومن خلال التنمية المعجلة للأنشطة السلعية غير النفطية، وبالأرتكاز على التصنيع. مع إزالة عقبات بنيوية متمثلة بالقدرة التنافسية الدولية الواطئة للعراق، ورفع كفاءة برامج الأستثمار العام، وبعث الحيوية والتوجه التنموي في الجهاز البيروقراطي .
وعلى الرغم من ان تزايد التنافس العولمي والتغير التكنولوجي قد جعلا التصنيع صعبا في العراق لكنه لا توجد سبل اخرى للأزدهار. بل ان تأجيل المباشرة بالتصنيع الموسّع يفاقم مشكلات تمويل الأنفاق العام في الامد المتوسط ؛ ويؤدي، ايضا، الى دفع العراق نحو قيد ميزان المدفوعات لعدم كفاية موارد العملة الأجنبية من صادرات النفط ؛ فضلا عن تجذر الأنماط الهامشية للتشغيل، والانفصام بين نظام التعليم وبنية الطلب على القوى العاملة.
و من المعلوم ان قوام النمو وفق المسار المشاراليه هو الجهد الأستثماري بدلالة تكوين راس المال الثابت المحلي الأجمالي في النفط الخام والقطاع غير النفطي، وهو في الأخير 36% من ناتجه المحلي الأجمالي بالمتوسط، وعلى المستوى الكلي يصل تدريجيا الى 27% من الناتج المحلي الأجمالي. ولأن تغيير بنية الأنتاج لا يكون دون التحكم بالتخصيص القطاعي للأستثمار،الذي يبقى الجزء الأكبر منه حكوميا في الأمد المنظور، لذا فإن التصميم المحكم للموازنة الراسمالية للقطاع العام، واختيار التكنولوجيا والسيطرة على مجرى التكاليف بدلالة الكلف المعيارية، هذه العناصر الأساسية في الأدارة الأقتصادية لها ابلغ الأثر في إصابة الهدف. ومن جهة أخرى لا بد من اعتماد التحليل المالي- الأقتصادي المتقن لجميع المقترحات، من البرامج والمشاريع، وعلى اساس معدلات خصم اجتماعي تعبر عنها معدلات العائد الداخلي المعتمدة في القطاعات، وحسب سياسات توزيع الدخل والتمويل و / او التحليل على اساس الكلفة – الفاعلية Cost Effectiveness، والتي تعني ادنى التكاليف لأحراز الأهداف المعرّفة كما ونوعا.
السيناريو يساعد على اللحاق بالعالم المتقدم، حيث سيرتفع متوسط الناتج المحلي للفرد، باسعار الصرف الأعتيادية، من 48 بالمائة من المتوسط العالمي في سنة البداية الى 76 بالمائة في الأقل، وقد تصل الى 89 بالمائة، في سنة الهدف تبعا لفرضيتين لمعدل نمو السكان. وهذا المؤشر يدل على الاهمية الحاسمة لتعجيل النمو لأن متوسط الدخل للفرد في العالم هو 18 بالمائة من المستوى الأمريكي في سنة الأبتداء.
ان الحلجة الماسة لأعادة الأعمار، واستكمال وتطوير البناء التحتي والخدمات العامة، وتشغيل القوى العاملة، ومكافحة الفقر وإنصاف المحرومين … كلها تتطلب تطوير القدرات الأقتصادية الوطنية عبر مواصلة تنمية قطاعات الأنتاج السلعي والتصنيع بوجه خاص.
1. النفط الخام وموارد العملة الأجنبية وتمويل الأنفاق العام:
يقدر نمو كمية النفط المصدر بمعدل 2.226 بالمائة سنويا، لتحقيق الهدف المقترح لعام 2040 بمقدار 6 مليون برميل يوميا. اما سعر النفط الذي احتسبت بموجبه قيم الأنتاج والصادرات فهو السعر الحقيقي بالقوة الشرائية لعام 2017 ويتحرك بمعدل سنوي مقداره 1.359 بالمائة، مستنتج من الأتجاه الزمني للسعر الذي كشفت عنه بيانات المدة 1972- 2016.
أي ان هذه الزيادة تضاف عليها نسب التضخم وأثر تغيرات اسعار الصرف للعملات الرئيسية إزاء الدولار الذي يسعّر به نفط العراق والعالم. ومن المعلوم ان العراق، حتى نهاية عام 2017، لا يصنّع محليا من النفط الخام ما يكفي لتلبية كل الطلب على المنتجات بيد ان السيناريو يفترض 2 مليون برميل يوميا عام 2040 تصنّع محليا من النفط الخام لتليية كل الطلب آنذاك. وباضافة هدف التصدير 6 مليون برميل يوميا يصل النفط المنتج نحو 8 مليون برميل يوميا عام 2040.
ومن الحقائق الأساسية في اقتصاد العالم المعاصر ان الأستيرادات والأنفاق الحكومي تتزايد نسبتهما الى الناتج المحلي الأجمالي. وتبعا لذلك من المرجح ان يتطلب التوازن الخارجي، في سنة الهدف، عملة اجنبية من غير النفط الخام لا تقل عن 133 بالمائة من قيمة صادرات النفط وقد تتجاوز 200 بالمائة منها عام 2040، ما يعني اهمية التلازم بين التنمية الأقتصادية وإقامة طاقات انتاجية للتصدير اغلبها من الصناعة التحويلية. وتلك المؤشرات مع معدل نمو للناتج الكلي حسب السيناريو وهو 6.81 بالمائة سنويا. اما الحجم التوازني للأيرادات غير النفطية فمن المستبعد ان تكون دون 150 بالمائة من ايرادات النفط سنة الهدف. بتعبير آخر تقتضي سلامة الأقتصاد الوطني، في الأمد البعيد، التزام استراتيجية للتنمية الأقتصادية تضمن توسيع موارد الصادرات ومصادر تمويل الأنفاق العام بعلاقة محكمة مع التصنيع وتنويع الأنتاج السلعي .
2. النشاط الأستثماري:
يتطلب النموحجوم استثمارية، تكوين راسمالي ثابت، بحوالي 2800 مليار دولار باسعار 2017 ، للسنوات 2018 – 2040 . وان توزيع مهام الأستثمار بين الدولة والقطاع الخاص تابعة لخصائص الاقتصاد بالأضافة الى مسؤولية الدولة عن البناء التحتي والخدمات العامة وقطاع الطاقة من النفط والغاز ومنتجاتهما والكهرباء. وفي السنوات الأخيرة تعثّر الأستثمار الممول من الموازنة العامة لعجز الأيرادات، والأستثمار الخاص ضعيف ويتركز في انشطة النقل والتجارة والسكن واخرى خدمية. وتدريجيا يقترب الأسهام المتوقع للقطاع العام في مجموع الأستثمار من 60 بالمائة، بصيغ التمويل المركزية وغيرها، لكن تقسيم العمل بين الدولة والقطاع الخاص لا يتدخل في مسار النمو حسب هذا السيناريو، وقد تهتم به دراسة اخرى.
الأستثمار المبين في هذا السيناريو يفترض وجود قدرات لأنجاز التشييد وتطوير البناء التحتي ولإقامة المنظومات المعقدة تقنيا في الطاقة والأنتاج الصناعي. والمشكلة في عدم تبلور منحى في التفكير يقدم دليلا يقود عملية تكوين منشآت او شركات قادرة على التشييد وتطوير البناء التحتي لضمان انطلاق واستمرار الجهد الأستثماري الذي يفترضه هذا السيناريو.
ولغياب تلك القدرات، مع تخلف ادارة المشاريع العامة والرقابة الهندسية والكلفوية عليها، كانت النتيجة ضياع فرصة انتفاع التنمية المنتظرة من ايرادات النفط، في صعودها بين عامي 2004 و 2013، مثلما ضيّعت الحروب فرصة الأزدهار النفطي الأولى في سبعينات القرن الماضي. ان معدلات النمو في السيناريو الرئيسي وعلاقاتها بمتغيرات راس المال والناتج والعمل تُضمر معدلات عائد على الأستثمار، وهي الدليل الذي يقود تصميم البرامج وتقييم وانتقاء المشاريع، وبذلك هي روابط بين الجهد الأستثماري والنمو. وقدمت هذه المؤشرات بدلالة معدلات العائد الداخلي للمستثمر وهي متفاوتة تبعا لتوزيع الدخل بين تعويضات المشتغلين والفائض من جهة ومعدلات الضريبة من صافي الفائض من جهة اخرى. وعندما تصل تعويضات المشتغلين 60 بالمائة من صافي القيمة المضافة والضريبة 35 بالمائة من صافي الفائض فإن معدل العائد الداخلي للمستثمر 10.75 بالمائة للمشروع النمطي الذي عمره الأنتاجي 25 سنة. اما عندما تنخفض تعويضات المشتغلين الى 40 بالمائة والضريبة 15 بالمئة، بنفس التعريف آنفا، يرتفع معدل العائد الداخلي الى 18.75 بالمائة.
ولذا تتطلب التنمية التخلي عن الصورة الشائعة، للمشروع الأستثماري في العراق وخلاصتها انه عبء آخر على اقتصاد تعثرت تنميته. فالمشروع الذي لا يسهم في تمويل الموازنة العامة والصادرات من غيرالنفط الخام، ويَعتمد في نفس الوقت على اعانات صريحة ومضمرة، هو نموذج لسياسة استثمارية تعطل الأدوات المعوّل عليها للنهوض.
3. بنية القطاع غير النفطي في سياق النمو:
عندما تتصرف الحكومة بالمورد النفطي لتمويل انفاق الموازنة العامة يصبح المستوى الكلي للطلب على السلع والخدمات مستقلا الى حد كبير عن حجم الأقتصاد، من غير النفط الخام. وتنشأ سلسلة لا تنتهي من دورات الأنفاق – الطلب الكلي – العرض تتدخل فيها قدرة العراق على الأستيراد ممولا من مورد العملة الأجنبية لصادرات النفط. وينسجم سعر الصرف المنخفض للعملة الأجنبية والمتعارف عليه في العراق مع الوفرة النسبية لمورد النفط بعيدا عن بنية التكاليف المحلية للأنتاج وشروط التنافس الدولي.
وصار من الواضح تماما بان التحول نحو الأقتصاد الطبيعي الذي يماثل، في تشكيلته القطاعية والعلاقات التقنية والتنظيمية للأنتاج، النمط السائد في العالم لنفس المرحلة من التطور هو السبيل لأخراج العراق من مأزق القيد النفطي على حركته. ولتوليد ما يكفي من فرص العمل ومباشرة التصدير من غير النفط الخام وتمويل الموازنة العامة من مصادر مستقلة عن تقلبات النفط في سوقه الدولية.
ومن ابرز سمات تطور اقتصاد العراق عبر ما يقارب سبعة عقود مضىت ان الزراعة والصناعة التحويلية مجتمعة لا تتناسب مع الحجم الكبير للقطاعت الأخرى. وتفيد بيانات السنوات 2009 – 2015 بالمتوسط ان الزراعة والصناعة التحويلية تسهم بنسبة 7.1 بالمائة من كل الناتج المحلي الأجمالي، و12.9 بالمائة من الأقتصاد غير النفطي. والمؤشر الأخير هو المهم لأن المشكلة تجاوزت مجرد الأعتماد على النفط بل اعادة صياغة الأقتصاد بصفة مستمرة بما يكرس استمرار هذا الأعتماد.
ولقد استرشدت التحولات المنشودة بالأنماط المعروفة للتغيرات البنوية في العالم ارتباطا بمتوسط الدخل للفرد والأنتاجية ومن ابرزها تزايد الأسهام النسبي للصناعة التحويلية وصولا الى نقطة انقلاب بعد اجتياز الأقتصاد عتبة المرحلة المتقدمة. مع محاولة توظيف النمو المرتفع نسبيا للقطاع غيرالنفطي، في السيناريو، بحيث يمكن اجراء التعديل دون التضييق على انشطة التوزيع والخدمات كثيرا. وبذلك يتزايد الناتج غير النفطي من 57 بالمائة الى حوالي 71 بالمائة من مجموع الناتج المحلي الأجمالي، في سنة الهدف؛ وقطاعات السلع المتاجر بها من غير النفط الخام تتزايد من 7.8 بالمائة الى 20.8 بالمائة في سنة الهدف وهي الزراعة والتعدين غير النفطي والصناعة التحويلية. ومجموع قطاعات السلع من غير النفط الخام ترتفع اهميتها من 15.6 بالمائة الى 30.7 بالمائة من مجموع الناتج المحلي الأجمالي؛ وتنخفض اهمية انشطة التوزيع والخدمات قليلا من 41.5 الى 40.7 بالمائة. بمعنى ان الزيادة الكبيرة في الناتج غير النفطي على حساب النفط الخام استأثرت بها القطاعات المنتجة للسلع القابلة للتصدير وهو الهدف.
ولقد ظهرت في السنوات الأخيرة صعوبات جديدة تواجه الدول التي تأخرت في مباشرة التصنيع الموسّع بعد اجتياح الدول الناهضة والمصنّعة حديثا في آسيا اسواق العالم بتنافسية قوية. وايضا لأرتفاع الأنتاجية وانخفاض التكاليف بحيث تحوّلت حركة الأسعار النسبية لغير صالح الصناعة التحويلية بل نحو قطاعات أخرى. هذه الصعوبات والتغيرات العميقة في اقتصاد العالم وضعت العراق امام تحديات جسيمة وإنحسار تدريجي في مساحة الأختيار. بيد ان تأجيل المباشرة بالنهضة الصناعية سوف يضيف المزيد من العقبات والتي ربما تحبس اقتصاد العراق في حلقة مفرغة.
من المعلوم ان حوالي 66 بالمائة من صادرات السلع في العالم من الصناعة التحويلية، وفي دول آسيا 80 بالمائة من صادرات السلع للصناعة التحويلية، ولذلك لا بد من مراعاة هذا الحقيقة في سياسات التنويع والتعديل البنيوي للأقتصاد العراقي.
ونقترح ان تكون نصف الصادرات غيرالنفطية، المستهدفة، من الزراعة والتعدين والأستخراج غير النفطي والصناعة التحويلية التي تقوم على النفط والغاز، والنصف الثاني من الصناعات التحويلية متوسطة وعالية المستوى التكنولوجي.
مما يساعد على تلك التحولات زيادة الحجم النسبي للقطاع غير النفطي الى 71.4 بالمائة عام 2040، الى جانب انخفاض الثقل النسبي لأنشطة التوزيع والخدمات من 72.7 بالمائة من الأقتصاد غير النفطي عام 2017 الى 57 بالمائة عام 2040. وان التحول التدريجي نحو الأنتاج السلعي مع تكنولوجيا متقدمة، وتنظيم ارقى للعمليات في مؤسسات الأنتاج الكبير، سوف ينعكس ايجابيا على تسريع التعلم من خلال العمل ويسهم في تغيير ايجابي عميق في المجتمع واالثقافة والسياسة.
خاتمة:
جاء هذا السيناريو بعد دراسات مهدت له، ومحاولات سابقة، ليرسم مسارا لنمو الأقتصاد العراقي، وتحوله تدريجيا نحو قاعدة انتاجية بديلة عن النفط الخام. ومواصلة اللحاق بالعالم المتقدم، وهي عملية تتطلب تقليص متواصل لفجوة الأنتاجية ومتوسط الدخل للفرد، واستكمال وتطوير البناء التحتي، وتبلور نمط مغاير لتشغيل القوى العاملة، وصيغ اكثر فاعلية لتنظيم الأنتاج للأنتفاع من وفورات الحجم الكبير والتكنولوجيا الأحدث.
وتوصل البحث الى امكانية تغيير بنية الأنتاج السلعي، دون النفط الخام، بكيفية تستجيب لمتطلبات تنمية الصادرات غير النفطية، وعُرضَت، بدلالة الناتج المحلي الأجمالي، البنية القطاعية المناسبة نهاية مدة السيناريو مع مراحل الأنتقال التدريجي ٠ *
*. عن الحوار المتمدن