على ضوء مقترح قانون صندوق المواطن
على ضوء مقترح قانون صندوق المواطن
حمزة الجواهري
2019 / 3 / 29
بغداد – 29 آذار 2019
اقترحت كتلة سائرون قانون صندوق المواطن لتوزيع بعضا من الثروة النفطية على المواطنين وذلك باستقطاع نسبة10% من عائدات النفط ووضعها بصندوق توزع سنويا بشكل متساو على جميع العراقيين.
حقيقة ما يصيب المواطن شيء بسيط يكاد لا يسد الرمق، ولكن تبقى مشاكل العراق كما هي والتي سنأتي على حجمها الكبير. وصحيح أن العراقيين جميعا يملكون النفط وفق المادة111 من الدستور، ولكن المادة تشير إلى أن كل النفط تعود ملكيته للعراقين جميعا وليس 10% فقط، وهذه مخالفة للدستور. أضف إلى ذلك أن العراق يعاني من العديد من المشاكل الأقتصادية والاجتماعية والسياسية المرتبطة موضوعيا ببعضها البعض بحيث لا تستطيع تفكيك الاقتصادي عن الاجتماعي أو السياسي بحيث يحتار المرء من أين يبدا، وغالبا ما ينتهي العراقي إلى استنتاج نهائي وهو أن الأمر ميؤس منه تماما، وهذا ما يزيد من حالة الإحباط حد القنوت والشاؤم المطلق.
بجرد بسيط لنرتب مشاكلنا في العراق حسب الأهمية في الترتيب:
1. الفساد مستشري بكل أنواعه والذي له مؤسسات ومافيات وسلاح وعيون مفتوحة في كل الأوقات،
2. والاقتصاد العراقي ريعي ويعتمد على عائدات النفط تقريبا بالكامل،
3. لا توجد برامج حقيقية للتنمية المستدامة في العراق.
4. لا يوجد قطاع خاص يدعم الدولة بإنتاجه وفي جميع القطاعات الاقتصادية في البلد.
5. وحتى النفط المورد المالي الوحيد للدولة فإنه يعاني من هروب المستثمرين منه رغم اهتمام العالم به، ولكن حين يصل المستثمرون للعراق ويواجهون الحقيقة المرة وهي أن البيئة طاردة للاستثمار يعودون خائبين في حين نحن بأمس الحاجة لأموالهم ومشاريعهم الاستثمارية.
6. البضائع المستوردة تغزوا العراق ولا تستطيع الدولة حماية المنتج المحلي ولا حماية المستهلك لأن التجار بجبروتهم وعلاقاتهم قد عطلوا جميع القوانين التي تحمي المنتج المحلي والمستهلك معا.
7. القانون بشكل عام معطل، فهو لعبة بيد المافيات الحزبية وغيرها من مافيات وعصابات الجريمة المنظمة.
8. العشيرة هي التي تحكم في البلد وقوانينها هي الأقوى.
9. نظام التعليم فاشل بكل معنى الكلمة.
10. النظام الصحي أكثر فشلا.
11. ولدينا بطالة عالية جدا،
12. وفقر شديد في مناطق عديدة من العراق،
13. وهجرة من الريف للمدينة شوهت معالم المدن ولوثت الثقافة المجتمعية، وحرمت الأرض من الفلاحين بحيث اتسعت الأراضي البور.
14. مدن كأنها الأطلال في كل جغرافية العراق بالكامل وبنى تحتية مخربة وخدمات فقيرة جدا.
كل هذه الأمراض التي تبدو مستعصية وأكثر بكثير من ذلك موجودة في العراق.
لذا اعتقد أن هذا القانون يعتبر هدرا لعائدات النفط بنصه الحالي خصوصا وأن العديد من الشرائح الاجتماعية التي بحاجة إلى دعم مالي هي اصلا مدعومة حاليا من قبل الدولة، لذا اعتقد أن علينا تحويل هذا الاستقطاع من عائدات النفط لبناء دولة جديدة تختلف عن الدولة التي نعيش بها.
ببعض التفصيل نقترح ان يقوم هذا الصندوق في البداية بتمويل مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة في مجال الزراعة والصناعة والخدمات والسياحة وغيرها، فلو أخذنا القطاع الزراعي على سبيل المثال، يمكن أن يتم دعم الفلاحين من قبل الصندوق، وذلك من خلال تأسيس تشاركيات زراعية وتخصيص أرض من المساحات الواسعة التي تملكها الدولة وتشغيل الفلاحين الذين تركوا أراضيهم مع نخبة من المهندسين الزراعيين والكوادر الزراعية وغير الزراعية المتوسطة التي يحتاجها أي مشروع استثماري ودعمهم بالمكننة الزراعية والأسمدة وغيرها من المستلزمات على أن يسدد المشروع الاستثماري كل المبالغ التي صرفت عليه مع نسبة معقولة من الأرباح تعود لتمنية الصندوق نفسه. بعد تسديد الكلف يجب أن تعود ملكية المشروع بالكامل للعاملين به وتبقى الدولة تراقب عمل المشروع بطريقة ما لضمان استمراريته على وفق قانون يشرع لهذا الغرض. وبنفس الأسلوب يطبق هذا الأمر في باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى.
لنذهب إلى بعض التفاصيل:
إن نسبة 10% من عائدات النفط تعني من7 إلى8 مليار دولار سنويا على وفق الأسعار الآنية والتوقعات المستقبلية لأسعار النفط و وتوقعات الإنتاج العراقي.
يمكن اختيار مجموعة من الاقتصاديين والمخططيين الاستراتيجيين يعملون لصالح الصندوق لوضع خارطة استثمارية لمشاريع الصندوق وتوزع المشاريع بشكل عادل على المناطق العراقية، وأن لا يتم الموضوع بشكل عشوائي أو بتدخل من سياسي أو أي جهة أخرى.
إن كلف المشاريع الصغيرة لا تزيد عن5 مليون دولار، بالمتوسط3 مليون دولار، أما المشاريع المتوسطة من5 إلى50 مليون دولار، بالمتوسط25 دولار. وهذا يعني إنشاء أكثر من800 مشروع صغير وأكثر من200 مشروع متوسط سنويا، المجموع1000 مشروع، يمكنها تشغيل على الأقل20 ألف إلى30 ألف عامل ومهندس ومحاسب وفني من مختلف الاختصاصات عدا الوظائف الأخرى في التعليم والصحة والخدمات والتجارة، بحيث يمكن أن نتوقع أن التشغيل سيكون ما بين30ألف إلى 40إلف من العاطلين سنويا بعد فترة تدريب قصيرة لأن مثل هذه المشاريع لا تحتاج إلى خبرات كبيرة وفترات تدريب طويلة.
ويجب أن لا ننسى أن المشروع الواحد قد يسترجع كلفته مع الأرباح بظرف خمسة سنوات على أبعد تقدير من خلال مراجعة مشاريع القطاع الخاص من هذا النوع،
أن هذه الأرقام ستتضاعف عدة مرات بالعشر سنوات الأولى أي أن تشغيل العاطلين عن العمل قد يصل أكثر من مليون شخص وعدد المشاريع ستكون أكثر من 20 ألف مشروع لأن النمو سيكون على شكل متوالية هندسية سواءا بالنسبة لعدد المشاريع أو عدد العاملين، ويصبح حجم الصندوق أكثر من200 مليار دولار. بعد ذلك يمكن الإنتقال للمشاريع الكبيرة ومن ثم للمشاريع العملاقة.
آنذاك يمكن تخصيص صندوق للمواطن لتوزيع الثروة بالتساوي على وفق المستجدات.
بهذه الطريقة:
1. يمكن خلق قطاع خاص تشاركي واسع ومنظم.
2. بهذا الصندوق يمكن توجيه المال العام نحو التنمية المستدامة والحقيقية ويمكن تنمية الصندوق ليصبح أكبر بحيث يخدم مشاريع إنتاجية واسعة وذلك لخلق قطاعات إنتاجية تدر عادات للصندوق والدولة.
3. مثل هذه المشاريع يمكنها امتصاص جميع البطالة في الدولة بشكل تدريجي وبفترة قصيرة نسبيا.
4. مثل هذه المشاريع التشاركية يمكن أن تعيد خلق قيم العمل الراقية والشفافية والبعيدة عن الفساد كون جميع العاملين بأي مشروع هم أصحاب المصلحة المباشرين لذا سيقطعون يد الفاسد والمفسد على حد سواء في حال تجرأ على ملكيتهم الخاصة.
5. بظرف عقد من الزمن وبظل إدارة حكيمة للصندوق من قبل مختصين يمكن ان نقول لدينا قطاع خاص منتج ومتطور.
6. يمكن أن يساهم مستقبلا بخلق مدن جديدة للعاملين بمثل هذه المشاريع.
7. يمكن لمثل هذه المشاريع ان تساهم بالهجرة المعاكسة من المدن للريف والتخفيف على المدن الكبيرة ويمكن ان نستطيع القضاء على العشوائيات في مدننا الكبيرة.
8. بوجود مثل هذه التجمعات البشرية والمشاريع يمكن تطبيق الضريبة بشكل صحيح لتكون احد مصادر تمويل الدولة.
9. في حال تشكلت هذه التجمعات البشرية المتنوعة الأصول ومن مناطق مختلفة من العراق سوف ينتهي تلقائيا دور العشيرة وستتحول المرجعية لهؤلاء إلى القانون والقضاء وفي الحالات البسيطة للنقابة أو الإتحاد المهني كإتحادات الفلاحين أو غيرها.
10. بهذه الطريقة ستخرج تلقائيا جميع الأحزاب من التلاعب بالمال العام وتتضائل سطوتها على الدولة والمجتمع بحيث تضطر أن تتحول إلى أحزاب تنتهج النهج العلماني حتى لو كانت بمسميات دينية.
نلاحظ هنا كم هو عدد الأمراض التي تمت معالجتها من تلك التي سميناها أمراضا مستعصية في العراق؟
بالطبع هذا يعتبر اقتراح أولي على أسس حسابية بسيطة وعلمية، لكن يمكن إغناءه عن طريق النقاش بين المختصين في المجال الاقتصادي والتخطيط والمهندسين والمهنيين من مختلف الاختصاصات. بمعنى أن تتبناه مجموعة من الخبراء وتعمل عليه لينضج ويقدم للدولة كمشروع إصلاحي حقيقي وليس مجرد إنشاء، وأن يتم تنفيذه من قبل أياد أمينة وخبيرة ونزيهة…. .$
$. عن الحوار المتمدن…