اللجان

عن تلك النخلة العجفاء

ياسين طه حافظ

عن تلك النخلة العجفاء

ياسين طه حافظعن تلك النخلة العجفاء

يطيب للكاتب احياناً ان يكتب في ما لم يعتد على الكتابة فيه او ان يكتب في موضوع مما كان لا يراه مهماً والاولى ان يتعالى عليه الى ما هو ابقى وانفع.

 

 

لكن تأتي حادثة او صورة او ظاهرة تلزمك، تدعوك بالحاح للتعبير عما اثارته فيك وذكرتك به. بعض من هذه طرائف، بعضها عيوب، بعضها خطلُ رأيٍ او خطأ اختيار، او غفلة.

امس وانا في السيارة عابراً ساحة الامة فرحتُ بمشهد صفّ نخيل مغروس على طول الحديقة “مواجهاً” للسوق وازدحام الباعة والشراة في الجانب المقابل من الشارع… عمل طيب ان تزرع نخيلاً في الشوارع العراقية والساحات، وزرعها في هذا المكان، رسم مشهداً جميلاً مباركاً. لكن هذا الخط المبهج من النخيل المغروس حديثاً والذي نُقِل من بساتينه البعيدة ليستقر في اشهر واجمل ساحة في بغداد عاصمة البلد، خطّ صف النخيل الجميل هذا يكسر انسيابه المريح وجماله وتناسقه وجود نخلة عجفاء مأكولة الرأس! لماذا هذه النخلة العليلة الشائهة؟ هل انتهى النخيل واضطرتكم الحاجة لها اوَ لم تروها تكاد تموت او ستموت؟ او انها ستعيش عليلة زمناً وقد يمن الله عليها وعليكم بالعافية فتخضّر سعفاتها، وتنسجم وبقية النخيل؟ لماذا هذه النخلة العجفاء، ألا نخيل بعد؟ انتهى كله وبقيت هذه؟ ام هو الشراء جملةً ولا من يختار ولا من يعزل المعوّجّة المحنية واليابسة برأس يابس قد تخضر يوماً وقد تظل جذعاً ميتاً وشارةَ بؤسٍ للعالمين؟ وفي مثل هذا المكان الذي يتمناه كل الشجر؟ ثم الم ينتبه لها احد ويبدلها بأخرى بعد كل الايام التي مضت على زرعها، وانها ما تزال عجفاء بلا رأس سليم وبلا سعف؟ انا اعرف ان بعضاً مما يباع قد يُدَسّ فيه ما هو غير صالح. حسناً نعرف هذا، ولكن في التنفيذ العملي ننتبه لما هو غير صالح شكلاً او سلامةً ونعزله لنحافظ على عملنا وكماله. وإلا فهل يعقل لا احد رأى النخلة العجفاء واقفة شبه منحنية وشبه ميتة الرأس في ساحة الامة؟ كيف رأيتها انا وانا عابر؟ ستعتدل وتشفى؟ ما الذي يضطرنا لامل ضعيف وقد يخيب؟

هي ليست مسألة نخلة عجفاء، ولكن ما اريده هو ان في كل وزارة، كل دائرة وكل مؤسسة “نخلة” عجفاء، شخص عكِر او جاهل، او سيء الطباع او شخص لا يصلح لعمله او لا يفهم.. وهؤلاء “العجاف” هم وراء ارباكات العمل وهم وراء ازعاج العاملين وتأخر الاعمال وانجازها. امثال هذه النخلة العجفاء رؤساء دوائر، رؤساء مؤسسات، او اقسام او اكبر او اقل منهم. هم النشاز المؤسف الذي نتحدث عنه وضرر هؤلاء ضرر مباشر على الناس وعلى العاملين معهم وسوء اثره على تنفيذ البرامج كبير، مثلما هو مزعجٌ مؤلم. في التنفيذ تتضح مشاكسات هؤلاء غير السليمة التي لا تستند لخبرة، واذا تحركوا وعملوا، فبلا حماسة ولا عافية. يظهر التأثير السلبي لهؤلاء في سير العمل وفي تنفيذ الخطط بأشكال عجفاء وقد تحرف النتائج عن الاستقامة الى ما هو خطأ او ما يؤخر ويربك او يولّد التذمر والاستياء، تماماً كما اساء مظهر هذه النخلة العجفاء الى صف النخيل الجميل واضح النمو والعافية..

في حياتنا العملية نمر بهكذا نماذج وقد يتولون الامور، فنجد هذا العدد الكبير من المشاريع المتلكئة التي تبادر الارادة المخلصة الجديدة اليوم وتؤكد على استكمالها. كان بعضها ممكن الانجاز منذ زمن لولا “الاعجف” هنا و”الاعجف” هناك وفي هذه المؤسسة او تلك الوزارة او هذه المنشأة وذاك المشروع.

انتبهت للخبر المبهج يقول: أُنجزت إعادةُ عمل مصفى بيجي خلال سبعة اشهر وقد كان مهجوراً مهملاً اكثر من عشر سنين! رفعت يدي وانا في مكاني وقلت للعاملين: سلاماً! وانا اشهد هذه الفورة الوطنية، هذه الحماسة المباركة ودينامية العمل او المتابعة التي لا تكلّ، للمجسّرات، للشوارع الجديدة، للمدارس، للمشاريع، للخطط، والحضور الفاعل في المناسبات المهمة والمؤتمرات. أعجب حقاً كيف يمتلك هذا العراقي المخلص كل هذا الوقت وكل هذه الحماسة الوطنية وكيف له ان يتابع كل هذا! لكن من يُرِدْ ان يعمل ويُنجِز، يستطعْ ان يعمل وينجز وان يفكر في المزيد ايضاً! السبب الاول والاكبر لهذه الروح انه ترك الماضي واحداثه وراءه، وراح بهمة يعمل لحاضر العراق ومستقبله و وهب كل روحه لهما، بدلا من ان يشغله الماضي وسيئاته واحداثه التي لا يريد احد ان ينشغل بعد بها. وهو هذا سلوك من يريدون التقدم والتجديد. أسأل الان: كيف كنا نرى العراق اليوم لو ان الثلاثين سنة التي مضت، او اكثر، حفلت بإنجازات واصلاحات ومشاريع ومتابعة مخلصة مثل هذه التي نشهدها اليوم، وفي وقت قصير جداً وساخن مزدحم؟

ان هذا يدفعنا لان نتمنى دائماً وجود مخلص كفوء وبكامل الحماسة الوطنية والدينامية والذكاء، في كل دائرة، في كل مؤسسة ومرفق عمل.. فهي الروح الجديدة التي نريدها تعود لناس البلاد، جميع ناس البلاد، وهي البركة والنعمة التي تحِلّ في الطيبين العاملين لوطنهم كله ولشعبهم كله!

ان من يحمل هذه الروح، يكون قد اكتسب وحمل الهوية الوطنية الحقيقية. هذه الهوية الوطنية ينالها من عمل وسعى لينالها، من ينسى الماضي ويبتديء العمل لحاضر العراق ومستقبله… سلاماً سلاماً ياعراق الجميع، وبعيداً بعيداً عن النخلات العجاف!

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى