مجلس النواب وغوستاف لوبون
ان عالم النفس الفرنسي غوساتف لوبون المتوفى عام 1932 له عدة مصنفات وكتب مهمة إلا أني اطلعت على كتابه الموسوم (سيكولوجية الجماهير) من منشورات دار الروايات العالمية الطبعة الأولى عام 2021 ترجمة هاشم صالح ، وفيه أسس علم نفس الجماهير او علم النفس الجماعي ، ولا أود أن استعرض ما فيه لكن استوقفني فيه الفصل الخامس الموسوم (المجالس النيابية) وهذا الكتاب بلا شك لم يكتب عن العراق وإنما كان عبارة عن دراسة لتاريخ أوربا السياسي، إلا أن القارئ لابد وان يلاحظ بعض المقاربة مع الوضع الراهن في العراق وسأنقل منه بعض ما قاله دون أن اعلق عليها وإنما اترك أمرها للقارئ الكريم:
- إن المجالس النيابية لها خصائص عامة تماثل ما لدى الجماهير منها (التبسيطية في الافكار والنزق وسرعة الغضب والقابلية على التحريض والمبالغة في العواطف والتاثير الكاسح للمحركين والقادة) ص174
- ان وجود القادة المحركين في المجالس النيابية شيء لا جدال فيه لاننا نجدهم يتوارون تحت اسم رؤساء المجموعات النيابية وانهم الملوك الحقيقيون للمجالس النيابية والنواب لا يمكنهم الاستغناء عنهم ولهذا السبب فان التصويت الجاري في مجلس نيابي ما لايعبر عموماً الا عن رأي الاغلبية) ص176
- (ان المجالس النيابية السياسية هي اخر محل في الارض يمكن للعبقرية ان تشع فيه) ص177
- إن القادة المحركين (الزعماء والسادة ورؤساء المجموعات النيابية) من مصلحتهم ان يبالغوا في الأمور و يضخموها الى ابعد حد لان هذه الأساليب تؤثر دائما على الجماهير ـ ص180
- يمكن للقادة المحركين ان يكونوا أحيانا أذكياء ومثقفين، لكن ذلك يضرهم عموماً اكثر مما ينفعهم ، لان هؤلاء القادة في المجالس النيابية على مر العصور، وخصوصا الذين برزوا أثناء الثورة الفرنسية كانوا محدودي العقل جداً ومع ذلك مارسوا تأثيراً كبيراً ـ ص180
- إن المجالس النيابية إذا ما وصلت إلى درجة معينة من الهيجان تصبح مشابهة للجماهير العادية غير المتجانسة وبالتالي فان عواطفها تتميز دائماً بالتطرف ـ ص182
- إن المجالس النيابية المستثارة بما فيه الكفاية والمنومة مغناطيسياً تبرز نفس الخصائص كبقية الجماهير، فهي تصبح عبارة عن قطيع غنم متحرك يخضع لكل الدوافع الغريزية ـ ص184
- يمكن للمجالس النيابية ان تصوغ قوانين تقنية ممتازة ، لكن هذه القوانين يتم تحضيرها مسبقاً من قبل الاختصاصي في المكاتب الوزارية أو البرلمانية والواقع إن القانون المصوت عليه هو من صنع فرد واحد لا مجلس نيابي بأكمله وهذه القوانين هي الأفضل بالطبع، ولا تصبح مدمرة أو سيئة، إلا إذا لحقتها سلسلة من التعديلات التعيسة التي تجعلها جماعية، فعمل الجمهور اقل مستوى من عمل الفرد الواحد في كل مكان ودائماً ـ ص185
- على الرغم من كل الصعوبات إلا إن المجالس النيابية تمثل أفضل طريقة وجدتها الشعوب حتى الآن من اجل حكم ذاتها بذاتها، ولا يهددها إلا خطران جديان هما التبذير الإجباري للميزانية والتقييد التدريجي على الحريات الفردية ـ ص185
- إن التقليص التدريجي لكل الحريات لدى بعض الشعوب يبدوا انه ناتج عن شيخوختها بقدر ما هو ناتج عن النظام السياسي ـ ص188
هذه نظرة غوساف لوبون قبل أكثر من قرن تجاه المجالس النيابية في بلدان هي مهد الديمقراطية والحياة البرلمانية، فهل نكون نحن أفضل مما ورد ذكره في كتابه الموسوم (سيكولوجية الجماهير)، وأتمنى أن تكون لنا في معرفة تاريخ الحياة النيابية عبرة ننتفع بها لتجاوز الأزمات التي يخلقها البعض دون أن يعلم بأنه يبعث الفوضى واخص منهم الفاسدين اللذين يعيثون بمقدرات البلد وهم من ذكرهم القرآن الكريم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) واسأل الله تعالى أن يعيد الرشد لمن غاب عنه رشده.
سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد