د. محمد صباح علي / ر. مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية
أن مجال رقابة القاضي الدستوري في حماية نصوص الدستور تظهر من خلال ما يصدره من القرارات؛ إذ يمكنه في مجال الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون أن يصدر ما يلي:
أولاً: قراراً يعلن فيه مخالفة القانون كلياً أو جزئياً للدستور.
ثانياً: قراراً يعلن فيه مطابقة القانون للدستور.
ففي الحالة الأولى نجد أن المدى الذي تبلغه مخالفة القانون لأحكام الدستور يمكن أن يطال النص المطعون فيه بمجمله، كما يمكن أن يعتدي على بعض أحكامه فقط، وعلى هذا فإن قرارات المجلس الدستوري يمكنها أن تُعلن مخالفة القانون كلياً أو جزئياً لهذا القانون الأعلى.
بمعنى أن إعلان مخالفة القانون كليا للدستور، يمكن للمجلس الدستوري أن يقرر أن النص موضوع الطعن مخالف كلياً أو جزئياً للدستور، فيعلنه قانوناً غير مطابق للدستور. وتحصل هذه الحالة عندما يتحقق المجلس الدستوري من أحكام القانون بكاملها، مخالفة للدستور، أو بعضها غير القابل للتجزئة أو للفصل عن مجمل القانون.
وفي حالة قضائه بعدم دستورية بعض نصوص القانون، مع عدم إمكانية فصلها عن مجمل القانون، أن يوضح التلازم وعدم إمكانية الفصل بشفافية؛ هذا وقد أتيح للمجلس الدستوري الفرنسي إعلان مخالفة القانون كلياً للدستور في البعض من قراراته. من ذلك مثلاً قانون الموازنة لعام 1980.
أما الحالة الثانية، أي إعلان مخالفة القانون جزئيًا للدستور، في هذه الحالة يعلن المجلس عدم دستورية بعض الأحكام مع مطابقة باقي نصوصه للدستور. وكي يعمل لهذه القاعدة، يتعين أن تكون النصوص المخالفة للدستور قابلة للانفصال عن باقي أحكام القانون، فحينما يحدد المجلس النصوص غير المطابقة للدستور، ويبين إمكانية انفصالها عن باقي أحكام القانون المطعون فيه، ليعلن في الأخير عدم المطابقة لجزء منها، من ناحية، ومطابقة الجزء الأخير للدستور من ناحية ثانية.
وفي إطار المحكمة الاتحادية العليا في العراق نرى اتجاه المحكمة في الحكم بإلغاء القانون التشريعي المخالف للدستور إلغاًء كلياً، فنلاحظ ذلك على الحكم الآتي الذي تقدم به المكون الأيزيدي بطعن في العام 2014 حول حقهم بالتمثيل الانتخابي، ومرفقاً الطعن بقانون الانتخابات، وقد جاء في قرار المحكمة ذي الرقم11/اتحادية/2010 الصادر بتاريخ 14/6/2010، بأن القانون المذكور جاء في المادة 11 ثانيًا (ب) العليا خلافًا لأحكام المادة 94 من الدستور فأقرت عدم دستورية القانون السابق، وضرورة منح المكون الأيزيدي مقاعد في مجلس النواب لعام 2014 تتناسب مع حجمه السكاني، علما أن قرارات المحكمة باتة وملزمة، ووجب على المجلس الالتزام بها خاصة أن تحديد نفوس الأيزيديين في العراق يتجاوز النصف مليون. بالرجوع إلى حيثيات القرارات نجد أن المحكمة الاتحادية سبق أن أصدرت بتاريخ 2007 وتاريخ 2010 قراراً مشابهاً له يقضي بعدم دستورية قانون الانتخابات الصادر من السلطة التشريعية؛ الذي يسلب أو يقلل من حق المكون الأيزيدي في التمثيل البرلماني. وعلى الرغم من أن المحكمة الاتحادية، سبق لها وفي مناسبتين قد أصدرت قرارها بعدم دستورية القانون المشرع من السلطة التشريعية، إلا أن السلطة التشريعية ومع كل دورة انتخابية تسن القانون السابق نفسه المطعون بعدم دستوريته، ويتبين لنا من الأمر أن سلطات الدولة وأقصد السلطتين التشريعية والتنفيذية، هي من تتعدى على حقوق الأفراد والأقليات بقصد أو بدون قصد وتخالف نصوص الدستور، وتحاول كذلك عدم الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية العليا السابقة.
غير أن الدور البارز للمحكمة الاتحادية العليا في التصدي لجميع تلك الخروقات الدستورية المتكررة، وإصرار المحكمة على رأيها وإلغاء القانون المذكور من قبل المحكمة لعدم دستوريته إلغاء كلياً، والوقوف بوجه سطوة السلطتين التشريعية والتنفيذية، يؤكد استقلالية المحكمة الاتحادية عن باقي السلطات.
وفي طعن مماثل تقدم به الكرد الفيليين، وهم من الأقليات ولكنهم موزعون على مناطق متفرقة من العراق دون تحديد منطقة تجمعهم مرتكزين في طعنهم إلى ديباجة الدستور.فادّعت وكيلة المدعيتين أمام المحكمة الاتحادية في الدعوى ذو الرقم 20/اتحادية/2014. للنظر في صدور قانون انتخابات مجلس النواب العراقي ذو الرقم 45 لعام 2013، طعناً بعدم دستورية المادة 11 من القانون أعلاه لانحراف المشرع عن المبادئ والحقوق الأساسية الواردة في الدستور لعام 2005، بحرمان الكرد الفيليين من حقهم في التمثيل النيابي بتخصيص (الكوتا) لهم أسوة ببقية المكونات في الدستور على الرغم من توافر المبررات نفسها والأسباب اللازمة لتخصيص الكوتا فضلاً عن ديباجة الدستور، التي أوضحت تضحياتهم، فالدستور العراقي أكد مبدأ المساواة للعراقيين وتكافؤ الفرص على أن تكفل الدولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة استناداً للمادة 14 و 16 من الدستور. كما أن الدستور أشار في المادة 47/أ على ضرورة تمثيل الشعب العراقي بأكمله في مجلس النواب، بنسبة نائب واحد لكل مائة ألف على أن يراعى سائر مكونات الشعب، وأن الحالة الواقعية إلى عدم وجود تمثيل للأكراد الفيليين، في مجلس النواب بسبب طبيعة قانون الانتخاب. وبعد التدقيق والمداولة في المحكمة الاتحادية وجدت أن نص المادة 11 من القانون ذي الرقم 45 لعام 2012 على تخصيص الكوتا للكرد الفيليين لا يجعل من المادة المذكورة من القانون أعلاه غير دستورية، وأنه خيار تشريعي يرجع إلى المشرع. وأن طلب تعديل المادة المذكورة بإضافة الكرد الفيليين إليها؛ ليكون للكرد الفيليين كوتا محددة في مجلس النواب، ليس من اختصاص المحكمة الاتحادية كما أنه ليس من اختصاصها الحكم بإلزام المدعي عليه إضافة لوظيفته بتخصيص حصة معينة للمكون المذكور، في مجلس النواب وللأسباب المذكورة تكون الدعوى واجبة الرد لعدم الاختصاص.
كما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكماً بعدم دستورية الاستفتاء الجاري يوم 25 أيلول 2017، في إقليم كردستان وبقية المناطق وفي خارجه، مقرّرة إلغاء الآثار والنتائج المرتبة عليه كافة.
وقال المتحدث الرسمي باسم المحكمة، إلياس الساموك، في بيان، أن (قرار المحكمة أفاد بأن المدعى عليه رئيس إقليم كردستان عند توليه رئاسة الإقليم قد أصدر إضافة لوظيفته الأمر الإقليمي ذو الرقم(106) في 9 حزيران/ يونيو الماضي، الذي أعلنه إعلامياً رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان وأيده المدعى عليهما رئيس مجلس محافظة كركوك ومحافظ كركوك إضافة لوظيفتيهما). وأوضح المتحدث الرسمي أن الاستفتاء “جاء للمشمولين به بسؤال واحد ونصه (هل توافق على استقلال إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة” ، مؤكداً أن “المحكمة وجدت وبالهدف الذي سعى إليه والغرض الذي أجري من أجله الاستفتاء، هو استقلال إقليم كردستان والمناطق المشمولة بالاستفتاء في خارج الإقليم عن العراق وإنشاء دولة مستقلة خارج النظام الاتحادي لجمهورية العراق، الذي نصت عليه المادة (116) من الدستور والمتكون من العاصمة والأقاليم والمحافظات اللامركزية والإدارات المحلية”. وأشار إلى أن “الأمر الإقليمي المنوه عنه آنفاً وفقا لقرار المحكمة وإجراء الاستفتاء بناء عليه يتعارض ويخالف أحكام المادة (1) من الدستور وتنص على جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”. وذكر أن “دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لا يجيز انفصال أي مكون من مكونات نظامه الاتحادي الوارد ذكره في المادة (116) من الدستور والذي ألزمت المادة (109) منه السلطات الاتحادية الثلاث بالمحافظة على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي”. وتابع: “بناء عليه فان حكم المحكمة أكد أن الاستفتاء لا سند له من الدستور ومخالف لأحكامه، وعليه قرر الحكم بعدم دستورية الاستفتاء في إقليم كردستان وفي المناطق الأخرى التي شمّلت به وإلغاء الآثار والنتائج كافة المترتبة عليه”. وطبقاً للبيان، فإن “قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة استناداً إلى المادة 94 من الدستور”. وهي تعمل على إلغاء القانون المخالف للدستور أو ترد الدعوى لعدم الاختصاص طبقاً لما أوردناه من الأحكام السابقة، ولم يتبين لنا من أن المحكمة الاتحادية في العراق تعمل على إلغاء جزئي للقانون المخالف والمطعون بعدم دستوريته كما في فرنسا، وهذا ما يكون مدعاة اطمئنان لعمل المحكمة ، فالقانون المخالف يكون بدرجة واحدة أمام نصوص الدستور يستلزم إلغاءه وعدم إلغاء جزء وإبقاء على جزء، يعني ذلك تلاعباً على حقوق الأفراد وحرياتهم، وينفي بذلك ضمانات القضاء تجاه الأفراد وتضعف دور الرقابة وحسناً فعل قضاء المحكمة في ذلك.