مسؤولية المثقف في المجتمع
مسؤولية المثقف في المجتمع ٦
سعدون هليل
2011 / 2 / 26
الادب والفن
لايحتاج الباحث والمثقف المدقق في الواقع الثقافي العراقي عناء كبيرا لكي يكتشف عمق الأزمة في المرحلة الراهنة .
والسؤال اذاً ؟ هل يمكن أن تزدهر الثقافة في ظل الديمقراطية ، نحن نجد أغلب الأعمال العظيمة هي التي كتبت في أحلك عهود الطغيان ، فكثيرا ما كان الظلم حافزا في تفجير الطاقات الابداعية للمثقفين ورجال الفكر التنويري . ان مايحدث الآن في عالمنا العربي ليس فقط حالة غياب الديمقراطية ، بل حالة يأس من امكان وجودها ، إذ أن هناك علاقة بين الديمقراطية والابداع ، وإن العلاقة بينهما وثيقة ، ونحن نرى أن الديمقراطية هي أفضل وسيلة عصرية لمواجهة التسلط والديكتاتورية ، كما انها أفضل آلية لضمان تداول السلطة وتطبيق الحريات ومحاربة الفساد ، واليوم لايمكن السكوت عن التردي الذي يحدث في عالمنا العربي من انتشار الحركات الاصولية وتوسع ظاهرة العنف السياسي ، فالجدال الطويل الدائر بين من يعتقد ان الانسان شرير بطبيعته كما يزعم توماس هوبز ومن يعتقد ان الانسان كائن اجتماعي كما يرى فولتير وماركس وغيرهما من الفلاسفة العقلانيين ، وأتصور اننا مقبلون على مستقبل مخيف ، وبالتالي يجب أن تتم التعبئة العامة للمثقفين والمبدعين والمفكرين لتسير كل خطانا بعمل موحد ضد الطائفية والمحاصصة المقيتة ، وظاهرة الارهاب الذي أخذ يتوسع بشكل غير معقول وأصبح جزءا من ، وعي زائف في بنية المجتمع العراقي ، خاصة ونحن نرى الثورات التي تنبثق ضد الديكتاتوريات العربية التي قادها الشباب المتنور والمتمرد ، ولهذا فقد تأخرنا نحن العراقيين كثيرا عن اكتشاف حقيقة هذه العوامل التي كانت ومازالت قاطرة التاريخ العمياء ، لأن هذه القاطرة هوجاء وعارية من أية قيمة أخلاقية وانسانية ، وإذا تحدثنا عن الثقافة لن ندخل في متاهات المصطلحات والتعريفات والشروح الكثيرة التي تضج بها أدبياتنا المعاصرة للثقافة ، وهذه الثقافة لاتنمو الا بنمو النقد للواقع الاجتماعي ، وأظن هذا لايتم إلا إذا توفرت له الحرية والديمقراطية ، ومن هنا يحق لنا التساؤل ان اعاقة الثقافة تعني اعاقة التنمية وتدمير الوسط الذي يزدهر فيه الابداع . ، وإذا تكرست هذه الحالة فمعنى ذلك انه لا الشاعر ولا الروائي ولاغيرهما من المبدعين يستطيع أن يواصل ابداعه ، فالكل سيسقط في العبث والعدمية . وما أجمل ما أوضح فرانز فانون هذه المسؤولية (( ان مسؤولية المثقف ليست مسؤولية عن الثقافة الوطنية . بل مسؤولية كلية شاملة للشعب بأسرها ، وما الثقافة الا جانب من جوانبها . فالكفاح في سبيل الثقافة الوطنية انما هو كفاح في سبيل الحرية )) . اذا مهمة المثقف الآن استثنائية ومزدوجة محملة بالكثير من المسؤوليات والهموم وهو ليس مخولا بالتنازل عن حلم الحرية ، فنحن نعتقد أن المثقف العراقي شأن المثقفين في العالم العربي يحمل مسؤولية متعددة الجوانب ، انها مسؤولية الحياة والمجتمع ، اننا محكومون بالأمل ومايحدث اليوم لايمكن أن يكون نهاية التاريخ . وإن أراد أن يظل مثقفا عليه أن يبحث عن مثقفين في المجتمع ويؤمن بوحدة التجديد والاختلاف ومن ثم فإن أزمة المجتمع انما تكمن في أزمة المثقفين ، نستنتج من ذلك ان الثقافة هي تعبير عن تراكمات تتداخل فيها أفعال متنوعة وليس من باب المصادفة أن تلجأ القوى التسلطية القائمة في العالم العربي والعراق بشكل خاص الى تعميق ظاهرة ترهيب المبدع ، وصولا الى قتلهم أو تهجيرهم أو سجنهم أو ارغامهم على السكوت بوسائل الترغيب والترهيب . وقد وصف الكواكبي في كتابه : (( طبائع الاستبداد )) مانصه : الاستبداد ان كان رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال (( أنا الشر وأبي الظلم ، وأمي الاساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة ، وعمي الضر ، وخالي الذل ، وابني الفقر ، وبنتي البطالة ووطني الخراب وعشيرتي الجهالة . )) . المثقف اذاً هو الشخص الذي يمثل رسالة ، تستهدف خدمة المجتمع ، فالثقافة هثي الميدان الرئيسي لطرح مسألة التغيير في مجتمعنا وتحقيق نهضة ثقافية ، أو تحرر العقل من المطلق وبناء المجتمع المدني وحفظ هويتنا الوطنية ، ونشير هنا الى أن المثقفين ينقسمون الى ثلاثة أقسام ، فيما يتعلق بموقفهم من السياسة : نقد الحكم ، والمشاركة في الحكم ، والعزلة في (( البرج العاجي )) والثقافة تبقى خارج نطاق الدولة وتأتي هنا معادلة الثقافي والسياسي قد تتداخل هذه المعادلة فيكون الثقافي والسياسي في معسكر واحد وقد يختلف ولكن المهم أن الابداع له اعتبارات وحدود . ان هذا كله يصبح حوارا مبدئيا في القول والعمل من أجل عراق ديمقراطي موحد ، حتى نكون قادرين على هزيمة العنف في الشارع العراقي . السؤال اذاً : ان ولادة المثقف العقلاني يحتاج الى دور متميز للمبدعين العراقيين داخل الوطن بالدرجة الأولى وكذلك خارج الوطن ، لاحياء وتنظيم المجتمع المدني واعادة الهيبة للثقافة الوطنية . وأخيرا ( على جيلنا أن يحسم أمره : أن يضحي كي يرسي تقاليد جديدة تحفظ للمثقف آدميته .. .) .. *
* عن الحوار المتمدن….